نجيب ساويروس
مستثمـر من ذهـب

13.05.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
ديما رعيدي

«2018 لم يكن عاماً استثمارياً مثالياً بالنسبة لي، «كل حاجة مشيت غلط»، لكن العام 2019 يبشر بالخير»... هذا التفاؤل لدى رئيس «أوراسكوم للاستثمار» نجيب ساويروس، يستند إلى خطة استراتيجية واضحة تقوم على تركيز استثمارات الشركة في خمسة قطاعات هي: التعدين، العقار، الخدمات المالية، الصناعات الغذائية، والخدمات اللوجيستية.

رجل الأعمال المصري - العالمي، تكتسب آراءه ومواقفه الاقتصادية كما السياسية اهتماماً واسعاً من قِبل مجتمع الأعمال والرأي العام على حدّ سواء، حيث يحتل المرتبة الأولى بين رجال الأعمال العرب لناحية المتابعين على «تويتر» بعدد يفوق خمسة ملايين متابع، ويتمتع بشعبية كبيرة لدى الشباب المصري بفعل تجاوبه شخصياً مع طلباتهم واحتياجاتهم وتقديم النصائح إليهم للإنطلاق والنجاح في مشاريعهم الخاصة. 

نجيب ساويروس يشرح في هذا اللقاء مع «الاقتصاد والأعمال» رؤيته الاستثمارية لكل من القطاعات الخمسة موضع تركيزه الاستثماري داخل مصر وخارجها.

منذ انفصال شركة أوراسكوم للإستثمار عن «أوراسكوم تليكوم» القابضة في العام 2011، عكفت إدارة الشركة على دراسة بدائل لاستراتيجيتها الاستثمارية، إلا أن المناخ الاستثماري حينها لم يكن مشجعاً للدخول في قطاعات أُخرى أو جديدة وعليه، خرجت الشركة من استثماراتها الأساسية في مجال الاتصالات ووزعت أرباحاً استثنائية على مساهميها على مدار السنوات السابقة فاقت 7.4 مليارات جنيه مصري، «ومع استقرار المناخ الاستثماري في مصر، ونظراً الى الخبرة الواسعة لإدارة الشركة، واستكمالاً لإنجازاتها السابقة في الاستثمار في أكثر من 20 دولة وخلق أكثر من 30 ألف فرصة عمل، قررت الشركة مراجعة سياستها الاستثمارية واستراتيجيتها، والتي نجم عنها الدخول في خمسة قطاعات جديدة»؛ بحسب ساويروس.

إستثماراتي في الذهب 50 في المئة من محفظتي

 عصر المعادن 

أول هذه القطاعات هو الذهب، حيث يُعتبر نجيب ساويروس أكبر مستثمر فرد على مستوى العالم في قطاع التعدين، وأثار إعلانه مؤخراً عن عزمه تحويل نصف ثروته إلى الذهب جملة من التساؤلات يجيب عنها بالقول:«مع وقوع الأزمات والإضطرابات السياسية يتجه كثيرون عادةً إلى الاستثمار في الذهب، بإعتباره ملاذاً آمناً، وهذه النظرية ثابتة لا تتغير ويعززها مؤخراً توجه معظم البنوك المركزية للدول الداخلة في صراعات سياسية واقتصادية وتجارية دولية مثل الصين وروسيا وتركيا الى زيادة إحتياطاتها من الذهب، مما يرفع الطلب على المعدن الأصفر ويؤدي بالتالي إلى ارتفاع أسعاره، وكل المؤشرات تشير إلى هذا الاتجاه، فانخفاض أسعار الفائدة في معظم دول العالم يثير الخوف من حدوث ركود اقتصادي في الأسواق، مما يشكل عاملاً إضافياً لإرتفاع سعر الذهب الذي أتوقع أن يصل إلى 1800 دولار للأونصة مقابل نحو 1300 دولار حالياً». 

ويُنوّه بأنه اختار الاستثمار في المناجم والتعدين «لأنه يوفّر لي القدرة على استغلال طاقات وخبرات «أوراسكوم» الإدارية من أجل تعظيم قيمة وإنتاجية الأصول التي أملكها في أستراليا ودول غرب أفريقيا كساحل العاج والسنغال وتوغو وغانا وبوركينا فاسو بتكلفة أقل وقيمة مضافة أعلى، مما نتج عنه وصول استثماراتي في الذهب إلى نحو 50 في المئة من مجمل حجم استثماراتي».

