من الجيل صفر إلى الـ 5G
شبكات الهاتف النقال في نصف قرن

16.11.2019
شهدت الحرب العالمية الثانية الظهور الأول لهواتف الاتصالات النقالة
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إياد ديراني
أطلقت الصين الشهر الماضي أكبر شبكة اتصالات من الجيل الخامس في العالم ونشرت نحو 85 ألف محطة إرسال عبر شركات الاتصالات الثلاثة "تشاينا تيليكوم"، "تشاينا يونيكوم" و"تشاينا موبايل"في معظم المُدن الرئيسية. ومن المتوقع وصول سرعة تنزيل البيانات عبر هذه الشبكات "نظريا" إلى 10 جيغابت في الثانية، و"عمليا" إلى نحو 1 جيغابت كمعدل وسطي بالنسبة للمستخدمين. وهذا يعني أن فيلما مدته ساعتان سيتطلب تنزيله ما متوسّطه 3.6 ثواني على شبكة 5G فيما كان يتطلب على شبكات 4G ما متوسّطه 6 دقائق. 
ومن المتوقع أن تسيطر شبكات الجيل الخامس على سوق الاتصالات العالمي حتى عام 2035، وهي قد تشكل بديلا حتى عن شبكات "ألياف الفايبر" Fiber Optic Cables نظرا لانخفاض تكلفة مشاريعها في بعض الحالات إلى نصف تكلفة "الفايبر" وعدم حاجتها إلى توصيلات في المباني وأعمال البنية التحتية المرتبطة بها. لكن هذا لا يعني بطبيعة الحال إختفاء الشبكات الأقدم مثل 3G و4G وحتى 2G من الأسواق لأن دورها لم ينتهي خصوصا في الأسواق النامية، ويكفي أن نعلم أن ما يُطلق عليه إسم الجيل صفر من شبكات الاتصالات النقالة بقي في الاستخدام التجاري لنحو 29 عاما. 
لكن كيف وصلنا إلى الجيل الخامس وكم عدد السنوات التي "عاشتها" أجيال شبكات النقال السابقة؟ 

الجيل صفر

بدأ تطوير أولى شبكات الاتصالات النقالة خلال الحرب العالمية الثانية وكانت تُدعى هواتف الراديو العسكرية الميدانية، ولم تصل إلى الأسواق التجارية. وكانت هذه الهواتف تعمل على موجة AM لكن المستخدمين لم يتمكنوا من التحدث في ذات الوقت، وكانت هذه الهواتف تعمل مثل أجهزة الـ "ووكي توكي" Walkie-Talkies. عام 1946 طوّرت شركة Bell System الأميركية هذه التقنية للاستخدام التجاري لكنها بقيت تعاني من مشاكل كبيرة، ولم تنتشر فعليا بين أيدي المستخدمين المدنيين حتى عام 1960.
 
بقي الجيل صفر من الشبكات في الاستخدام التجاري لنحو 29 عاما
 
وبعد إطلاق فنلندا شبكة هواتف السيارات Autoradiopuhelin عام 1971 والتي أُطلق عليها لاحقا إسم شبكة الجيل صفر 0G، كانت اليابان تطوّر عبر شركتي Nippon Telephone و Telegraph Company (NTT) شبكة الجيل الأول التي أطلقتها نهاية عام 1979. ويُمكن القول أن أبحاث تكنولوجيا الجيل الأول من شبكات الاتصالات النقالة استلزمت نحو 30 عاما. عام 1983 كانت اليابان قد غطت كامل مدنها بشبكة الجيل الأول، فيما كانت الولايات المتحدة أيضا تُطلق هذا الجيل الذي ترافق مع تقديم شركة موتورولا هاتف DynaTAC الذي كان متوافقا تقنيا مع الجيل الأول. بعدها بعدة سنوات انضمت كندا وبريطانيا إلى نادي بلدان الجيل الأول. لم يكن الجيل الأول "تحفة فنية" تقنية، إذ عانى المشتركون من رداءة الصوت وتغطية الإرسال ولم يكن ممكنا اتصال المشتركين لدى شركات مختلفة ببعضهم. 

