محافظ بيروت زياد شبيب
البلدية لديها المال والمهم تحديد الأولويات

08.08.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رمزة عسّاف

مظاهر التقشف التي تعمّ المجتمع اللبناني بكل مؤسساته والضائقة المالية التي تطبع الحياة الإقتصادية في البلد لم تنعكس ،على ما يبدو، على بلدية بيروت التي يختلف وضع موازنتها عن موازنة الدولة الواقعة تحت أرقام العجز، في حين أن لا عجز في خزينة البلدية بل إحتياط وفائض مالي يُقدّر بنحو 650 مليون دولار أميركي بحسب محافظ مدينة بيروت زياد شبيب الذي يرى أن ثمة دوراً ينبغي أن تلعبه بلدية بيروت لا يقتصر على الأمور التقليدية المحلية بل يتعداه إلى المستوى الوطني، مشيراً إلى أن هذا الدور يمكن أن يشكل تعويضاً عن السياسة التقشفية في البلد وتداعياتها السلبية على الحكومة والدولة. 

فالمحافظ الذي يبدو هادىء الطباع لا يهادن في قناعاته ولا يلين أمام قراراته المرتكزة على تطبيق القوانين. هكذا يتصرّف إزاء قرار إزالة المخالفات والتعديات على الأملاك العامة والخاصة في العاصمة، أما عن التدخلات السياسية فيعتبر أن أحداً لا يحق له منع تطبيق القانون. 

وعن الجدلية المطروحة بين صلاحيات المحافظ والبلدية، فإنه يرى حسنات في توزيع الصلاحيات بين الجهتين وأبرزها الشفافية، إذ لا تحتكر جهة واحدة القرار. ويقول: «يكون أداء المؤسسات سيئاً إذا كان الأشخاص سيئين ويتحول أداؤها جيداً إذا عرفوا صلاحياتهم وتصرفوا بحسن نية وبما يخدم الصالح العام وهذا هو الأساس. في النهاية أنا ابن دولة ومؤسسات وإنتمائي فقط لدولتي وليس لأي طرف آخر، وانتهى الموضوع». 

لا شك في أن وضع البلد يتجه اليوم إلى المزيد من التقشف وسياسة ضبط الإنفاق، الأمر الذي يتسبب بإنكماش اقتصادي سينسحب على كل المستويات الإجتماعية والثقافية وغيرها، باعتبار أن المساهمات التي كانت تقدمها الدولة من خلال موازنات بعض الوزارات للنشاطات الرياضية والثقافية والإجتماعية، ولو بالحدّ الأدنى، ستتراجع أمام سياسة التقشف. 

مشاريع- أولويات

من هنا، يبقى التعويل على بلدية بيروت، فإذا أحسنت الإنفاق العام على مشاريع عمرانية وإنمائية متعلقة بالبنية التحتية ستعطي إنطباعاً ايجابياً بالنسبة إلى المستثمرين الذين سيتشجعون على الاستثمار في البلد، يؤكد شبيب، الذي يشير إلى أن ضخ مبالغ معينة من المال البلدي العام في بيروت سيؤدي إلى تحريك الدورة الإقتصادية المحلية (في المدينة) وبالتالي الوطنية.  

إذاً، ليست المشكلة مشكلة موارد لأن بلدية بيروت تملك في مصرف لبنان ما يقارب 650 مليون دولار وهي بالتالي قادرة على القيام بإستثمارات ذات مردود، اللهمّ إذا أحسن المسؤولون تحديد الأولويات في العاصمة. 