أخطط لتأسيس بنك مصري لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

 بنك SMEs 

أما في قطاع الخدمات المالية، فقامت «أوراسكوم للاستثمار» بالاستحواذ على شركة «بلتون» بسعر أربعة جنيهات للسهم، والذي ارتفع إلى 16 جنيهاً للسهم خلال الخمسة أشهر التالية للاستحواذ، كما استحوذت على شركة «أربا جريسون» الأميركية، وأنشأت شركة «ريزا كابيتال» في البرازيل، ومؤخراً استحوذت على 30 في المئة من أسهم شركة «ثروة كابيتال»، أكبر مقدّم لخدمات التمويل الاستهلاكي والحلول التمويلية المتطورة في مصر، والتي نمت بمعدل نحو 50 في المئة في العام 2018 لتحقق صافي ربح قدره 283 مليون جنيه. 

ويشيد ساويروس بأهمية شرائه لـ «ريفر بنك» في لوكسمبورغ «المتخصص بتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في أوروبا، والمتميز بتقديم خدمات الصيرفة الرقمية (Digital Banking)، ونحن نعتزم نقل هذه التجربة إلى مصر من خلال تأسيس بنك متخصص بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مصر، إذ تفتقد السوق المصرية لهذا النوع من النشاط في ظل عزوف بنوكها عن تمويل هذه المشاريع وتركيزها على إقراض الشركات الكبيرة ذات الملاءة المالية المرتفعة والمضمونة المخاطر وعليه، تقدّمنا من البنك المركزي المصري بطلب الحصول على رخصة إنشاء البنك ونحن بإنتظار الموافقة للمباشرة بالعمل. وفي موازاة ذلك، فإننا نتطلع الى نقل تجربتنا الناجحة في مصر على صعيد الخدمات المالية والتمويل الاستهلاكي والوساطة والصيرفة الاستثمارية إلى الأسواق الأفريقية عبر إنشاء فروع لشركتيّ «بلتون» و«ثروة» في تلك الأسواق، فضلاً عن الدخول في مفاوضات مع مجموعة مصرفية أفريقية لديها انتشار إقليمي واسع لشراء حصة مؤثرة فيها وتوسيع نشاطها». 

 أفريقيا وجهتنا الأولى بالخدمات المالية والصناعات الغذائية

 العقار « نار» 

على صعيد التطوير العقاري، تشمل مروحة «أوراسكوم للإستثمار»، من خلال شركة ORA، العديد من المشاريع خارج مصر، كمشروع Ayia Napa Marina في قبرص المؤلف من برجين ومارينا يخوت، ومشروع Eighteen العملاق في العاصمة الباكستانية إسلام أباد والذي يضم 2000 وحدة سكنية وفندقاً ومساحة تسوق تفوق 500 ألف قدم مربع، ومشروع Silver Sands للفلل الفخمة في جزيرة غرانادا في البحر الكاريبي، ومبنى Nocera السكني في لندن. لكن ساويروس يوضح أن «التركيز الأساسي ينصبّ في المرحلة الحالية والمقبلة على السوق المصرية من خلال تطوير حزمة مشاريع نوعية، تشمل أبراج Zed السكنية التجارية في مدينة الشيخ زايد في القاهرة ويتكون من خمسة أبراج بإرتفاع 20 طابقاً عشرة أبراج بإرتفاع عشرة طوابق بالإضافة إلى منتجع الساحل الشمالي المتكامل والذي يضم فللاً وقرية سكنية وفنادق ومطاعم ومحالاً تجارية وتفوق تكلفته الاستثمارية ملياري دولار، ونحن في إنتظار الموافقات الحكومية – التي تأخرت للأسف – للمباشرة بالتنفيذ، كما نتطلع إلى تطوير مشروعين في منطقة التجمع الخامس ووسط القاهرة». 