ظهور الـ SMS

عام 1991 أطلقت فنلندا الجيل الثاني الذي شهد تحسينات في نوعية الصوت، والأهم توفرت معه "خدمة الرسائل القصيرة" (SMS) Short Message Service و"خدمة رسائل الملتيميديا" MMS. وفي تلك المرحلة بدأت الشركات تتحدث عن سرعة شبكاتها، وبلغت سرعة تبادل الداتا يومها 9.6 كيلوبت في الثانية. وبعد سنوات قليلة استثمرت الشركات في تطوير تكنولوجيا الجيل الثاني حتى بلغت السرعة 500 كيلوبت في الثانية. 
ظهور الجيل الثالث 3G، بدا وكأنه استكمال لثورة الجيل الثاني. شركة NTT DoCoMo اليابانية اعتبرت هذا الجيل الجديد عندما أطلقته عام 2001 بمثابة تطوير كبير للجيل الثاني، وقد بلغت سرعة تبادل الداتا من خلال الشبكات يومها نحو 2 ميغابت في الثانية. وهذا الأمر سمح بإجراء أولى الاتصالات الفيديوية ولكن بنوعية سيئة جدا، كما سمحت بمشاهدة بث الفيديو المباشر Video Streaming. الجدير ذكره هنا أن الجيل الثالث فتح باب خدمات الاتصالات عبر بروتوكول الانترنت وهو ما استفادت منه شركة جديدة أطلقت أعمالها عام 2003 وهي Skype.
قلب ستيف جوبز الطاولة على كل المنافسين بهاتف iPhone عام 2007 
كذلك استفادة من إطلاق شبكات الجيل الثالث شركة بلاكبيري التي أطلقت أعمالها عام 2002. وبنهاية عصر الجيل الثالث وتحديدا يناير من عام 2007 أطلق الرئيس التنفيذي لشركة "أبل" ستيف جوبز "هاتف اللمس الذكي" iPhone الذي قلب الطاولة على كل مصنّعي الهواتف، وغيّر مستقبل الهواتف في العالم.    

السويد تخطف الأضواء 

ثم خطفت السويد الأضواء بجيل جديد من شبكات الاتصالات النقالة، إذ أطلقت عام 2009 الجيل الرابع 4G تجاريا من ستوكهولم وحمل يومها إسم (LTE) أو شبكات "التطور الطويل الأجل" Long Term Evolution. هذا الجيل سمح بتبادل مقاطع الفيديو عالية النقاء نظرا لسرعة تبادل الداتا التي وصلت في حدودها القصوى في إحدى التجارب إلى 1 جيغابت في الثانية. ومع هذا الجيل بدأت تطبيقات الهاتف الذكي بالانتشار كالنار في الهشيم وهو ما حصل أيضا مع الألعاب الرقمية وتطبيقات الاتصالات الفيديوية ذات النقاء العالي. ويستفيد من هذا الجيل حاليا النسبة الكبرى من مستخدمي الهاتف الذكي حول العالم، من دون أن يعني ذلك اختفاء شبكات الجيل الثاني والثالث التي ستبقى مستخدمة على الأقل حتى عام 2025. 
وإذا أردنا النظر من المستقبل إلى مرحلة الجيل الخامس التي إنطلقت نهاية عام 2019، يمكن أن نؤرّخها بالقول أنها شهدت إنتشار تقنية انترنت الأشياء حيث بات المستخدمون قادرون على إدارة وتشغيل وتحليل معلومات مجموعة كبيرة من الأجهزة المُستخدمة في حياتهم اليومية من خلال هاتفهم. هذه الأجهزة كانت مثل السيارة ومنزلهم الذكي المزروع بأجهزة الاستشعار Sensors التي تلعب دورا في تأمين السلامة واقتصاد استهلاك الكهرباء وغيرها من الخدمات. لكن الاستخدام الأكبر لهذا الجيل كان في عالم الأعمال والخدمات الذي شهد قفزة نوعية في قطاعات مثل الرعاية الصحية والنقل والسلامة العامة والإعلام والتعليم وغيرها. كما شهد هذا الجيل الإنطلاقة الكُبرى لمراكز البيانات والحوسبة السحابية وأنظمة تحليل البيانات وما يُعرف بـ "الذكاء الاصطناعي".
وبالمناسبة بدأت الشركات حول العالم عام 2019 بإنفاق الميزانيات لتطوير الجيل السادس، الذي قد يرى النور بعد نحو 10 أعوام.