هل تحوّلت شركات المعارض والتسويق العقاري في الكويت إلى شركات توظيف أموال تهدّد بنشوء فقاعة مضاربية؟ يستند هذا التخوف إلى تفاقم ظاهرة البيع على الخريطة مع عرض عوائد مضمونة تصل إلى 25 في المئة على المبالغ المستثمرة في مشاريع خارج البلاد، علماً أن متوسط العائد على الإستثمار العقاري في الدول التي تقام فيها هذه المشاريع يتراوح ما بين 5 و10 في المئة.
يضاف إلى ذلك الإفراط غير المبرر في عدد المعارض العقارية الذي يصل إلى 26 معرضاً خلال العام الواحد، وتزايد الحديث عن حالات إحتيال وغش في تلك المعارض. وقد بادرت الحكومة الكويتية إلى تشكيل لجنة لدراسة هذه الظاهرة واقتراح الحلول التي يؤمل أن تجد طريقها للتنفيذ لتدارك نشوء «فقاعة مضاربية».
«الاقتصاد والأعمال» إلتقت بمجموعة من المعنيين في هذه الصناعة مسلّطة الضوء على هذا الملف مع استعراض حلول عملية كفيلة بعودة المعارض العقارية ومهنة التسويق العقاري إلى مسارهما الصحيح.
تجمع مختلف الجهات المعنية بقطاع التسويق العقاري على تزايد غير مبرر في عدد المعارض العقارية، وكذلك على قيام عدد من شركات التسويق العقاري بتجاوز مهامها. ويصف العضو المنتدب في مجموعة توب اكسبو لتنظيم المعارض والمؤتمرات وليد القدومي ظاهرة كثرة المعارض العقارية بالقول بأنها بمثابة «فوضى» حتى وصل الأمر حسب رأيه إلى حدّ وجود جهات تنظم معارض من دون أن تكون لها خبرة في هذا المجال، معتبراً أن كثرة المعارض تركت تداعياتها على دورة تسويق المشروع التي أصبحت تمتد لنحو عامين بعد أن يجري الانتهاء من بيع الوحدات في المشروع في فترة تتراوح ما بين ثلاثة وستة أشهر. وجهة النظر هذه يتفق معها مدير التسويق ومدير تطوير الأعمال في شركة ماس للتسويق العقاري عبد الله جاسم الشهاب معتبراً وجود معرضين إلى ثلاثة في الشهر على مدار العام أمراً مبالغاً فيه حتى إنه خلق نوعاً من عدم الثقة لدى العملاء والمستثمرين المحليين بالنظر إلى بروز ممارسات غير سليمة في المرحلة الأخيرة.
القدومي: على الجهات المختصة الكشف عن شركات التسويق المخالفة
خلط التسويق بالإستثمار
من جهة أخرى، سجّلت المعارض العقارية في الآونة الأخيرة ظاهرة تمثّلت في التنافس المحموم بين الشركات لعرض عوائد مضمونة على العقار المباع، حتى أصبح أمر هذه العوائد كبورصة أسعار، وصل ببعض الشركات إلى تحديد عوائد تبلغ 25 في المئة سنوياً في وقت كان متوسط العوائد في الدول التي تقوم فيها هذه المشاريع يتراوح ما بين 5 و 10 في المئة، وهو واقع يؤدي إلى الخلط بين التسويق العقاري بمفهومه التقليدي وبين الترويج للأدوات الإستثمارية. وهنا يعتبر القدومي أن إقدام الشركات على طرح عوائد على أي مشروع يجعل نشاطها مندرجاً تحت تجميع الأموال واستثمارها ربما في قطاعات أخرى، بمعنى أن هذه الشركات باتت تمارس دور شركات الاستثمار وتوظيف الإموال، مع الإشارة إلى ان بريطانيا على سبيل المثال لا تسمح بمثل هذه الممارسات لأنها تخرج عن نطاق اختصاص الشركات العقارية.
ويذهب أمين عام اتحاد العقاريين أحمد الدويهيس إلى التعمق أكثر في هذه النقطة بالإشارة إلى أن بعض الشركات عمدت إلى تغطية نسبة العائد غير المنطقي عبر رفع سعر العقار إلى أكثر من الضعف، قبل أن تلجأ إلى توزيع العائد على فترة الضمان الممتدة لمدة عامين أو ثلاثة أعوام، ثم تقوم بتغطية العوائد عن السنوات التالية من المبالغ التي أضيفت على السعر الحقيقي للعقار، وعندما يكتشف العميل تلك المعادلة غالباً ما تكون فترة الضمان قد انقضت.
