رئيس لجنة مؤتمر النهوض بالزراعة في لبنان:
تعزيز الشراكة بين القطاعين

10.09.2019
روفائيل دبانه
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عاصم البعيني

تضع اللجنة المنظمة لمؤتمر النهوض بالزراعة لمساتها الأخيرة على التحضيرات الجارية لإنعقاده في 24 أيلول/ سبتمبر الحالي، ويكتسب المؤتمر أهمية على عدة مستويات، إذ يعقد برعاية رسمية من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري فيما يشارك في تنظيمه كل من وزارة الزراعة، المكتب الاقتصادي لرئاسة مجلس الوزراء، اتحاد الغرف اللبنانية، واتحاد النقابات الزراعية، إلى جانب مجموعة "الاقتصاد والأعمال" ما يجعله منصة حوارية مهمة في التعبير عن وجهة نظر المزارعين والقطاع الخاص بالدرجة الأولى.

ويرى رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر ورئيس لجنة الزراعة في اتحاد الغرف اللبنانية روفائيل دبانّه أن المؤتمر يعبّر عن توجّه القطاع الخاص لاتخاذ المبادرة والتطلع للمساهمة في صياغة الإستراتيجية الزراعية كونه المعني الأول بالإنتاج، على أن تلعب وزارة الزراعة دور "المُسمّد" للخطط، مشيراً إلى أن ارتفاع تكلفة الإنتاج ومشاكل التسويق الداخلي والخارجي وتفعيل الرسوم الجمركية، تأتي في مقدم التحديات التي تواجه القطاع.      

 

ينطلق رئيس لجنة مؤتمر النهوض بالزراعة روفائيل دبانّه في حديثهمن حقيقة أن القطاع الخاص الزراعي في لبنان لم يؤدِّ على مدى العقود الماضية دوره تجاه القطاع ولم يشارك في صياغة الاستراتيجيات والخطط، وذلك نتيجة اعتماده المطلق على المبادرات الرسمية، مشيراً أنه وعلى الرغم من أن القطاع العام في مختلف الدول عادة ما يكون معنياً بالتنظيم ويتحمل المسؤولية، غير إن الجهود المستمرة لوزارة الزراعة لم تكن كافية.

 

مدّ يد التعاون

إنطلاقاً من هذه الحقيقة، يرى دبانّه أنه في الوقت الذي تُعلّق فيها المطالب على الوزارة، كان لا بدّ لنا كمزارعين وكقطاع خاص زراعي من اتخاذ المبادرة، إنطلاقاً من حقيقة أن هؤلاء هم محور الإنتاج والتسويق والتصدير، في حين أن الهيئات الناظمة والقيّمين عليها ممن يعملون على إعداد الاستراتيجيات الزراعية غير معنيين بالدورة الاقتصادية للمنتج، إضافة إلى عدم أخذهم في الاعتبار بوجهة نظر القطاع الخاص، معبراً عن ذلك بالمثل الشعبي "اللي عم يأكل عصي مش متل اللي يعّد".

هذه الحقيقة لا تمنع دبانه من إعادة التأكيد أن توجه القطاع الخاص إلى المبادرة لا بدّ من أن يتزامن مع مدّ يد التعاون للقطاع العام والتكامل معه على قاعدة "يد واحدة لا تصفق"، إذ إنّ نجاح المزارع لا يمكن أن يتحقق من دون مساعدة الدولة، ولكن مع إعادة التأكيد على ألا يكون القطاع الخاص معنياً فقط بنتائج الاستراتيجيات بل مساهماً في وضعها، بحيث تكون الوزارة مسؤولة عن تسميد الخطط، في حين أن يد المزارع تغرس وتشارك فيها.

 الاعتماد على تجربة صناعة النبيذ في تبني خطوات حمائية مؤقتة

 

 تكلفة الإنتاج والتسويق

وفي ما يتعلق بالملفات التي يرى فيها القطاع الخاص أولوية على الأجندة الزراعية، يقول دبانه إنها تبدأ بكلفة الإنتاج، ثم التسويق مُفضلاً الغوص في هذا الملف نظراً الى تشعباته، وهو على محورين:

-       الأول الجانب المحلي، إذ إن المنتجات الزراعية تصل إلى الأسواق من دون معرفة مصدرها بالإضافة إلى افتقادها التوضيب المناسب، وهو واقع يحول دون أن تمارس الوزارة دورها الرقابي حول جودة المنتج. هذا الواقع يدفع دبانه لمطالبة وزارةالزراعة بإلزام المزارعين بنقل منتجاتهم إلى الأسواق تحت علامات تجارية واضحة مع توفير التوضيب المناسب بما يُحسّن الأسعار ويُسّهل المراقبة.

-       أما المحور الثاني فيكمن بحسب رئيس لجنة مؤتمر النهوض بالقطاع الزراعي في التسويق الخارجي، الذي يصطدم بإتفاقات التجارة الحرة الموقّعة مع الدول العربية والأوروبية، مشيراً إلى أنه وبعد مرور نحو عقدين من الزمن عليها كان لبنان إزالة كافة الرسوم الجمركية على منتجاته الزراعية بهدف إيجاد منافذ تسويق للمنتجات الزراعية نحو أسواق كبيرة، في حين أن دولاً أخرى عمدت إلى دعم منتجاتها، يضاف إلى ذلك أن بعض الدول المعنية بالإتفاقات خلقت أسباباً تعسفية حالت دون تصدير المنتج اللبناني إلى أسواقها.

