« البريكسيت»
وامتصاص الصدمة

21.11.2019
مغاوري شلبي علي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم د. مغاوري شلبي علي* 

من المؤكد أن بریطانیا ستخرج من الاتحاد الأوروبي، ولكن من غیر المؤكد هو سیناریو الخروج، ومن غير المؤكد أيضاً هو الآثار الاقتصادیة المتوقعة على الاقتصاد العالمي والاقتصادات العربیة تحديداً لأن هذه الآثار تتوقف على توقيت الخروج وشكله. وللتذكير فإن إعلان نتيجة الإستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد في شهر يونيو 2016، كانت له إنعكاسات سلبية كبيرة على الاقتصاد العالمي، فتراجع الجنیه الإسترلیني إلى أدنى مستوى له منذ العام 1985، وانخفضت أسعار النفط العالمیة، وتدهورت معظم البورصات العالمیة، كما إن الخسائر التي تكبدها مؤشر «داو جونز» الصناعي كانت أكبر من الخسائر التي نجمت عن إغتیال الرئیس كيندي العام 1963، وأكبر من الخسائر الناجمة عن تفجير مركز التجارة العالمي العام 1993.  

إن خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبي ستكون له آثار اقتصادیة على المنطقة العربیة في الأجلین القصیر والطویل، بسبب ارتباط الدول العربية مع بریطانیا والاتحاد الأوروبي بعلاقات اقتصادیة وتجاریة واستثماریة قوية، وهذا الخروج يعني وقف تنفیذ كافة الالتزامات التعاقدیة بین الطرفین والتي یصل عددها إلى نحو خمسة آلاف اتفاق، ونحو 1500 اتفاق دولي بین الاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى، وهو ما یتطلب العمل من أجل بناء إطار مؤسسي وقانوني جدید للعلاقات الاقتصادیة والسیاسیة بین بریطانیا وبقیة دول العالم بما فیها الاتحاد الأوروبي. وقد تسعى بریطانیا مع الاتحاد الأوروبي إلى تعدیل بعض الاتفاقات الاقتصادیة والتجاریة بشكل یضمن تحقیق مصالح الطرفین بعد الانفصال، بالإضافة إلى حتمیة تفاوضها مع الشركاء التجاریین الآخرین- ومنها الدول العربیة - من أجل عقد اتفاقات تجاریة واقتصادیة ثنائیة جدیدة. ولذلك يتوجب على الدول العربیة على مستوى الحكومات والشركات والبنوك التحرك لوضع سیناریوهات وبدائل لمواجهة التداعيات المحتملة.

حالة السيناريو الأسوأ

في حالة حدوث السیناریو الأسوأ وهو انفصال بریطانیا الكامل من دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، هناك آثار اقتصادیة متوقعة عدة ستصاحب تنفیذ الخروج، أهمها تزاید المخاوف العالمیة من وقوع أزمة اقتصادیة كبیرة على غرار أزمة 2008، ویعزز من احتمال حدوثها أن الاقتصاد العالمي یعاني من مشكلات اقتصادیة متراكمة تفوق في حدّتها ما كان علیه الوضع قبل الأزمة السابقة، بخاصة ارتفاع الدیون السیادیة، وتدني الإنتاجیة،  وتناقص الأدوات المتاحة لدى البنوك المركزیة الرئیسیة، وتزايد السیاسات التجاریة الحمائیة. وخروج بریطانیا الفعلي من الاتحاد الأوروبي سیؤدي إلى حدوث زیادة كبیرة في عدم الیقین السیاسي والاقتصادي والمؤسسي، ما یؤدي بدوره لعواقب اقتصادیة كلیة سلبیة، بخاصة على الاقتصادات الأوروبیة المتقدمة، التي ستواجه تداعيات إنتقال جزء من الخدمات المالیة في بریطانیا بالتدریج إلى منطقة الیورو،  وعودة الترتیبات التجاریة بین المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى معاییر منظمة التجارة العالمیة.  

إهتزاز أسواق المال والعملات

وفي هذا السیاق، سیكون تأثیر الخروج الفعلي لبریطانیا أكثر حدة على أسواق المال العالمیة نتيجة تزايد مخاوف المستثمرین من النتائج المرتقبة، وتزايد توقعات تباطؤ الاقتصاد العالمي وما یصاحب هذه التوقعات من لجوء معظم المستثمرین إلى البحث عن أصول آمنة كالذهب، وهو ما قد یؤدي إلى انهیار البورصات العالمیة ولكن سیخفف من حدة هذه الآثار أن الخروج الفعلي لبریطانیا من الاتحاد الأوروبي لن یمثّل مفاجأة، وهناك  إستعدادات مبكرة له.  