وينسب ساويروس أسباب تركيزه على السوق العقارية المصرية إلى قناعته بأنها تختزن إمكانات هائلة للنمو، «فقبل دخولي القطاع العقاري كان لدي تخوف بأنه مزدحم وبأن العرض يفوق الطلب، لكن نتيجة دراسات معمّقة تبين لنا أن العكس صحيح تماماً، فالمعروض لا يتجاوز نسبة 10 في المئة من المطلوب، ولا خوف من فقاعة عقارية على الإطلاق، لكن معضلة القطاع تكمن في عدم توفّر التمويل لشريحة الراغبين بشراء الوحدات السكنية من متوسطي ومحدودي الدخل عن طريق التقسيط لمدة لا تقل عن 20 عاماً، نظراً الى غياب الأدوات الضرورية للتمويل كالرهن العقاري والتوريق والإيجار التملكي (Leasing)، بالإضافة الى عدم وجود القوانين التي تحمي المطور وتتيح له استعادة عقاره في حال تخلف الشاري عن الدفع، ونحن نأمل من الحكومة الإسراع في تحقيق هذين المطلبين أي تسهيل التمويل وإقرار القوانين التي تحمي المطورين، بإعتبارهما العمودين الفقريين لتنظيم وتطوير القطاع العقاري في مصر».   

الطلب على العقار في مصر عشرة أضعاف المعروض

 منظومة غذائية 

القطاع الرابع الذي يحوز تركيز «أوراسكوم للاستثمار» هو الصناعات الغذائية، وعموده الفقري هو مصنع النيل للسكر، الذي تضع الشركة اللمسات الأخيرة على عملية شرائه بقيمة تفوق 200 مليون دولار، ويبرر ساويروس هذا الاستثمار الضخم «بوجود عجز بإنتاجية السكر في مصر يقدر بنحو 30 في المئة، حيث تنتج مصر 2.2 مليون طن من السكر سنوياً في حين أن الطلب في السوق يبلغ 3.2 ملايين طن، وهذا العجز تتم معالجته في الوقت الحالي عن طريق استيراد السكر».

مضيفاً:«يعدّ متوسط سعر طن السكر حالياً في أدنى مستوياته منذ تعويم الجنيه المصري، مع الأخذ في الاعتبار أن ربحية الشركة تتأثر بشكل كبير بالتغير في السعر. فعلى سبيل المثال، إن زيادة 1000 جنيه في سعر طن السكر أي زيادة 13 في المئة عن السعر الحالي الذي يبلغ 7200 جنيه، يؤدي إلى زيادة صافي ربح الشركة بنحو 200 مليون جنيه».

إلى ذلك، «فمن مميزات الصفقة أنه يمكن تحويل أرض المصنع إلى مجمع صناعات غذائية متكامل نظراً الى أنها تتمتع بموقع متميز على بعد 50 كلم من ميناء الإسكندرية، بالإضافة إلى أن المصنع مبني على مساحة 45 في المئة فقط من الأرض البالغة مساحتها مليون متر مربع، مع أنها كاملة المرافق من غاز طبيعي ومياه ومزودة بمحطة كهرباء ذات طاقة إنتاجية عالية»، كاشفاً عن «خطة «أوراسكوم للإستثمار» لبناء منظومة صناعات غذائية متكاملة بجودة عالية وأسعار تنافسية، تستهدف السوق المصرية والأسواق الأفريقية، وتشمل الألبان والعصائر والتمور والطماطم ومشتقاتها والمأكولات السريعة، ورصدنا استثماراً أولياً يبلغ 80 مليون دولار لهذا الغرض».

 آخر العنقود 

أما القطاع الخامس والأخير، فهو قطاع الخدمات اللوجيستية. ويوضح ساويروس أنه «نظراً إلى اعتماد قطاع الصناعات الغذائية بشكل أساسي على الخدمات اللوجيستية، فإن الشركة خططت خلال الفترة السابقة لبناء منصة لوجيستية على مستوى مصر، من أجل خلق ذراع قوية للتوزيع والتجارة من شأنها تعظيم هامش الربح لقطاع الصناعات الغذائية لدى الشركة وكذلك توفير هذه الخدمات للغير إنطلاقاً من أن خدمات النقل والتخزين المتوفرة حالياً في السوق المصرية تحتاج إلى الكثير من التطوير وتفتقر الى معايير الجودة والأداء ذات المستوى العالمي».