مشاريع وهمية
وفي الوقت الذي يرى فيه الشهاب أن المنافسة المحتدمة دفعت عدداً من الشركات إلى اعتماد أساليب ملتوية إلى جانب كون توجّهاتها تحمل الكثير من شبهات الاحتيال والخداع بغية استقطاب العملاء ولاسيما تلك التي كانت تشير إلى عوائد خيالية، حتى وصل الأمر ببعضها إلى بيع مشاريع على الخريطة غير موجودة أساساً، وهنا يدعو القدومي إلى تحييد مثل هذه التهم عن شركات المعارض العقارية ولاسيما وأنها تعمل تحت إطار قانوني ورقابي صارم وتوجيهها نحو شركات التسويق العقاري وفي ما يشبه الدعوة غير المباشرة إلى الفصل بين هاتين الشريحتين يدعو القدومي الجهات الرسمية المشرفة على القطاع الى تقديم إحصاءات حول الشركات المخالفة معتبراً في الوقت نفسه أن وجود شركتين أو ثلاث إرتكبت مخالفات لا يفترض انها تعني أن مختلف الشركات مخطئة.
الشهاب: كثرة المعارض خلقت عدم ثقة وإحجاماً من قبل العملاء
أما الدويهيس فيعتبر أن النموذج القانوني الذي تنضوي تحته شركات التسويق العقاري تجعل مسؤوليتها القانونية محدودة، كونها ليست مالكة للعقار، وهو ما يعزّز إمكانية حصول تلاعب من قبلها أو حتى النفاذ من الثغرات في القوانين والتشريعات بما ينتج عنه قيام بعض الشركات بممارسات قد ترتقي الى مستوى عمليات احتيال، وأعاد الدويهيس التذكير بالتقرير الشامل الذي سبق لاتحاد العقاريين أن رفعه إلى وزارة التجارة والصناعة وتضمن تسليط الضوء على أكثر من 11 مخالفة من بينها تسويق مشاريع معطلة أو أخرى تابعة لشركات متعثرة بما جعل المشروع تحت تصرف الدائنين أو بيع وحدات لم تحصل على رخص بناء وصولاً إلى وعود وهمية بتحويل تصنيف العقارات من أراضٍ زراعية إلى أخرى صالحة للبناء.
ماذا عن الحلول؟
تبدو الحلول المقترحة واضحة وسهلة المنال وإن كانت كل جهة تراها من زاويتها، إذ يذهب عبد الله الشهاب للمطالبة بضرورة أن يدخل قطاع تنظيم المعارض والتسويق العقاري بشكل كامل مرحلة من التنظيم وتقنين عدد الشركات وفرض المزيد من الضوابط على تنظيم المعارض، ويطالب بحصر عدد المعارض بإثنين خلال العام الواحد على أن تكون وزارة التجارة والصناعة موجودة بكل ثقلها بما يسهم في تحسين بيئة هذه المعارض، وبما يجعل الإدارة المولجة بالرقابة عليها تشرف بشكل مباشر على تطبيق الضوابط، ويعتبر أن مثل هذا التواجد يمكّن زوار المعرض من العودة إلى الوزارة عند وجود أي غموض أو شكوى بما يضفي المزيد من الإطمئنان، داعياً في الوقت نفسه إلى الاقتداء ببعض التجارب الخليجية الناجحة في هذا المجال، وفي مقدمها تجربة دائرة الأملاك والأراضي في إمارة دبي التي تفرض على الشركات العقارية معايير صارمة تبدأ ببدل تأمين تدفعه الشركات وصولاً إلى محاسبة صارمة عند الإخلال بأي من القواعد واللوائح المعمول بها.
الدويهيس: شركات تحوّلت من التسويق العقاري إلى النشاط الإستثماري
وجهة النظر هذه تجد صداها لدى القدومي الذي يقول:«سبق أن اقترحنا تحديد دورة زمنية للمعارض على ان تقتصر على دورتين خلال العام مع إلزام الشركات الراغبة في التنظيم تقديم كفالة مصرفية كبيرة في خطوة تهدف إلى تنظيم السوق».
بدوره، يقترح الدويهيس مجموعة حلول تبدأ باعتماد النموذج السائد في بعض البلدان والمتمثل في المدقق العقاري، بحيث لا يجري إبرام أي عقد إلا عبر هذا المدقق، داعياً الجهات المختصة إلى تأهيل كوادر متخصصة في هذا المجال أو الاستعانة بمن لديهم خبرات مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة إدراج العقارات التي تحقق عوائد مضمونة ضمن الأدوات الاستثمارية وليس التسويق العقاري، مشترطاً أن تحصل مثل هذه الشريحة من العقارات على ترخيص مستقل ومن جهات أكثر صرامة كهيئة أسواق المال.