المصارف العربية وشركات التكنولوجيا المالية
حتمية التكيف

20.11.2019
د. محمد الهاشل
مبارك المنصوري
عبد العزيز الغرير
عادل الماجد
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عاصم البعيني

على وقع إرتفاع حدة المخاطر الجيوسياسية في المنطقة، وتداعيات التوترات التجارية الدولية، تواجه الصناعة المصرفية تحديات مستجدة نتجت عن تسارع وتيرة التقنيات المالية والتحول الجذري في الخدمات المقدّمة من الشركات المتخصصة سواء لجهة إنخفاض كلفتها وارتفاع فاعليتها.

وعلى رغم مسارعة مصارف خليجية عدة إلى تبني الخيار الرقمي عبر تأسيس كيانات رقمية مستقلة، فإنها تبدو أمام تحدي كسب ولاء العملاء من شريحة جيل الألفية وكذلك قدرتها على الابتكار وتوفير الخدمات بفاعلية أكبر. وتواجه المصارف العربية خارج منطقة الخليج مستويات أكبر من الضغوط نظراً إلى إنخفاض قدرتها على ضخ استثمارات ضخمة وانخفاض نسب الشمول المالي في أسواقها الذي تعوضه الشركات المتخصصة  ولاسيما شركات الاتصالات التي تستفيد من نسب اختراق مرتفعة. وتشير دراسات متخصصة إلى أن 40 في المئة من الإيرادات الحالية للمصارف تبدو مهددة في العام 2025.

 

تخوض النماذج التقليدية للمصارف كمزود لخدمات التمويل تحدياً أساسياً في ظل تسارع وتيرة التقنيات المالية وظهور شركات منافسة من خارج القطاع. ونجحت هذه الشركات في الاستفادة من قاعدة عملائها وتحليل بياناتهم للتنبؤ بمتطلباتهم من خدمات ومنتجات، في وقت كان تحرك المصارف أقل مرونة وفاعلية ولا سيما لجهة العمل على توفير خدماتها بتكلفة أقل وفاعلية أكبر وسط قدرة أقل على الابتكار، رغم ما تملكه من قاعدة بيانات ضخمة.  

خطر الإنقراض 

يقول محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل إن التحدي الحقيقي الذي يواجه المصارف لا يكمُن فقط في شركات التقنيات الحديثة، بل مصدره كبرى الشركات العالمية ومنها «أمازون» و«فايسبوك» و«علي بابا» و«أبل» وسواها، ولا سيما بعد أن بدأت هذه الشركات في تقديم خدمات مالية وإن بنماذج مختلفة معتمدة على قاعدة عملائها الواسعة وفهمها الأعمق لمتطلبات العملاء من خلال تحليلها لأنماطهم الاستهلاكية. ويحذر د. الهاشل من أن الزمن سيتخطى المصارف ما لم تبادر إلى تحسين الاستفادة من هذه التقنيات. 

بدوره ، يقول محافظ المصرف المركزي الإماراتي مبارك المنصوري إن الكثير من المصارف باتت تتعاون مع شركات التقنيات المالية لتحقيق التكامل وإقامة شراكات معها عوضاً عن منافستها. 

ويرى د.الهاشل أن التحدي الذي يواجه المصارف في ظل تطور الخدمات الرقمية يتجلى في التقدم التقني الهائل وتسارع وتيرته، مشيراً إلى أن تطور هذه التقنيات يساهم في تغيير وجه الاقتصاد والصناعة المصرفية بمفهومها التقليدي. 

تهديد لمصادر الإيرادات

وساعدت هذه التطورات شركات التقنيات المالية لتحل محل شركات الوساطة المالية. وبحسب شركة «ماكينزي» هناك خمسة قطاعات أساسية ضمن نشاط المصارف ستتأثر بنمو خدمات شركات التقنيات المالية وهي تمويل الأفراد، الرهن العقاري، تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أنظمة المدفوعات وإدارة الثروات، وهو ما يشكل تهديداً لنحو 40 في المئة من عوائد المصارف في العام 2025. ويعود السبب في ذلك إلى كون هذه الشركات تقدم خدمات أقل كلفة وأعلى كفاءة، فعلى سبيل المثال تقل فوائد القروض الممنوحة من قبل الشركات بنحو 400 نقطة أساس مقارنة بالأنظمة التقليدية فيما تختصر مدة الحصول على القرض إلى ثوان قليلة.  

ماكينزي: 40 في المئة من إيرادات المصارف مهددة في 2025

يعدّ كسب ولاء العملاء التحدي الأول أمام المصارف ولاسيما في ظل التغير الجذري في طبيعة قاعدة العملاء، إذ وبعد أن كان جيل الألفية يشكل الشريحة الأولى من العملاء، وسط طلب على الخدمات الرقمية، تشهد قاعدة العملاء تحولاً جذرياً مع دخول «الجيل زد» (Generation Z) ممن لديهم أنماط رقمية مختلفة، ما يتطلب تطوير برمجيات تتوافق مع متطلباتهم. 

وما يميز هذا الجيل أن ولاءه يكون لمدى تكامل البيئة الرقمية وليس للعلامة التجارية التي يتعاملون معها، ما يعني أن على المصارف بذل المزيد من الجهد لتبقى حاضرة في أذهان عملائها بعد أن كانت تعتمد في العقود السابقة على الولاء المطلق للعملاء من جيل إلى آخر. وتشير تقارير متخصصة إلى أن نحو 40  في المئة  من العملاء في العالم تلقوا خدماتهم المالية من خلال الشركات المتخصصة وليس من المصارف خلال العام الماضي. 