 وداعاً للإتصالات 

عن أسباب خروجه من قطاع الاتصالات الذي حقق فيه نجاحات وأرباحاً فائقة، حتى أصبح إسم ساويروس مقترناً بالإتصالات في العديد من دول العالم، من المنطقة وصولاً إلى كوريا الشمالية، يقول «إن «قطاع الاتصالات «استوى على الآخر»، ولهذا خرجت منه، والغلطة التاريخية للقطاع تمثلت بسماح شركات الاتصالات لمقدمي الخدمات مثل «غوغل» و«فايسبوك» و«واتساب» وغيرها بأن تصل إلى مستخدميها وجني الأرباح من دون حصولها على أي نسبة منها، مع أنها هي التي استثمرت في البنية التحتية والشبكات والمحطات والألياف الضوئية بمبالغ طائلة، فأصبحت شركات الاتصالات بمثابة «الممر المجاني» لمقدمي الخدمات، وأنا استشرفت هذا الخطر في مرحلة مبكرة فبعت حصصي في شركات الاتصالات «أورانج» و«موبينيل»، والدليل على صحة قراري أن شركة «فودافون» مثلاً خسرت 50 في المئة من قيمتها السوقية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، والشركة التي بعتها تبلغ قيمتها الآن ربع القيمة التي بعتها فيها، وأنا برأيي أن مستقبل القطاع غير واعد ومن المحتمل جداً أن نشهد موجة تملك من قِبل مقدمي الخدمات لشركات الاتصالات».

الحكومة المصرية تنافس القطاع الخاص؛ وأعتبر ذلك خطأ كبيراً

 الحكومة والقطاع الخاص 

حول رؤيته لمناخ وبيئة الاستثمار في مصر، يرى ساويروس أن «المرحلة الحالية هي من أفضل المراحل على مرّ تاريخنا الاستثماري في مصر»، لكنه يعتبر في المقابل أنه «على الدولة أن ترفع يدها عن الاستثمارات التي بوسع القطاع الخاص تنفيذها، فالتدخل الحكومي في المشاريع وزيادة الاستثمارات الحكومية طاردان للاستثمار الخاص، وبرأيي أن الحكومة في مصر دخلت في مشاريع عقارية وصناعية ولوجيستية وإنشاءات تنافس فيها القطاع الخاص، لذلك، من الأفضل أن تبتعد عن ذلك وتكتفي بدورها التنظيمي والتشريعي والمسهل وبتطوير البنية التحتية ومعالجة البيروقراطية التي تحتل رأس المشاكل على سلم تحفيز الاستثمار بدل منافسة القطاع الخاص، وهذا رأي لن أحيد عنه رغم أنه يغضب البعض».

 خريطة الاستثمار العربي 

عن سبب إحجامه مؤخراً عن الاستثمار في العالم العربي، يوضح ساويروس:«رغم أن المنطقة العربية في معظمها ملتهبة حالياً بسبب المشاكل والاضطرابات السياسية، إلاّ أن كل دولة عربية تختلف عن الأخرى على صعيد المزايا والعيوب الإستثمارية. وخريطة الاستثمار في العالم العربي واضحة بالنسبة لي، فقد استثمرت في السودان وكان استثماراً ناجحاً رغم الصعوبات، وإذا وجدت فرصة ملائمة في لبنان فأنا أرغب بالإستثمار فيه لأنني أحب هذا البلد، وكذلك موريتانيا بلد واعد جداً، وأتمنى أن تستقر الأوضاع في ليبيا للتعرف على فرص الاستثمار فيها، وكذلك الأمر في الجزائر التي عانيت فيها الأمرّين لأسباب معروفة لدى الجميع، كما أتطلع الى الاستثمار في تونس لكن ما يردعني هو التخوف من سيطرة الأخوان المسلمين على الحكم، وأرى صعوبة في الدخول بمشاريع إعادة الإعمار في سورية والعراق، أما في ما يتعلق بدول الخليج، فبرأيي أنها لا تحتاجنا وليس لدينا أي قيمة استثمارية مضافة لتقديمها إليها، وتبقى مصر برأيي واحة أمان واستثمار تختزن الكثير من الفرص لي ولغيري من المستثمرين المصريين والدوليين على المدى المنظور والمتوسط والبعيد».