"النهار" تشرق صناعياً

03.09.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

نشرت جريدة النهار بتاريخ 31 آب/أغسطس الماضي، مقالاً للرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال ورئيس تحرير مجلة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبوزكي حول مبادرتها لتشجيع الصناعة اللبنانية.

ونعيد نشر المقال لأهميته

بقلم رؤوف أبوزكي

حسناً فعلت صحيفة "النهار" عندما نظمت ندوة عن الصناعة في لبنان وأرفقتها بعدد خاص لهذه الغاية تضمن آراء قادة الشؤون الصناعية من رسمية وخاصة. إنه عمل مهني رفيع المستوى.

وفي هذه المناسبة نودّ التذكير بأنه ليست المرة الأولى تهتم "النهار" بالصناعيين في لبنان، فلها تاريخ عريق في هذا المجال. وإذا كان الزملاء الجدد لم يعايشوا المراحل السابقة الحافلة بالاهتمام الصناعي، فإن الرعيل الأول وعلى رأسهم عميد "النهار"، بل وعميد الصحافة اللبنانية فرنسوا عقل، يذكرون ذلك جيداً، بل عايشوه وساهموا فيه. وهنا أود ذكر واقعة يعرفها قليلون، أنه عام 1972، ويوم كنت المحرر الاقتصادي الرئيسي في "النهار" حيث عملت على مدى 15 عاماً، عرضت على عميد "النهار" الأستاذ غسان تويني إصدار عدد خاص عن الصناعة في لبنان يأتي بمثابة تتويج للاهتمام المركز بالصناعة، فكان رد الفعل الأولي له التساؤل: وهل هناك صناعة في لبنان؟ ولم أشأ مناقشته في تلك اللحظة، لكنني بعد فترة عدت وكررت الفكرة وقلت له أنا على استعداد لتحرير هذا العدد وتسويقه. فما كان منه، تقديراً لحماستي واحتراماً لاقتناعي، إلا أن أعطى الضوء الأخضر. وبعد فترة من التحضير، وفي اجتماع معه، عرضت عليه الحصيلة الأولى ففوجئ بالنتائج الإيجابية، وقال: "أنا سأكتب افتتاحية العدد". وهذا يدلّ على أن الصناعة في لبنان لم تكن معروفة بما فيه الكفاية في تلك المرحلة، علماً أنها كانت تمر في العصر الذهبي نتيجة البيوت الصناعية اللبنانية العريقة ونتيجة لجوء الصناعيين المصريين والسوريين إلى لبنان بفعل التأميم في بلديهما. وبالفعل، زرت معظم المصانع الكبيرة والمتوسطة وحتى الحرفية. وكان الفضل الأول في وعيي الصناعي وفي حماستي للصناعة، بطريرك الصناعة آنذاك المغفور له فؤاد أبي صالح الذي كان يشغل منصب رئيس مصلحة الصناعة في وزارة الاقتصاد الوطني. فكان مكتب أبي صالح ديوانية صناعية دائمة. هو المرشد والموجه والداعم لكل نشاط صناعي وهو الموفق الدائم بين التناقضات الصناعية - التجارية. الرعيل الأول من الصناعيين أمثال روبير دباس وجورج عسيلي وآل افرام وآل طبارة وجاك صراف وفادي عبود وغيرهم يذكرون هذه المرحلة بكل معطياتها وتفاصيلها ويذكرون انتخابات جمعية الصناعيين وحكمة رئيسها آنذاك الشيخ بطرس الخوري الذي ساهم في تسهيل إدخال دماء جديدة إلى مجلس الجمعية من بين ما سمي آنذاك "تجمع الصناعيين الشباب". 

لقد كنا جزءاً من تاريخ "النهار" في مجالات الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وعلى مدى 15 سنة متواصلة بقينا أوفياء لهذا التاريخ ولرجالاته الكبار. وكان الشهيد جبران تويني الذي كان على معرفة بهذا التاريخ يقول لنا كلما التقيناه "علينا إحياء أمجاد "النهار" في المجال الاقتصادي، وكنا على وشك اتخاذ خطوات عملية لولا الظروف السياسية والأمنية بل والمأسوية التي عاشتها "النهار". 