أیضاً لن تكون أسعار صرف العملات الدولیة الرئیسیة بعیدة عن التأثر بهذا الحدث، حیث يمكن حدوث تراجع في قیمة الیورو والإسترلیني أمام الدولار بسبب تراجع القوة الاقتصادیة لكل من بریطانیا والاتحاد  الأوروبي، وسوف یعزز ذلك نشاط المضاربة على العملتين. أما وضع الیورو والإسترلیني مقابل الدولار فسيتوقف في الأجل الطویل على عوامل عدة أهمها السیاسة النقدیة التي ستتبناها بریطانیا بعد الخروج، وهل ستظل تنسق مع السیاسة النقدیة لمنطقة الیورو أم لا؟ وهل ستظل بریطانیا ملتزمة بإتفاقیة ماسترخت بنسبة الدیون السیادیة، ومعدل التضخم، وعجز الموازنة أم لا؟  

تأثر التجارة الدولية 

أیضاً سیؤثر الخروج الفعلي لبریطانیا من الاتحاد  الأوروبي على حجم واتجاهات التجارة الدولیة نتیجة حدوث تحویل لجزء مهم من التجارة بین بریطانیا والاتحاد الأوروبي إلى دول أخرى، وذلك بعد إلغاء المزایا التفضیلیة التي تحصل علیها السلع المتبادلة بین الطرفین بموجب العضویة في الاتحاد، كما ستتراجع التجارة البینیة بين دول الاتحاد لصالح شركاء جدد من خارج الاتحاد، وستتغیر موانئ ومحطات وصول الصادرات إلى بریطانیا وبقیة دول الاتحاد، وذلك لأن خروج بریطانیا سیلغي مبدأ دخول الصادرات من دول العالم لدول الاتحاد الأوروبي من أي دولة لبقیة الأعضاء، وهو ما قد یرفع تكالیف بعض الصادرات ویؤثر على التنافس الدولي.    

ومن الوارد أن يتراجع التنسیق بین دول الاتحاد الأوروبي في مفاوضات منظمة التجارة العالمیة، حیث لن تشارك بریطانیا مع الاتحاد في تقدیم ملف موحد وفي تبني موقف تفاوضي واحد في المنظمة، وقد تصبح بریطانیا طرفاً جدیداً في الصراع التجاري الدولي الى جانب الصین والیابان والولایات المتحدة، وقد تتبنى مواقف مضادة للمواقف التي یتبناها الاتحاد الأوروبي، ومن ثم من الوارد حدوث المزید من التعقید في مفاوضات منظمة التجارة العالمیة، وزیادة الصعوبات التي تواجه جولة الدوحة للتنمیة.  

كيف تتأثر الدول العربية؟ 

  ومن المعروف أن بریطانیا شریك تجاري مهم للدول العربیة وأن هناك العدید من الاتفاقات التجاریة التي تنظم العلاقات التجاریة بین الدول العربیة والاتحاد الأوروبي ومنها ما یعرف بإتفاقات المشاركة، وتعطي هذه الإتفاقات للصادرات العربیة إلى الاتحاد الأوروبي العدید من المزایا، كما تتضمن تحریر التجارة من القیود الكمیة والتعرفة الجمركیة، والمؤكد أنه في حالة خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبي، سیتوقف تطبیق اتفاقات المشاركة وهو ما یعني عدم تمتع الصادرات العربیة بالمزایا التفضیلیة، وستطبق قواعد منظمة التجارة العالمیة على العلاقات التجاریة العربیة البریطانیة طالما لم یتم التوصل الى إتفاقات تفضیلیة جدیدة مما سیزید من حدة المنافسة التي تواجهها من الدول الأخرى ویؤدي إلى انخفاض الصادرات العربیة إلى بریطانیا، أیضاً سترتفع أسعار الواردات العربیة من بریطانیا، وفي ظل توقع انخفاض قیمة الإسترلیني والیورو أمام الدولار، ستتأثر التجارة  العربیة مع الاتحاد الأوروبي وبریطانیا، وذلك لأن انخفاض العملتين أمام الدولار سیخفض القدرة التنافسیة للصادرات العربیة لإرتفاع أسعارها.  

 على صعید آخر، من المتوقع أن تتأثر الاستثمارات والمشاريع البریطانیة وغیر البریطانیة في الدول العربیة التي تصدر منتجاتها وخدماتها إلى الاتحاد الأوروبي والتي أنشئت من أجل الاستفادة من المزايا التي تقدمها اتفاقات المشاركة الأوروبیة للصادرات العربیة لدول الاتحاد، وسیكون التأثیر أكبر على الاستثمارات التي تصدر منتجاتها بشكل رئیسي الى السوق البریطانیة، حیث سترتفع تكلفة التصدیر وتقل قدرة منتجات هذه الاستثمارات على المنافسة. أیضاً ستتأثر المشاريع الاستثمارية الأجنبیة والعربیة التي تعمل في بریطانیا من أجل التصدیر لأسواق بقیة دول الاتحاد ولأسواق الدول الموقعة على اتفاقات مشاركة مع الاتحاد ومنها الدول العربیة، حیث ستفقد صادرات هذه المشاريع المزايا التي كانت تتمتع بها في هذه الأسواق بعد الخروج النهائي لبریطانیا.  

الاستعداد المبكر

في ضوء ما سبق، فإن الحكومات العربیة بحاجة الى متابعة تداعیات  خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبي ومتابعة الإجراءات والسیاسات التي ستتخذها الدول الأخرى للتعامل معها، كما یتطلب الأمر الدخول في مفاوضات لعقد اتفاقات ثنائیة جدیدة بین الدول العربیة وبریطانیا لتكون بدیلة عن اتفاقات المشاركة مع الاتحاد الأوروبي، وذلك لضمان استمرار نفس المزایا التجاریة التفضیلیة التي كانت متبادلة بین الطرفین، وبما یحقق أقصى استفادة للإقتصادات العربیة ویحدّ من الآثار الاقتصادیة السلبیة المصاحبة لخروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبي. 

* رئيس المجموعة الاقتصادية 

في المكتب الفني لوزير التجارة والصناعة – مصر