ومن المشاريع التي يراها المحافظ شبيب بأنها كانت من الأولويات وأن اختيارها كان صائباً، تملّك البلدية للعديد من العقارات لإنشاء مواقف سيارات عليها للعموم. وكشف المحافظ عن إنجاز الدراسات ودفتر الشروط  وأنه تمّ تلزيم إنشاء مواقف للسيارات وعددها أربعة: 3 مواقف لزّمتها البلدية مباشرة إلى متعهدين، الأول في الحمرا (شارع عبد العزيز)، الثاني في الأشرفية قرب ساحة ساسين، والثالث على كورنيش المزرعة. أما الموقف الرابع فكُلف به مجلس الإنماء والإعمار لتلزيمه وهو يقع تحت حديقة المفتي حسن خالد. ويقول شبيب إن الفائدة من هذا المشروع مزدوجة: أولاً إنه استثمار له مردود، وثانياً هو يشكل حلاً لأزمة المواقف في العاصمة. 

أسئلة برسم المعنيين

وإذا كان مشروع إنشاء مواقف سيارات للعموم من أبرز الأولوبات بحسب شبيب، إلا ان المحافظ يطرح أكثر من سؤال أو علامة استفهام للنقاش حول بعض أفكار المشاريع الأخرى،  من دون أن يكون ضدها أو معها مثل الفكرة التي يتم تداولها اليوم حول تطوير الواجهة البحرية لبيروت والتي تمتدّ من عين المريسة إلى الحمام العسكري. لا ينكر المحافظ أن الفكرة رائعة وأن دراسة المشروع  وضعها أحد أبرز المهندسين العالميين لكن السؤال الأهم الذي يطرحه للنقاش ويضعه برسم المسؤولين والمعنيين وبرسم المجلس البلدي طبعاً هو: هل يشكل هذا المشروع اليوم أولوية مع الأخذ في الإعتبار كلفته بملايين الدولارات التي ستُنفق من المال البلدي العام؟ وماذا سيغيّر هذا المشروع في حياة أهل بيروت وسكانها؟ وكيف سينعكس على الدورة الإقتصادية؟ وهنا يشدّد شبيب على أنه ليس مع أو ضد المشروع، لكن أسئلته تهدف الى الدعوة للتفكير والدرس من باب الحرص قبل الإقدام على تنفيذ مثل هكذا مشروع. فالقضية اليوم تتعلق بالأولويات ليس إلا. 

المحرقة تلهب الهواجس 

إذا كنا نتحدث عن أولويات، فمن باب أولى التطرق الى قضية القضايا المتعلقة بنفايات بيروت وتحديداً موضوع المحرقة الذي يبدو أنه يلهب الكثير من الهواجس والأسئلة المشروعة. يقول شبيب إنه عندما استلم دفتر الشروط لمحطة التفكك الحراري، إجتمع بمكتب المحاماة المكلّف دراسة دفتر الشروط وكذلك المكتب الهندسي، وطرح أسئلة عدة اعتبرها من البديهيات لكنه لم يلقَ إجابات مقنعة على حدّ تعبيره. وتابع" :عندئذٍ دوّنت الأسئلة بمراسلة وأرفقتها بدفتر الشروط وأحلتها على المجلس البلدي لكي يتّخذ القرارات بشأن هذا الموضوع الحساس الذي له علاقة بصحة الناس وحياتهم». وأبدى المحافظ بعض الملاحظات أو علامات الاستفهام في موضوع المحرقة اختصرها بالنقاط التالية: 

-1 نحن نتحدث عن مشروع ضخم أي إنشاء محرقة من دون أن نحدّد رسمياً موقعها. صحيح اننا نسمع همساً بأنها ستكون في الكرنتينا إلا أن شيئاً رسمياً لم يُحدّد بعد والمسألة يحسمها مجلس الوزراء.

-2 لا وجود لدراسة للأثر البيئي باعتبار أن الدراسة لا يمكن إجراؤها إذا كان الموقع غير محدد .   

