السـودان:
مخـاض العبـور

16.09.2019
عبد الفتاح البرهان
د. عبدالله حمدوك
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم: رؤوف أبو زكي *

أثبت السودانيون أنهم على درجة عالية من الوعي والوطنية، خلال الثورة وبعد نجاحها، بما يُبشّر بولادة سودان جديد يحقق آمال المواطنين في حياةٍ كريمة واستقرارٍ سياسي وأمني وازدهارٍ اقتصادي، بعد ثلاثة عقودٍ من المعاناة حوّلت السودان إلى دولة هشّة، حتى أصبحت مثالاً عالمياً لنموذج البلد الغني والشعب الفقير. 

هذا الواقع مرشح بقوة وبسرعة للتغيير، ولاسيما إذا توفرت الإرادة والإدارة لدى القوى الفاعلة لمقاربة التحديات بواقعية وشفافية وحزم. فبعد الإطاحة بنظام عمر البشير ظهر النور أخيراً في نهاية النفق الذي دخلته الثورة السودانية وذلك بسبب صعوبة المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري حول أسس الحكم وإدارة شؤون البلاد خلال الفترة الإنتقالية، ولذلك يعتبر يوم 21 أغسطس 2019 بداية فجر جديد للسودان، حيث تمّ تشكيل المجلس السيادي الجديد الذي سيدير شؤون البلاد حتى يتم إجراء الانتخابات الرئاسية بعد نحو ثلاث سنوات.

ورغم أن الوثيقة الدستورية التي تمّ توقيعها وضعت العديد من الضوابط لضمان النجاح في عبور المرحلة الإنتقالية، إلا أن العديد من التحديات تحيط بهذه العملية، ولذلك فإن جميع الأطراف مطالبون بإدراك حقيقة هذه التحديات وكيفية مواجهتها، لضمان الإنتقال بنجاح نحو دولة مدنية ديمقراطية مزدهرة اقتصادياً بعد ثورة عظيمة أقل ما يمكن أن توصف به أنها ثورة وعي حقيقي، وأنها سوف تكون نبراساً لكثير من شعوب القارة الأفريقية والمنطقة العربية رغم ما خضب ثوبها من دماء زكية للشهداء.

إن تحديات المرحلة الانتقالية متعددة، فهناك مخاطر سياسية يتمثل أهمها في قوى معارضة الثورة والتغيير في السودان التي يمثلها أصحاب المصالح ورموز العهد السابق، وهو ما يعرف بالدولة العميقة التي تأثرت مصالحها بالثورة وستتأثر أكثر بالإنتقال الى المرحلة الجديدة، حيث ستعمل هذه القوى بكل ما لديها من أساليب على إثارة المشاكل وبث الخلافات بين جميع الأطراف لإفشال الإنتقال إلى الدولة المدنية الديمقراطية. ورغم أنه من الطبيعي إستبعاد حزب المؤتمر الوطني ورموز عهد البشير من المشاركة في المرحلة الإنتقالية، إلا أن الأمر يتطلب التعامل مع هذه القوى وتلك الرموز بكل حزم حتى لا تتمكن من إفشال عبور المرحلة الإنتقالية. 

 

20 أغسطس 2019 بداية فجر جديد للسودان 

كما إن المجلس السيادي الجديد، برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان مطالب بضمان محاكمات جادة وعادلة لكل المتهمين بالفساد وبإرتكاب جرائم بحق الشعب السوداني، والقصاص لشهداء الثورة وتعويض المصابين، والإبتعاد عن المحاكمات الصورية لأنها ستؤثر على مصداقية المجلس وعلى فرص النجاح.

أيضاً قد يشكل عدم صدق النوايا وعدم الشفافية من بعض الأطراف الممثلة في المجلس السيادي الجديد أخطر تهديد للمرحلة الانتقالية، خصوصاً إذا حاول هذا البعض عرقلة الإنتقال للحكم المدني في نهاية المدة المحددة، ولذلك لا بدّ من تأكيد الجميع على إخلاص النوايا وعلى الشفافية الكاملة وإرساء الثقة، وتغليب المصلحة العامة السودانية، وعلى العسكريين أن يستحضروا روح المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وأن يثبتوا أنهم أبناء هذا القائد العسكري السوداني العظيم الذي ضرب مثلاً رائعاً وسلم الحكم طواعية لسلطة مدنية منتخبة بعد عام واحد من إنتفاضة 1985 التي أطاحت بالرئيس جعفر نميري.

