الذكـاء الإصطنـاعي
يقـرع أبـواب التغييـر

09.09.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم تشارلز يانغ* 

تشكّل تطوّرات الذكاء الاصطناعي AI اليوم جزءاً مهماً من رحلة التحول الرقمي الأوسع نطاقاً التي عمت العالم بأسره، وقد عكف الذين يعملون في مجال تقنية المعلومات والاتصالات على الدفاع عن فوائد الذكاء الإصطناعي لفترة ليست بالقصيرة، حتى بات العديد من المؤسسات في الشرق الأوسط يدرك الآن مجمل هذه الفوائد وبدأوا فعلياً في اتخاذ خطوات جدية على طريق اعتماد الذكاء الاصطناعي كعامل حقيقي للتغيير.

تأتي هذه الثقة في الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد العالمي يستفيد من هذا التحول التاريخي للتكنولوجيا، ويمكننا أن نرى هذا جلياً في أحدث تقرير لمؤشر الاتصال العالمي من «هواوي»، وهو دراسة شاملة سنوية تقيس مدى التقدّم الذي تحرزه الدول في مسيرة التحول الرقمي من المنظورين الوطني والصناعي، لقد وجدنا أن الصناعات تعمل على دمج الذكاء الاصطناعي في تقنيات مختلفة تشمل شبكات النطاق العريض (البرودباند)، مراكز البيانات، تقنية السحابة، البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء لتحويل الاتصال العادي إلى اتصال ذكي، ما يطلق العنان للإبتكار من أجل دفع موجة جديدة من النمو الاقتصادي نحو الأمام، ولا تثير دهشتنا تقديرات شركة «بي دبليو سي» العالمية التي توقّعت في آخر تقرير أصدرته أن يساهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ يصل إلى 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي في حلول العام 2030، فيما يساهم الشرق الأوسط وحده بنحو 320 مليار دولار من هذا المبلغ.

يتم تعزيز هذه القيمة الاقتصادية بشكل أكبر من خلال طرح تقنية النطاق العريض من الجيل الخامس إنطلاقاً من دول تسعى بحرص الى الاستفادة القصوى من مميزاته كدول مجلس التعاون الخليجي وفي الواقع فإن الطريق إلى الجيل الخامس ممهد بالذكاء الاصطناعي، ومن خلال تمكين المزيد من الأشخاص والأشياء والأجهزة من التواصل مع بعضها بعضاً أكثر من أي وقت مضى، سوف يسهل الجيل الخامس نوع مشاركة وتحليل البيانات ضمن الوقت الحقيقي
Real Time في صميم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وسيولد إنتاجية وكفاءة عمل غير مسبوقين على مستوى الهيئات الحكومية وأنشطة المجتمعات والشركات، بل وحتى على المستوى الفردي.

لكن، لا يزال ثمة عمل ينبغي إنجازه في هذا المسار، فمع دخول الحقبة الرقمية الجديدة يجب على العديد من المؤسسات الآن إعادة النظر في قيمة بياناتها ومدى استفادتها الحالية منها ولوائحها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وكيفية إدخال الذكاء الاصطناعي في أعمالها بطريقة مترابطة وفعالة.

البيانات والذكاء الاصطناعي

بالنسبة الى كثير من المؤسسات في يومنا هذا، تشكل البيانات الشيء الأثمن والأكثر أهمية لديها، ويتنبأ تقرير هواوي «الرؤية الصناعية العالمية لعام 2025» بأن ترتفع أحجام البيانات العالمية من 32.5 زيتابايت في العام 2018 إلى 180 زيتابايت في العام 2025، مع تضاعف الطلب على الطاقة الحاسوبية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي كل ثلاثة أشهر وزيادة استخدامها بنحو 80 في المئة في حلول العام 2025، وفي هذا الإطار ينبغي ألا نتجاهل حقيقة أنه لا يمكن تشغيل منصات تحليل البيانات التقليدية بواسطة الذكاء الاصطناعي، كما إنها لا تدعم معالجة عمليات دفق البيانات في الوقت الحقيقي، وبالتالي لا يتم إطلاق طاقات قيمة البيانات بشكل كامل. وفي الحقبة الذكية، ستجري معالجة المزيد من البيانات المتنوعة، بما في ذلك البيانات المهيكلة وغير المهيكلة. لقد أصبح لزاماً التحول الى منصات معالجة البيانات الحديثة التي تعمل بالتقنية السحابية والتقنية الموزعة وتجمع بين قاعدة البيانات والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.

ويعتبر الاتجاه نحو السيارات ذات القيادة الذاتية مثالاً رائعاً على ذلك، حيث إن هناك كمية هائلة من البيانات في صناعة القيادة الذاتية. على سبيل المثال، في القيادة الذاتية (من المستوى الخامس)، ستنتج كل سيارة 64 تيرابايت من البيانات كل يوم، ومن أجل الإنتقال من التطوير إلى الإنتاج الضخم يجب إكتساب أكثر من عشرة مليارات كيلومتر من تجارب القيادة الذاتية، وسيولّد ذلك أكثر من 50 إكسابايت من البيانات تدعم «أوكتوبس»، وهي خدمة سحابية للقيادة الذاتية تعمل على تسهيلها سحابة هواوي، وكذلك اختبارات المحاكاة عبر 30 ألف سيناريو افتراضي، وتجمع بين البيانات والذكاء لتقصير الوقت اللازم لتطوير النماذج بشكل كبير من أشهر إلى أسابيع.