3 -إذا عدنا إلى المخطط التوجيهي الذي يحدّد نظام البناء وإقامة المؤسسات المصنّفة في بيروت، نجد أن هذا النظام يمنع إنشاء مؤسسات مصنّفة من الفئة الاولى باستثناء محطات المحروقات، وبالتالي إن من يفكر في مشروع إنشاء محطة التفكك الحراري في العاصمة يعلم مسبقاً ان الأمر غير مسموح به قانوناً من دون تعديل النظام، والتعديل يحتاج الى مرسوم من مجلس الوزراء والى موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني والمجلس البلدي حكماً. وعليه نسأل: إذا كنا بحاجة الى كل هذه الاستثناءات والتعديلات فلماذا نذهب أصلاً في هذا الاتجاه؟ 

4 - ثمة تناقض ظهر في القضية، فنحن نشجع المواطنين على الفرز من المصدر بينما دفتر شروط محطة التفكك الحراري يوجب أن يتأمن يومياً 650 طناً على الأقل من النفايات في حين أن نفايات بيروت تتراوح ما بين 600 و650 طناً، ومعنى ذلك أننا سنكون ملتزمين بعدم الفرز. 

البلدية تستوفي رسومها بالليرة اللبنانية، بينما ينص العقد على أنه يتوجب على البلدية أن تسدّد كلفة حرق النفايات بالدولار الأميركي وعلى مدى 25 سنة. فهل يعلم أحد ماذا سيحلّ بالليرة بعد سنة أو خمس سنوات مثلاً؟ ومن يضمن أن البلدية ستبقى قادرة على دفع هذا المبلغ يومياً بالدولار على مدى ربع قرن؟ 

إزاء هذه الملاحظات يرفض المحافظ شبيب أن يُقال عنه إنه ضد المحرقة أو معها ويشرح: «أنا أحترم خبرة أصحاب الإختصاص، فهذا الموضوع ليس من اختصاصي لأنني رجل إدارة وقانون. كل ما في الأمر أن لديّ أسئلة طرحتها وأنتظر أجوبة عليها، وإذا لم أحصل على الإجابات الشافية فيكون لكل حادث حديث». 

نقل عام مشلول

ولكن حين يُسأل المحافظ شبيب عن المشروع الذي يرى فيه أولوية اليوم للمدينة عدا مواقف السيارات وحل أزمة النفايات، يجيب: «النقل العام.. فالسيارة هي اليوم وسيلة التنقل الشبه الوحيدة في بيروت، والنقل العام المنظّم غائب كلياً. نسمع منذ سنوات عن خطة نقل وُضعت في وزارة الأشغال العامة والنقل العام 2012 بتمويل من البنك الدولي لتنفيذ خطوط وشبكة الباصات بكل تفاصيلها والمواصفات المطلوبة، ولكن حتى اليوم لم نرَ أفعالاً، وشخصياً طلبت الدراسة من الوزارة وعرضتها على المجلس البلدي وأوصيت بإقرارها واعتمادها كخطة تقوم بتنفيذها البلدية التي هي اليوم في صدد وضع اللمسات الأخيرة وتحضير دفتر الشروط لتلزيمها وإنشاء محطات الوقوف والشاشات وما إلى ذلك». ويلفت شبيب الى أن إدارة عملية التشغيل سيتولاها بالطبع القطاع الخاص وليس البلدية، وهذا المشروع هو برأيه استثماري وإن لم تكن أرباحه كبيرة لكنه يحلّ في الوقت نفسه مشكلة مزمنة في المدينة». 

دور بلدي متنوع

برأي المحافظ زياد شبيب، للبلدية دور كبير جداً في الإستثمار الإجتماعي والثقافي والرياضي والبيئي، أما شرط نجاحه فيتوقف على ضرورة أن يكون هناك مقياس أو معيار جدي، ويرى أن بيروت تعيش اليوم على أمجاد الماضي لناحية الشهرة والإسم والجاذبية ويقول: «في الماضي لم تكن هناك في العاصمة ناطحات سحاب ولا بنية تحتية أفضل من مدن اخرى في المنطقة، ولم نكن نتفوّق على سوانا إلا بالعقل والفكر والإبداع، فبيروت الخمسينات والستينات والسبعينات كانت المصنع أو المختبر الفكري لكل المنطقة. من هنا أطرح اليوم مشروعاً سنبدأ بتنفيذه في أكثر من موقع وهو إعادة إطلاق نهضة ثقافية في بيروت وفي كل المجالات».