وفي هذه المناسبة نحيي الجهود المكثفة التي تبذلها الزميلة الكبيرة نايلة تويني، حاملة مشعل "النهار" بكل إصرار وبكل كفاية واقتدارٍ. صحيح أن الإرث الذي حملته نايلة كان ولا يزال كبيراً وموضع اعتزاز وافتخار، ولكن في الوقت نفسه حملت تركة مالية ثقيلة وعاشت مأساة عائلية باستشهاد والدها وبرحيل جدها وهي في مقتبل العمر. 

نعود إلى الصناعة لنقول إن ظروف المرحلة الصناعية في لبنان تغيرت كثيراً ولم يعد لبنان مركز تصنيع إقليمي كما كان. فازدهار صناعات بعض بلدان الجوار مثل مصر وتركيا والسعودية جعل لبنان في موقع تنافسي صعب، ناهيك بالحرب السورية التي أدت إلى إقفال المعابر البرية والانكفاء الخليجي عن لبنان. هذا لا يعني أن الصناعة اللبنانية فقدت مقومات الصمود والاستمرار، لكن علينا انتقاء الصناعات القابلة للمنافسة والتميز، ولا سيما صناعات الخدمات والأناقة والمشروبات والمأكولات والمجوهرات وغيرها الكثير. فثمة متغيرات اقتصادية وتقنية علينا أن نأخذها في الاعتبار عندما نفكر في التصنيع، وهذا ما يقوم به المستثمر الصناعي أو الراغب في الاستثمار الصناعي. وهنا نبادر إلى القول إن الدولة لم توفر البنية التحتية ولا بنية الخدمات اللازمة للصناعة. فلا توجد مناطق صناعية مؤهلة ولا توجد خدمات منتظمه وبأكلاف منطقية وفي طليعتها الأراضي والكهرباء والمياه والمواصلات والاتصالات. ونحن نحيي الصناعيين اللبنانيين المستمرين في جهادهم المرير، نحيي إصرارهم على البقاء رغم تحملهم الخسائر الفادحة. نعم، لا حوافز كافية للاستثمار الصناعي، وإلا كيف نفسر توجه الصناعيين اللبنانيين إلى التصنيع في مصر حيث توجد حوافز فعلية من شأنها توفير قدرة المنافسة. أحد كبار صناعيي منتجات الزيوت والأغذية العريقين في لبنان والموجود في السعودية قال لنا مرة إنه لولا الاعتبارات العاطفية لكان مصنعه في السعودية يؤثر سلباً على مصنعه في لبنان نظراً الى فارق كلفة التصنيع وسعة الأسواق وتوافر التمويل الميسر والبنى التحتية الرخيصة. 

كذلك فإن أكثر من ثلث صناعة الدهان في مصر في يد اللبنانيين (الحوت والبزري). وأحد كبار صناعيي الملبوسات في مصر (فؤاد حدرج) كان يخسر في لبنان وأصبح يربح في مصر. وأحد مصنّعي الكابلات في مصر (المهندس اللبناني غسان بلبل) يعمل ويتوسع ويربح في مصر، وكذلك أحد عمالقة صناعة النسيج (المهندس معتز الصواف). والأمثلة كثيرة في مجالات المأكولات والسياحة والأغذية. هذا هو واقع الحال، بكل أسف. وكل هذا معروف من جمعية الصناعيين اللبنانيين بقيادة رئيسها النشط الدكتور فادي الجميل ورفاقه في مجلس الإدارة. 

عودة إلى "النهار"، نهار لبنان ونهارنا جميعاً لنشد في عضدها وندعوها الى متابعة شؤون الصناعة والتصنيع بما يساعد على استمرار الموجود منها وفتح آفاق لاستثمارات صناعية جديدة. فالاقتصاد الإنتاجي جزء أساسي من حل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية وكلنا في الهم واحد. وهذا بالطبع ليس مسؤولية "النهار" وحدها بل مسؤوليتنا جميعاً من مسؤولين حكوميين وقيادين في القطاعات الخاصة المختلفة وفي طليعتها مؤسسات التمويل لا سيما المتخصص منها. ويبقى للإعلام دور مهم في نشر الوعي الصناعي والضغط بإتجاه تفضيل المنتجات الوطنية لا سيما في المشتريات الحكومية وفي كل المشتريات. ما نأمله هو أن تبقى "النهار" بخير حتى يبقى في لبنان صحافة.