ويلفت دبانه الى أن كافة هذه الأسباب قادت لإغراق السوق بالمنتجات لتفوق كتلة الواردات الزراعية بأضعاف نظيرتها من الصادرات، في وقت يعاني فيه المزارع المحلي من ارتفاع تكلفة الإنتاج وغياب الدعم الرسمي، يضاف إليها تردد الجهات المعنية بالتعبير صراحة عن رأيها ببعض توجهات الدول حتى لا تتضرر مصالح أخرى، مطالباً بمقاربة جديدة عبر توفير المزيد من الخطوات الحمائية، ويقدم على ذلك مثال صناعة النبيذ التي ساهمت زيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الأجنبية إلى ارتفاع عدد المصانع المحلية مما لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة إلى نحو 50 منتجاً محلياً حالياً، مشيراً إلى أن هذه الخطوة سمحت للمصانع بالاستعانة بخبرات أجنبية ما رفع جودة الإنتاج ومهّد لتصدير المنتج المحلي إلى الخارج، مع الإشارة الى أن تطور هذه الصناعة مستقبلاً قد يفتح المجال أمام بحث إزالة الرسوم الجمركية تدريجياً على المنتجات الأجنبية.

 نتطلع لأن يصبح المؤتمر حدثاً دورياً 

دور المؤتمر    

ويخّلص دبانه إلى القول: "من هنا يأتي مؤتمر النهوض بالزراعة كمبادرة تشكّل نقطة انطلاق وليس محطة وصول بحيث يصبح حدثاً دورياً نهدف من خلاله إلى جعل القطاع الخاص والمزارعين يعبّرون عن آرائهم ووجهة نظرهم من كافة القضايا التي تعنيهم، مشيراً إلى أن هذا التوجه سيترافق مع العمل على متابعة كافة الملفات مع الجهات الرسمية لوضعها موضع التنفيذ، ويُقدم على ذلك تجربة تعاون عملية ناجحة تمثلت في الحد من آثار التهريب عبر عمل المزارعين جنباً إلى جنب مع إدارة الجمارك لضبط المواد المُهربة في أسواق الخضار، ما ساهم في تحسن الأسعار. 

ويضيف أن أهمية المؤتمر تكمن أيضاً في الطابع الشمولي للجهات المشاركة فيه والمعنية بتنظيمه من رئاسة الحكومة إلى الوزارات المختصة وكذلك اتحاد الغرف اللبنانية وشركات القطاع الخاص، جنباً إلى جنب مع هيئات النقابات الزراعية، كونهم الممثليّن الحقيقيين للمزارعين. ويلفت دبانه إلى أن المؤتمر سيخرج بمطالب وتوصيات واضحة على أن يحمل بعضها طابعاً غير تقليدي يعبر بوضوح عن وجهة نظر المزارعين، بحيث تكون صادرة من دون "قفازات" بعيداً عن المراعاة التي تستخدمها بعض الجهات الرسمية في تعاملها مع نظيراتها في الدول الخارجية.  

100 ألف هكتار أراض قابلة للزراعة 

مساهمة القطاع في الناتج     

من جهة أخرى، تُظهر المؤشرات تراجعاً مستمراً في مساهمة الزراعة في الناتج المحلي وذلك على الرغم من حيوية هذا القطاع وما يوفّره من فرص عمل لشريحة واسعة، وفي هذا السياق يسلط رئيس لجنة الزراعة في اتحاد الغرف اللبنانية الضوء على تجربة الصناعات الغذائية وما تتمتع به من تجربة مميزة وسمعة مرموقة في عدة دول خارجية، مشيراً إلى أن شريحة صغيرة فقط من الشركات المعنية تعتمد على المنتجات الأولية المحلية في التصنيع.  

ويضيف دبانه أن توفير الحوافز أمام هذه الشركات على الاستعانة بهذه المنتجات يقود مباشرة إلى ارتفاع الإنتاج، كاشفاً أنه جرى لهذه الغاية عقد عدة اجتماعات مع القيمين على هذه الشركات لبحث أسباب عدم استعانتهم بالمنتجات المحلية ومتطلباتها، سواء أكانت متعلقة بالنوعية أو الجودة أو كيفية إعداد المنتجات وتحضيرها، على أن يجري معالجة هذه الأسباب مع تحديد الأصناف التي يُمكن إنتاجها محلياً من تلك التي تستعين بها هذه الشركات من الخارج، وبحسب دبانه فإن هذا التوجه يخدم الهدف الأساسي المتمثل في زيادة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي ما يتراوح ما بين  4 إلى 5 في المئة حالياً إلى نحو 8 في المئة في مرحلة أولى، معتبراً أن تحقيق هذا الهدف يعدّ بمثابة رحلة الألف ميل ودونها تحديات عدة، لافتاً إلى النمو المتوقع حصوله على المدى الطويل في الصناعات الغذائية يفوق بمراحل أي نمو متوقع في القطاع الزراعي، ما يعني أن الصناعات الغذائية ستقود نمو القطاع الزراعي، على أن تكون المنتجات الزراعية موجهة الى الاستهلاك المحلي.

ويوضح دبانه أن التوجهات الحمائية من شأنها أن تحدّ من المواد المستوردة وهي خطوة تعزز المنتجات المحلية ولا سيما في ظل الأراضي غير المستغلة والتنوع المناخي والطبيعي للبنان، مشيراً إلى ان المساحات الزراعية تغطي نحو 200 ألف هكتار، في حين أن المساحة الجاهزة للإستغلال الزراعي تبلغ نحو 100  ألف هكتار من الأراضي، ويردّ دبانه الإنكفاء في استغلال هذه المساحات إلى غياب الجدوى الاقتصادية للزراعات في ظل التحديات المشار إليها والواضحة المتمثلة في إرتفاع كلفة الإنتاج وافتقار التسويق إلى الأساليب الحديثة وغياب الضوابط أمام الصادرات.