إلى ذلك، يبرز تحديان أساسيان، أولهما ضرورة إستمرار الحوار مع الحركات العسكرية، ولاسيما في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وعلى رأسها الجبهة الثورية بهدف تقريب وجهات النظر معها حول مخرجات المرحلة الإنتقالية، وصولاً إلى توحيد الرؤية حول «السودان الجديد» واستيعابها ضمن الجيش الوطني السوداني. أما التحدي الآخر، فيكمن في تقوية مركزية الدولة مالياً واقتصادياً على حساب الولايات التي تحوّلت إلى دويلات داخل الدولة، بفعل «الإستقلالية المصطنعة»، مما أوصل هيكلية الدولة إلى حدّ التفكك، مع أهمية الحفاظ على اللامركزية الإدارية لتسهيل خدمة المواطنين في الولايات.    

 

إصلاح أجهزة الدولة وتحريك الاقتصاد، ابرز التحديات والألولويات 

وعلى الصعيد السياسي أيضاً، قد يمثل البعد الدولي في القضية السودانية تهديداً للمرحلة الانتقالية، ولذلك يجب تغليب المصلحة الوطنية والابتعاد عن الأجندات الخارجية لأن التجاذبات الإقليمية والدولية، وتجاوب بعض الأطراف السودانيين معها قد يأخذان الثورة والبلاد في مسار مختلف ويتسببان في فشل عبور المرحلة الإنتقالية، وهنا لا بدّ من التنويه بالدور الإيجابي الذي لعبته كل من مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وإثيوبيا بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد علي لإرساء الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وهو ما يؤشر إلى دور محتمل للبلدين لتفكيك العقد، في حال نشأت، خلال المرحلة الانتقالية، فضلاً عن الدور المأمول للسعودية والإمارات لإقناع الولايات المتحدة الأميركية برفع السودان عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب.   

أما على الصعيد الاقتصادي، فإن إستمرار الأوضاع السيئة يهدّد النجاح في عبور المرحلة الإنتقالية، لأن عدم التحسن السريع لهذه الأوضاع  قد يدفع بعض الفئات للخروج إلى الشارع مرة أخرى والهتاف ضد المجلس السيادي الجديد، وهذا لو حدث سيعقّد الأمور، ولذلك فإن رئيس الوزراء الجديد د. عبد الله حمدوك - وهو رجل اقتصادي متمرس ولديه تجربة ناجحة في مؤسسات التمويل الدولية - أمامه مهمة صعبة لإتخاذ إجراءات سريعة لإصلاح وتشغيل أجهزة ومرافق الدولة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، خصوصاً ما يتعلق منها بالسلع والخدمات الأساسية للمواطنين، في موازاة معالجة الإختلالات الهيكلية في الاقتصاد السوداني ولاسيما ما يتعلق منها بالإدارة ومكافحة الفساد ومالية الدولة والوضع النقدي وتحريك عجلة القطاعات الإنتاجية وإعادة السودان إلى فلك الاقتصاد الإقليمي والدولي.

كذلك، فإن المواطنين السودانيين وجميع قوى المعارضة مطالبون خلال المرحلة المقبلة بالتحلي بالصبر وإعطاء الفرصة للمجلس السيادي الجديد لإدارة شؤون البلاد بأسلوب يعتمد إعلاء المصلحة العامة، والإبتعاد قدر الإمكان عن اتخاذ القرارات الشعبوية التي قد ترضي بعض فئات الشعب لكنها تتسبب في تعقيد الموقف السياسي والاقتصادي. 

وفي المقابل، فإن على المجلس السيادي أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، وأن يعمل على تعبئة جميع فئات الشعب وبخاصة الشباب لتحقيق أهدافه، وفي مقدمها النجاح بعبور المرحلة الإنتقالية وبزوغ فجر الدولة المدنية الديمقراطية الجديدة.

* رئيس مجموعة «الاقتصاد والأعمال»

رئيس تحرير مجلة «الاقتصاد والأعمال»