الغاز القبرصي:
تحديات الجغرافيا والسياسة

12.06.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عمر عبد الخالق

تشهد قبرص تطورات متسارعة على صعيد استكشاف وإنتاج النفط والغاز وكذلك على صعيد  سعيها لتصبح مركزاً اقليمياً للخدمات النفطية، وهي تواجه بالمقابل تواجه تحديات سياسية كبيرة تتمثل بالنزاع على الحدود البحرية مع تركيا، إضافة الى التحديات المتعلقة بالتصدير.

تشكل المنطقة الاقتصادية لقبرص محور نزاع مفتوحاً مع تركيا التي بدأت عمليات التنقيب في منطقة تعتبرها قبرص ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة، إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن حقوق تركيا لتنفيذ عملية الحفر في هذه المنطقة ليست قابلة للنقاش، متمنياً أن تحترم دول «الناتو» حقوق أنقرة. وسارعت أميركا إلى رفض الخطوة التركية، كذلك دعت المفوضة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني تركيا إلى إحترام الحقوق السيادية لقبرص والإمتناع عن أي عمل غير قانوني مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي سيردّ على ذلك بالشكل الملائم وبالتضامن الكامل مع قبرص. ومن جهتها، حذّرت مصر من انعكاس أي إجراءات أحادية على الأمن والاستقرار في منطقة شرق المتوسط. 

واعتبر بعض المراقبين ان التصعيد التركي جاء رداً على تأسيس منتدى غاز المتوسط الذي استثناها، وخوفاً من أن تكون أهداف المنتدى موجّهة ضدها وتضرب طموحاتها في شرق المتوسط، وأشاروا إلى أن تركيا أرادت إيصال رسالة إلى أميركا رداً على قانون «الأمن والشراكة لشرق المتوسط» الذي أقرّه مجلس الشيوخ مؤخراً والذي يتضمن رفع الحظر المفروض على الأسلحة منذ عقود على قبرص ويعزز التعاون في مجال الطاقة في شرق المتوسط بين أميركا واسرائيل واليونان وقبرص.

ترسيم الحدود مع لبنان

وعلى الحدود مع لبنان، تبدو الأمور أقل تعقيداً إذ وافق البلدان على إجراء ترسيم نهائي للحدود، وعلى بدء مفاوضات حول استغلال احتياطات الهيدروكربونات على طول خط الوسط بين المنطقتين الاقتصاديتين للبلدين، وعلى دعم الحق السيادي في استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية لكل دول شرق المتوسط. وتمّ الإعلان في هذا المجال عن قمة رئاسية بين البلدين في سبتمبر المقبل لتوقيع اتفاقية لتقاسم الموارد البترولية المشتركة. لكن تبقى المشكلة هنا، تداخل حقول الغاز القبرصية مع الحقول اللبنانية والإسرائيلية، إذ سبق لقبرص أن وقّعت اتفاقاً مع اسرائيل على الحدود البحرية بينهما، يسلّم بالخريطة الإسرائيلية التي تصادر أكثر من 860 كيلومتراً مربعاً من المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان، على الرغم من أن الجانب اللبناني كان وقّع العام 2007 اتفاقاً مع الجانب القبرصي حول الحدود البحرية تضمن  له حدوده.

التصدير عبر مصر

وفي إطار سعي قبرص للإستثمار الأنسب لمواردها تتحضر الحكومة للموافقة على تعديل اتفاق تقاسم الإنتاج مع شركات «نوبل إينرجي» الأميركية و«ديليك» الاسرائيلية و«شل» الهولندية المشغلة لحقل «أفروديت» والتي تنص على بيع الانتاج إلى محطة «إدكو» لتسييل الغاز المصرية، وعلى زيادة حصة الشركات عندما تكون أسعار النفط منخفضة، وزيادة حصة قبرص عندما تكون الأسعار مرتفعة. وأشارت وزارة الطاقة القبرصية إلى أن هذه التعديلات تضع حجر الأساس لأول صفقة لبيع الغاز الطبيعي وتضع قبرص على خريطة مصدري الغاز العالميين حتى لو كانت الكميات قليلة في الوقت الحالي، وتقوي العلاقات السياسية مع مصر.

وأدت هذه التعديلات إلى ظهور وجهات نظر داخلية معارضة وإلى تشكيك بعض خبراء النفط والغاز بجدواها وأشاروا إلى أن سلبياتها كثيرة وتضرّ قبرص على المدى الطويل. وكانت أولى الإعتراضات على تخفيض حصة قبرص عند انخفاض اسعار النفط العالمية بسبب التوقعات العالمية لتراوح معدل سعر الغاز لفترة طويلة ما بين 6.5  و 7.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في آسيا وما بين 5.5 و6.5 دولارات في أوروبا مما يؤدي إلى انخفاض حصة قبرص من الإنتاج بشكل كبير. واقترح بعض المعترضين على هذه التعديلات إجبار الشركات المشغلة على إنشاء خط أنابيب من «أفروديت» لنقل الغاز مباشرة إلى معامل انتاج الكهرباء في قبرص والتي لن تكون مكلفة كون قبرص لا تحتاج إلى أكثر من مليار متر مكعب من الغاز ما يخفض كلفة إنتاج الكهرباء بشكل كبير. 

محطة تسييل او خط أنابيب

كذلك أشار بعض الخبراء إلى أن نقل انتاج «أفروديت» إلى مصر سيؤجل مشروع إنشاء محطة تسييل في قبرص سواء كانت عائمة أم على البر، علماً ان محطة التسييل تحتاج لكي تصبح ذات جدوى ما بين 10و15 تريليون قدم مكعب من الغاز، في حين أن مجموع الإنتاج من حقول «أفروديت» و«كاليبسو» و«غلاوكوس» يبلغ عشرة تريليون قدم مكعب، فإذا استثنينا انتاج «أفروديت» يصبح انشاء المحطة مرتبطاً بدخول حقول جديدة على خط الإنتاج الذي يحتاج لأعوام عدة. 

أما بالنسبة الى فكرة إنشاء خط أنابيب لنقل غاز شرق البحر المتوسط ​​إلى أوروبا، يقول بعض الخبراء إنها ليست قابلة للتطبيق من الناحية التجارية، فعلى سبيل المثال تبلغ كلفة استخراج الغاز نحو أربعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وإذا أضفنا إليها تكاليف خطوط الأنابيب وهامش الربحية سيصل السعر إلى ثمانية دولارات ما يضعف تنافسية غاز شرق المتوسط إذ يمكن لشركة «غازبروم» الروسية تسليم الغاز بنحو 4.50 دولارات.

وإستكمالاً لإستراتيجيتها لتطوير القطاع وافقت الحكومة القبرصية على تطوير مرفأ «فاسيليكوس» كميناء مخصص للطاقة ومن المتوقع أن يتم إنجازه العام 2023.