بعد إسقاط "جمال ترست بنك"
هل تتسع دائرة العقوبات الأميركية؟

02.09.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
 قررت الإدارة الأميركية أسقاط بنك لبناني آخر متهم بتمويل نشاطات حزب الله ومؤسساته بما في ذلك مساهمته في تحويل أموال إيرانية إلى منظمة الجهاد الإسلامي في غزّة.  
الضربة الأميركية الجديدة محدودة في أثرها المالي لكنها ذات مغزى في الرسائل السياسية التي تحملها في هذا الوقت بالذات. فالمعلومات التي ترافقت مع قرار وزارة الخزانة الأميركية تظهر بوضوح أن الإدارة الأميركية باتت تمتلك معلومات استخباراتية واسعة عن التعاملات المالية لحزب الله وعن الجهات المسهلة لهذه المعاملات وعن الواجهات والآليات التي تتم بها. ومن المؤكد أن هذه الإدارة كان لديها ملف جاهز عن بنك جمّال ترست منذ مدة طويلة بدليل تصريح مسؤول في وزارة الخزانة أن التعامل بين جمال ترست وحزب الله يعود إلى منتصف العقد الماضي، لكن واشنطن اختارت توجيه الضربة ضمن معادلة محسوبة لتصيب بها أهداف عدة تتجاوز البنك وفي أكثر من اتجاه.
على العكس من ذلك، فإن إسقاط البنك اللبناني- الكندي في أواخر العام 2011 (بتهم مماثلة لتلك الموجهة لجمال ترست بنك) كان ضربة غير مسبوقة صعقت الأوساط المالية والاقتصادية في لبنان، وكان الهدف منها توجيه تحذير للقطاع المصرفي في لبنان وإلزام الدولة ومصرف لبنان والمصارف بتنفيذ قرارات الحظر الأميركية على حزب الله تحت طائلة تحمّل النتائج.  وكان درس اللبناني- الكندي كافيا لاتِّعاظ المصارف ولتمكين مصرف لبنان من فرض انضباط صارم على كافة المؤسسات المصرفية والمالية العاملة في البلد، ولقطاعه المصرفي.
المودعون مؤمّنون ومصارف مهتمة بتركة البنك والشركات التابعة
صحيح أن ضرب جمال ترست بنك يستهدف ربما تجديد التحذير للمصارف اللبنانية والمؤسسات المالية، بالتزامن مع اشتداد المواجهة بين واشنطن وإيران، لكن هذا التحذير قد لا يكون هو الهدف الأساسي بالنظر لأن القطاع المصرفي ملتزم بالعقوبات الأميركية، ولأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نجح في توجيه المصارف للالتزام التام بها رغم الحملات الشخصية التي تعرض لها نتيجة لذلك. وهذا هو مغزى المديح الذي كاله مساعد وزير الخزانة لشؤون الإرهاب مارشال  بلينغزلي للجهاز المصرفي ولمصرف لبنان في تصريح أدلى به بمناسبة الإعلان الأميركي عن وضع جمال ترست على لائحة دعم الإرهاب.
لكن بينما تحدث بلينغزلي بقدر واضح عن الرضى عن المصارف فإنه استخدم لهجة غير مسبوقة في عنفها وحِدَّتها عند الحديث عن جمال ترست، إذ وبّخه ووبّخ إدارته مرارا متهما إياه بتدنيس سمعة مصارف لبنان وتهديد مصالحه الاقتصادية والعمل لجهة أجنبية.  وفي التصريح ذاته أعلن بلينغزلي أن هدف واشنطن الثابت هو "طرد" حزب الله بالكامل من النظام المالي اللبناني.
هذا التعنيف العلني الشديد لبنك صغير لا تتجاوز ودائعه 900 مليون دولار يحمل على الأرجح مغزى آخر هو إظهار درجة الخطورة في مزاج واشنطن واستعدادها للقيام بخطوات غير مسبوقة لدعم معركتها ضد حزب الله وإيران. ورغم أن واشنطن رفضت الكشف عن الخطوات التالية باستثناء القول "إن هناك المزيد من العقوبات قيد التحضير" فإن التكتم الأميركي يترك المجال مفتوحاً لكافة التكهنات والمفاجآت. 
مصرف لبنان يتولى التدقيق والإشراف على إجراءات التصفية
يذكر أن واشنطن تجنبت حتى الآن إدراج سياسيين لبنانيين (حتى أولئك الذين تربطهم علاقات تعامل مع حزب الله ومؤسساته)، وذلك بسبب الحساسية السياسية للموضوع، لكن وبغض النظر عن النوايا الأميركية الحقيقية فإن الأجواء التي رافقت تجميد البنك اللبناني تضع في يد واشنطن وسائط ضغط ستكون في تصرف المسؤول الأميركي الذي يستعد لزيارة لبنان والمنطقة في غضون الأسبوع الجاري. 

مصير البنك 

يعتبر جمال ترست بنك من البنوك اللبنانية الصغيرة وذات التمثيل القوي للطائفة الشيعية، وهو يمتلك 25 فرعا ولا يزيد مجموع ودائعه عن 900 مليون دولار أو ما يعادل 0.5 في المئة من ودائع القطاع المصرفي اللبناني. وبغض النظر عن مصير البنك، فمن المؤكد أن ودائعه الشرعية مؤمنة 100 في المئة حسب القانون اللبناني، وحسب النهج المتبع من مصرف لبنان. 
لكن المصرف يعتبر الآن مجمدا بالكامل، وبرسم التصفية من قبل مصرف لبنان الذي أصبح مسؤولا عن حساباته، فيما تقوم هيئة التحقيق الخاصة في البنك المركزي بالتدقيق في حسابات البنك المجمّد لتفريق ما اعتبرته السلطات الأميركية "حسابات غير شرعية" عن الحسابات الشرعية العائدة لعملاء عاديين.  ومن المتوقع أن تنتهي عملية التدقيق بعرض نقل ودائع وموجودات جمال ترست بنك "الشرعية" إلى مصرف آخر بعد عملية تقييم لودائعه ولمحفظة التسليفات. وبناء على عملية التدقيق يتخذ البنك الذي يرشحه مصرف لبنان القرار إذا كان سيقبل بنقل أعمال جمال ترست (وبعض أو كل موظفيه) وضمن أية شروط.