كيانات رقمية تابعة 

وترتبط المحافظة على قاعدة العملاء لدى المصارف ارتباطاً وثيقاً برفع كفاءتها، وهو ما يمكن تحقيقه عبر تحسين استفادة المصارف من بيانات العملاء المتوفرة لديها والعمل على تحليلها بهدف الاستفادة منها في تقدير الاحتياجات الدقيقة للعملاء والتنبؤ بها وتطوير الخدمات والمنتجات في ضوئها. ومن شأن تحسين استخدام التقنيات المالية من قبل المصارف أن تمكّن العميل من الحصول على الخدمة بوقت وكلفة أقل تتراوح مابين 80 و90 في المئة، وهو ما يسمح للمصارف إعادة توظيف الوفر المحقق في قطاعات أخرى. 

وبهدف ردم الفجوة الحاصلة، عمدت بعض مصارف الإمارات إلى تأسيس كيانات رقمية متكاملة بهويات جديدة، وهو ما تجلى في إطلاق بنك المشرق مصرفه الرقمي «المشرق نيو»، وبنك الإمارات دبي الوطني منصته الالكترونية «Liv»، ضمن خطة لإستثمار مليار درهم خلال ثلاث سنوات، مستقطبة نحو عشرة آلاف عميل شهرياً بما يعادل عدد الحسابات التي يجري افتتاحها عبر 120 فرعاً تابعاً للبنك، إذ إن نحو 80 في المئة من عملاء المنصة هم من جيل الألفية. واتسع التوجه لإطلاق هويات رقمية مستقلة لتشمل بنك الخليج الدولي الذي طرح منصة «ميم» وافتتح أولى فروعه الرقمية في الرياض. 

فوائد القروض تقل بنحو 400 نقطة أساس لدى شركات التقنية المالية

وذهبت المصارف الإماراتية باتجاه تعميق تجاربها عبر ضخ المزيد من الاستثمارات في الخدمات الرقمية، ويشير رئيس مجلس إدارة بنك المشرق عبد العزيز الغرير إلى وجود توجه لإستثمار 500 مليون درهم في التحول الرقمي خلال السنوات الخمس المقبلة، على أن يترافق ذلك مع إغلاق 12 فرعاً، مشيراً إلى أن تكلفة إنشاء خمسة فروع صغيرة ذكية تعادل تأسيس فرع تقليدي واحد. وتجلت الخطوة التالية في تأسيس مصارف رقمية للأعمال، حيث طرح بنك الإمارات دبي الوطني بنكاً رقمياً للأعمال (E20) متخصصاً في تقديم خدمات شاملة لرواد الاعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، والتوجه عينه اعتمده بنك المشرق عبر منصة «نيو بيزنس» (NeoBiz). 

منافسة شركات الاتصالات

إلى جانب شركات التكنولوجيا المالية (Fin Tech) كمنافس في تقديم الخدمات الرقمية، ظهرت أيضاً بالتوازي شركات الاتصالات كمزود خدمات المدفوعات الالكترونية في سياق سعيها إلى تعويض التراجع في إيراداتها، إذ عمدت كبرى الشركات في المنطقة كما هي الحال مع الاتصالات السعودية إلى تأسيس أذرع متخصصة في مجال المدفوعات الرقمية. 

ويبرز دور الخدمات المقدّمة من شركات الاتصالات في زيادة معدل الشمول المالي، مستفيدة من نسب الاختراق المرتفعة في استخدام الهاتف النقال، فهناك عدد كبير من  مشتركي الهاتف النقال لا يمتلكون حسابات مصرفية.

واتسمت التجربة في منطقة الخليج بالتعاون بين شركات الاتصالات والمصارف، بحيث يستفيد كل طرف من قاعدة العملاء المتوفرة لدى الآخر، وتجلت أولى بوادره بين STC Pay والبنك العربي الوطني في السعودية، فيما يستعد بنك بوبيان في الكويت ومجموعة زين للاتصالات لبلورة صيغة للتعاون بينهما. وفي هذا السياق يقول نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في بنك بوبيان عادل الماجد إن التعاون سيتركز في مجال المحفظة الالكترونية (Digital Wallet)، مشيراً إلى أن البنك استعد لمرحلة التقنيات المالية من خلال خطوات داخلية عدة نتج عنها إعادة هيكلة بعض الإدارات مع استحداث إدارات جديدة وتأسيس مركز للابتكار والإبداع (Innovation Center). 

مخاطر النموذج الكوري  

إلى ذلك، يواجه النموذج التقليدي لمصارف المنطقة تحدياً آخر ناتجاً عن تسارع تطور التقنيات والمتمثل في تأسيس مصارف رقمية بالكامل غير منبثقة عن مؤسسات مصرفية قائمة أو تابعة لها، وهو التوجه الذي مثله إطلاق الشركة المتخصصة في الانترنت «كاكاو» مصرفاً رقمياً منذ العام 2017 مستندة إلى قاعدة العملاء التي تملكها، ولاقى هذا النموذج المصرفي الجديد نجاحاً كبيراً مع وصول عدد عملائه إلى نحو ستة  ملايين في غضون عام على تأسيسه، ولكن تطبيق هذا النموذج على مستوى المنطقة مرهون بمدى استعداد الجهات الرقابية له وتوفر البيئة التشريعية والتنظيمية والفنية، وفي هذا السياق عُلم أن أحد المستثمرين، قدم طلباً لمؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» للحصول على رخصة مصرف رقمي متكامل مستقل عن أي مؤسسة مصرفية عاملة في المملكة.