قبل أن ينتحروا البلد

06.12.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رمزة عسّاف
أكثر من 60 شركة في لبنان، تقدمت بطلب صرف جماعي في أقل من أسبوع. الكلام لوزير العمل في حكومة تصريف الأعمال كميل أبو سليمان الذي رفض القبول بأي صرف جماعي عشوائي، مطالباً الشركات إظهار بياناتها المالية للتثبّت من أنها تأثرت فعلاً بالوضع الإقتصادي. ترافق هذا الأمر مع معلومات تؤكد أن أكثر من 140 ألف لبناني خسروا وظائفهم في الفترة الأخيرة بسبب الضائقة الإقتصادية. 
طبعاً الأزمات الإقتصادية ليست حدثاً يحصل للمرة الاولى في التاريخ، وقد يقول البعض أن لبنان ليس الوحيد الذي ينهار اقتصاده، وها هي اليونان وقعت بدورها بمثل هذه التجربة الخطرة ثم تعافت. هذا صحيح، لكن للبنان خصوصية قاتلة، فالبلد ليس أمام مجرّد انهيار اقتصادي عادي بل أمام انهيار أخلاقي وانهيار ضميري لطبقة سياسية تنهش لحمه منذ ثلاثين عاماً ولم تترك منه سوى العظام. 
خصوصية لبنان المدمِّرة هي أن المواطن الذي فقد اليوم مصدر رزقه والمهدد بلقمة عيشه، والذي بات مضطراً لأن يشحذ فتاتاً من جنى عمرٍ محجوز في المصرف، هو نفسه المواطن الذي يغرق سنوياً مع كل شتاء ويحترق مع كل صيف.. هو نفسه الذي يحلم بكهرباء ومياه لا يتوفران إلا مع فاتورتين ترهق كاهله، هو المواطن نفسه الذي تقتله سموم النفايات ويقطع التلوث أنفاسه حتى صار"على آخر نفس" في بلد أحرز أعلى نسبة سرطان في العالم، وفاز بأعلى مرتبة فساد ينخره بكل مفاصله ومن رأسه حتى قدميه. 
خصوصية لبنان الكارثية هي أن المواطن الذي يعيش اليوم أزمة الرغيف وانقطاع البنزين والمهدد بحياته مع أزمة انقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية التي بدأت تنفد في المستشفيات، هو نفسه أسير طبقة سياسية لا يرف لها جفن رغم اتهامها بأنها نشّفت بفسادها حليب الدولة الذي سُيّل عشرات مليارات الدولارات المهرّبة في مصارف سويسرا وغيرها.   
وتسألون لماذا وصل اللبنانيون إلى هذه المرحلة المتقدمة من اليأس و.. حتى الإنتحار؟! 
طبعا لسنا هنا في معرض تبرير الإنتحار.. وحتى لو سلمنا جدلاَ بأن الاضطرابات النفسية هي سبب رئيسي وراء هذه الحالات كما يقول بعض الاطباء، ولكن هل من الجائز أن تقدم الدولة لشعبها كل العوامل التي تفاقم هذه الأضطرابات لتصل حدّ الانتحار؟ 
فابن عرسال ناجي فليطي الذي عجز عن تأمين منقوشة لابنته هو شهيد عزة النفس والكرامة قبل أن يكون ضحية مرض نفسي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى داني أبو حيدر الذي استقوت عليه أعباؤه المالية، فعزّت عليه الحياة مديوناً وليس باليد حيلة. أما المحطة الثالثة فانطوت على مفارقة مؤثرة.. ففي وقت كانت وسائل التواصل تتناقل خبر ابن بلدة تبنين الجنوبية حسين دكروب الذي وضع بصماته المميزة في شركة فورد العالمية إذ نجح في تطوير الجهاز الإلكتروني لسيارة الماستنغ الكهربائية للعام 2021 ، كانت تبنين تتلقى بحزن خبر انتحار ابنها نزيه عون. فهل كان عون يا ترى أقدم على الانتحار لو كان يعيش خارج أرضه؟ 
لا أيها السادة... قد يكون الانتحار أقل أثمان الأزمة المستفحلة لأن الامور "الفالتة على غاربها" لا بدّ أن تؤدي الى الأعظم والأسوأ. والأسوأ هو أن الناس عندما يجوعون سينهشون بعضهم بعضاَ ويقتلون بعضهم بعضاَ.. وعندها نكون أمام انتحار لا بل "نحر" جماعي. 
وهلق لوين؟ يسأل كثيرون . والجواب أن ليس أمام الشعب سوى الصمود والتسلّح بالأمل والصبر والإيمان.  ورجاءً، لا تحدثوننا بعد اليوم عن عُقدٍ نفسية تودي ببعض المظلومين الى الإنتحار..  لأنه إذا كان هناك من عقد نفسية فهي لدى اولئك الجائعين للنفوذ والمال والسلطة .. فهؤلاء فقط يجب أن ينتحروا و... قبل أن ينتحروا البلد.