الحمرا - النموذج  

هذا الكلام يجرّنا إلى الاستفسار عن الفكرة التي اقترحها المحافظ والتي بدأ التحضير لها وهي إطلاق مشروع ثقافي اقتصادي في الحمرا ومتفرعاتها. أما لماذا الحمرا بالتحديد، فلأن الحمرا، برأيه، ازدهرت كمكان يلتقي فيه المثقفون من كتّاب وأدباء وشعراء وصحافيين .. وهذا ما جعل المؤسسات السياحية والإقتصادية تزدهر وتنمو، ما يعني أن انتعاش الحمرا اقتصادياً جاء جراء الحركة الثقافية فيها وليس العكس. 

ومن هذا المنطلق، إعتبر  شبيب أن «على تجار الحمرا مسؤولية إعادة الحياة الثقافية في الحمرا عبر العودة إلى الإستثمار في الثقافة وإعادة إحياء المؤسسات الثقافية مثل المسارح وكذلك دور السينما وغيرها، وذلك في مقابل تسهيلات تقدمها لهم البلدية». وأشار المحافظ إلى «أن تشغيل 3 مسارح في المدينة سيسمح بدخول ما بين ألفين وثلاثة آلاف شخص اسبوعياً إلى الحمرا، ما يساهم في تحريك الدورة الإقتصادية». 

بوادر نهضة ثقافية

إضافة إلى هذا المشروع، يؤكد شبيب أن ثمة أفكاراً عدة لمشاريع تتعلق بمعارض دائمة وبأماكن تابعة للبلدية ستنشأ لتكون مواقع ثقافية دائمة. وفي هذا المجال يكشف عن سعيه مع مجموعات معينة لإقامة تظاهرة ثقافية عالمية كل سنتين في بيروت تركّز على الفنون التشكيلية وتحديداً على الأعمال النحتية المحلية والعالمية،على أن يتم الإعلان عن هذه الفكرة في أيلول المقبل. والمثال الحي على بوادر هذه النهضة التقافية هو شبكة المتاحف والمعارض الدائمة الموجودة اليوم في بيروت كما يقول المحافظ  الذي يتحدّث بكل فخر عن إحداها وهو «بيت بيروت» الذي «يختزن تاريخ المدينة ويُعتبر شاهداً على مئة سنة من عمرها. وها هو اليوم يشكل مكان إلتقاء اللبنانيين ومركزاً لإقامة النشاطات في شتى الميادين». 

ومن المشاريع التي تندرج أيضاً قي إعادة بث الحياة في المدينة وخاصة في وسط بيروت هو شارع الأوروغواي الذي أعيد إحياؤه بعد أن قدّم المحافظ مع بلدية بيروت كل التسهيلات اللازمة لمؤسسات سياحية من مطاعم وأماكن للسهر، هذه المؤسسات فتحت أبوابها في وقت واحد في حفل إطلاق المشروع مؤخراً. ويكشف شبيب عن فكرة ثانية يتم التحضير لها للمنطقة المحيطة بساحة النجمة وشارع المعرض ويقول: «ان ثمة تداولاً مع نقابة أصحاب المطاعم والملاهي لكي تأتي مجموعة من المؤسسات المعروفة بأسمائها اللامعة والناجحة وتفتح كلها في المنطقة المذكورة في يوم واحد، على أن تؤمن البلدية مجموعة من التسهيلات والحوافز وتساهم في إطلاق المشروع وتأمين التغطية الإعلامية له، فضلاً عن التسهيلات الإدارية وغيرها