"الناتو" يدخل حرب
شبكات الجيل الخامس

21.11.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إياد ديراني
دخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) على خط أزمة شبكات الجيل الخامس 5G التي استعرت بين الولايات المتحدة والصين بداية العام الحالي، وشكلت بنداً أساسياً على في الحرب التجارية بين الطرفين. لكن في حين بدأت الإدارة الأميركية بسياسية فرض القيود التجارية وتحذير حلفائها من المخاطر تحت ذريعة الثغرات الأمنية الناتجة عن استخدام شبكات "هواوي"، استكمل الناتو على لسان أمينه العام ينس ستولتنبرغ الهجوم معتبرا التكنولوجيا الصينية ومن ضمنها شبكات الـ 5G وتقنية التعرف على الوجه و"انترنت الأشياء" IoT، خطرا وتهديدا لـ "الأمن العالمي". وقال أن التكنولوجيا الصينية "تُغيّر أساليب الحرب وتغيّر مجتمعاتنا أيضا"، معتبرا أن "نجاحنا يقوم على تفوقنا التكنولوجي على أعدائنا المحتملين". 
ولا شك أن هذه التصريحات رفعت حدة المواجهة بشكل كبير شكلا ومضمونا، ولم تعد صينية – أميركية فحسب، لأن الناتو يضم حلفاء واشنطن الـ 28 في أوروبا وأميركا الشمالية. من حيث الشكل طرح موقف "الناتو" علامات استفهام عدة، خصوصا وأن كلام ستولتنبرغ جاء في "منتدى الصناعات" NATO Industry Forum الذي ينظّمه الناتو في واشنطن، ويحضره ممثلو وزارات الدفاع والقادة العسكريون من مختلف جيوش الدول الأعضاء بالإضافة إلى قادة شركات الصناعات العسكرية والتكنولوجية والأمن الرقمي. أما من حيث المضمون فقد شرح ستولتنبرغ موقفه خلال المؤتمر قائلا أن الصين باتت قادرة على جمع البيانات أو Data "ليس فقط من الصين، ولكن من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من الدول الأعضاء في الناتو". ولم ينسى التصويب على خطورة تقنية "انترنت الأشياء" IoT التي حذّر من أنها تجعل دول حلف الناتو "أكثر ضعفا وتعرضا للمخاطر". 
وعمليا زوّدت تصريحات ستولتنبرغ، الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين ببُعد عسكري بغاية الخطورة. ولهذا التصعيد معان وانعكاسات اقتصادية وتكنولوجية، ربما يمكن إيجازها في التالي: 
• تمكنت الصين من خلال نشاطاتها التكنولوجية الدؤوبة على مدى أكثر من عقدين، من الوصول بخدماتها وحلولها الرقمية إلى عقر دار الدول الغربية من خلال شبكات الاتصالات والهواتف والحلول التكنولوجية. وقد تمكنت هواوي من تحقيق جزء أساسي من هذا الإنجاز معتمدة على "امبراطورية" يقف خلفها على حد تعبير مؤسسها رن زنغفوي "جيش من المهندسين في قطاع الأبحاث والتطوير" يبلغ عديده نحو 70 ألفا. ومن المعروف أن بجعبة "هواوي" اليوم نحو 87805 براءة اختراع، وأنفقت على تطوير الجيل الخامس وحده نحو ملياري دولار. 
• في الماضي كانت الولايات المتحدة تبتكر و"تفكر" وتُنتج براءات الاختراع في مجالات مختلفة ومنها التكنولوجيا، وكانت بلدان العالم ومن بينها الصين تصنّع وتصدّر. أما اليوم، باتت الصين تفكر وتبتكر وتصنع وتصدّر. وما تبتكره الصين اليوم لم يعد مجرد راديو أو آلة لصنع القهوة، بل شبكات اتصالات يُجمع الخبراء على أنها ستغيّر العالم الذي نعرفه، وستمهّد الطريق أمام الثورة الصناعية الرابعة. كما أن الصين إندفعت لتنافس في عدد كبير من القطاعات كصناعة السيارات والمعدات الصناعية وأجهزة الرعاية الصحية وغيرها. 
• لم تعد الولايات المتحدة قادرة على التسامح والتساهل مع بلدان تحاول إزاحتها من مواقع الريادة في بعض المجالات وتحديدا القطاعين المالي والتكنولوجي. وهي في ذات الوقت تبذل جهدا كبيرا لمنع حلفائها من اعتماد التكنولوجيا الصينية، لأن ذلك يؤدي بحسب الإدارة الأميركية إلى إحداث ثغرة أمنية ولها انعكسات خطيرة. 
• مع انتقال الصراع من الاقتصاد إلى العسكر، تكون واشنطن قد أكملت الطوق الذي وضعته على التكنولوجيا الصينية، و"حشرت" معها حلفائها المترددين في "الناتو"، مثل ألمانيا حيث رفضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل استثناء "هواوي" من فرصة تطوير الجيل الخامس في بلادها.  
• مع التصريحات الجديدة لـ الناتو نُدرك أكثر سبب غياب الحماسة لدى الولايات المتحدة تجاه عرض رن زنغفوي الذي أبدى فيه الاستعداد لبيع براءات اختراع الجيل الخامس للولايات المتحدة، فالمهم هنا ليس الجيل الخامس ولا شبكات الاتصالات بحد ذاتها، بل وقف المدّ الصيني التكنولوجي المتسارع.