المعايير والقوانين

بالإضافة إلى البيانات، ينبغي أن تسترعي مسألة إعادة النظر في المعايير والقوانين المتعلقة بالذكاء الاصطناعي إنتباه المؤسسات في الشرق الأوسط، فمن المهم للغاية امتلاك القوانين الصحيحة التي تحكم تطبيقات الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، يجب أن تراعي القوانين اختلاف الأنظمة إذا كنت تنظر مثلاً إلى تطبيقات التحقّق المصرفي أو السيارات الذاتية القيادة أو قياس نشاط الأدوات الذكية.

لذلك، فإنه من أولوياتنا في «هواوي» تحقيق تحوّل في الذكاء الاصطناعي وحلوله ليكون أكثر شمولاً. وللقيام بذلك، يجب أن تتمتع الشركات والحكومات بإمكانية الوصول إلى منصات رقمية مفتوحة ومرنة وآمنة تستضيف إمكانات الذكاء الاصطناعي، ومن الضروري أن يتعاون المعنيون في الشرق الأوسط مع الحكومات والشركاء في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات والأوساط الأكاديمية لتحديث المعايير والسياسات كلما أمكن ذلك، ونذكر هنا أنه يمكن للجميع الاستفادة من قدراتنا وإمكاناتنا في هذا المجال. في حلول نهاية العام 2018، كان لدى هواوي وحدها أكثر من 1000 شريك لإبتكار الحلول و3600 شريك لتقديم الخدمات بالإضافة إلى 650 شريكاً لتطوير المواهب حول العالم وذلك لتقديم حلول للمؤسسات، وكان الذكاء الاصطناعي عاملاً استراتيجياً حاسماً في الكثير من هذه العلاقات.

ثُلاثية النجاح

أخيراً، بمجرد فهم المؤسسات لبياناتها والقوانين التي تحكم الذكاء الاصطناعي، ستكون على استعداد للترحيب بالذكاء الاصطناعي بشكل مترابط وفعال في جميع أنحاء أعمالها، وفي مواكبة لأحدث التطورات في التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة، نحن نؤمن إيماناً راسخاً بتنفيذ أنظمة الذكاء الاصطناعي من خلال استراتيجية أعمالنا الجديدة لقطاع المشاريع والمؤسسات المتمثلة بنهج «المنصة + الذكاء الاصطناعي+ النظام الإيكولوجي».

ولتسهيل ذلك، نحن نواصل بإستمرار دفع العمل وفقاً لإستراتيجية الذكاء الاصطناعي لدينا من خلال إنشاء نظام إيكولوجي شامل ومتكامل يتسم بالإنفتاح والتعاون والنجاح المشترك للصناعة، ويمكن ملاحظة ذلك في الإطلاق الأخير لقاعدة بيانات AI-Native الخاصة بنا والتي أطلقنا عليها اسم GaussDB، والتي تدمج إمكانات الذكاء الاصطناعي في دورة الحياة الكاملة لقواعد البيانات الموزعة. يستخدم هذا الحل بالفعل على نطاق واسع في صناعات حيوية مثل المالية والاتصالات وأعمال الحكومات والطاقة والرعاية الصحية والنقل، وهذه القائمة تكبر بينما نقوم بتطوير تطبيقات الصناعة مع شركائنا.

ويمكن رؤية مثال رائع على تطبيقات السوق للذكاء الاصطناعي في مجال السلامة العامة، حيث بدأت شركات الاستشارات والتقنية، وكذلك وكالات السلامة العامة، في تطبيق التحول الرقمي وحتى الآن، قامت أكثر من 230 مدينة في أكثر من 90 دولة بإستعمال حلول السلامة العامة الخاصة بنا، وقام عدد متزايد من المدن بإدخال تقنية الذكاء الاصطناعي في هذه الحلول، لقد ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بنا أيضاً الوكالات المحلية والإقليمية والوطنية على الاستجابة بفعالية لمواقف السلامة العامة السريعة الحركة.

وفي الوقت ذاته الذي نتحدث فيه عن الذكاء الاصطناعي، تنمو تقنية الجيل الخامس وتتطور بشكل متسارع أكثر من المتوقع، واعتماد منطقة الشرق الأوسط السريع على تقنية الجيل الخامس يأتي كله من خلال تحسين جودة الاتصالات في جميع الصناعات؛ وليس فقط في اتصال الإنسان مع الإنسان، ولكن أيضاً اتصال الآلة بالآلة، ويُتوقع أن تنطلق بقوة عملية تطوير تقنية الجيل الخامس في المنطقة اليوم، حيث يسعى مشغلو الاتصالات الإقليميون إلى تطوير عمليات الاستعمال التجاري لتقنية الجيل الخامس بسرعة، وقد تمّ بدء الطرح لهذه التقنية على نطاق واسع منذ العام 2018، ويسعدنا أن نرى دول مجلس التعاون الخليجي في مصاف أوائل الدول التي طرحت تقنية الجيل الخامس على مستوى العالم.

في النهاية، نؤكد على أن التواصل الذكي للذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى تعزيز الابتكار على نطاق لم يكن معروفاً من قبل في المنطقة، وسيغيّر نماذج الأعمال الجديدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي الطريقة التي يتم بها تشغيل صناعات بأكملها وكيفية استهلاك المنتجات والخدمات وسلاستها وكفاءتها وانخفاض تكلفتها. كما سنواصل العمل على تعزيز طرق التعامل مع البيانات  وبناء لوائح أقوى متعلقة بالذكاء الاصطناعي، والأهم من ذلك كله، تطوير منصات أكثر شمولاً لإستعمال الذكاء الاصطناعي - كل هذا مدعوم بتقنية الجيل الخامس - تنشأ في نهاية المطاف «قرية رقمية»  جديدة يتم إشراك الجميع فيها وربطهم بشكل وثيق.

* رئيس شركة هواوي في الشرق الأوسط