مصارف المنطقة ومعيار IFRS9:
تراجع حقوق المساهمين وثبات الملاءة

31.08.2018
أثر تطبيق المعيار على حقوق المساهمين في المصارف السعودية
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عاصم البعيني

أظهرت النتائج المالية عن الربع الأول الخاصة بمصارف المنطقة قدرتها على التعامل مع التغيرات المترتبة على تطبيق المعيار المحاسبي الرقم 9 (IFRS9)، ولاسيما لجهة تكريس مفهوم الخسائر الائتمانية المتوقعة (ECL)، وما ينتج عنه من مخصصات إضافية، مع بقاء الشريحة الأوسع من المصارف بمنأى عن تأثر كفاية رأس المال بتطبيق المعيار من دون أن يعني ذلك، عدم لجوء  مصارف عدة الى خيار رفع رأس المال للمحافظة على ملاءتها المالية، إذ كشف بعض منها عن خطوات من هذا النوع.

وإذا كانت تجربة التعامل مع المعايير عكست تبايناً في أساليب التطبيق، غير إن القاسم المشترك، بين مختلف المصارف، سيبقى في ما يفرضه المعيار من ارتفاع تكاليف التشغيل وكذلك تكلفة المخاطر، وما ينتج عن تطبيقه في المقابل من ارتفاع في تكلفة التمويل على العملاء، ولاسيما وأنه يتزامن مع ضعف البيئة التشغيلية في معظم أسواق المنطقة، وما يتركه من أثر على تباطؤ نمو الائتمان. «الاقتصاد والاعمال» رصدت نماذج تعامل المصارف المركزية مع هذه المعايير في ثلاث دول مختلفة هي السعودية، الكويت ولبنان.  

 

جاء تطبيق معيار IFRS9 ليفرض واقعاً محاسبياً جديداً عبر ضرورة تقدير قيمة الخسائر الائتمانية المتوقعة
(Expected Credit Lose)، وتجنيب مخصصات مقابلها، مع تعميم مبدأ تجنيب المخصصات بشكل إستباقي أي بتاريخ منح القرض، وحتى في حال عدم تعثر العميل وذلك طوال المدة الزمنية للإئتمان، وقد تلاقت متطلبات هذا المعيار مع التوجهات المعتمدة من قبل معايير بازل المعنية بمعدل كفاية رأس المال، نظراً الى كون الخسائر الائتمانية المتوقعة، غالباً ما تجنب من بند حقوق المساهمين. وفي هذا السياق، قدرت وكالة« ستاندرد آند بورز» (S&P) متوسط المخصصات الإضافية، التي جنبتها المصارف الخليجية بنسبة 1.1 في المئة من إجمالي القروض لديها، أو ما يعادل نسبة 5.3 في المئة من إجمالي رأس مالها المعدل. 

السعودية ملاءة مالية

في ما يتعلق بالمصارف السعودية، فقد بلغ أثر تطبيق معيار (IFRS9)، نحو 14.53 مليار على بند حقوق المساهمين خلال الربع الأول من العام الحالي، مشكّلة نحو 4.17 في المئة من الإجمالي، جرى استقطاع النسبة الأكبر منها من بند الأرباح المتبقاة.

وتصدر مصرف الراجحي المصارف السعودية من حيث الانخفاض المسجل في بند حقوق المساهمين، بنحو 2.8 مليار ريال، تلاه بنك الرياض بنحو 2.120 مليار، ومن ثم بنك ساب بنحو 1.650 مليار. 

ومع ذلك، توقعت وكالة «موديز»، بأن تحتفظ جميع المصارف بمعدلات رسملة تفوق بكثير الحد الأدنى المطلوب رقابياً بعد تطبيق المعيار، مشيرة إلى أن كفاية رأس المال لديها ستبقى عند نحو 17.6 في المئة للشريحة الأولى، ونحو 10.5 في المئة للشريحة الثانية، مقارنة مع النسب المحددة رقابياً بنحو 8.5 في المئة، و10.5 في المئة على التوالي.

وأشارت الوكالة إلى أن مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» سمحت للمصارف توزيع أثر المعيار الجديد على مدى خمس سنوات تمتد لغاية العام 2023، متوقعة استناداً إلى ذلك، ألا تتجاوز تكلفة التطبيق 20 نقطة أساس خلال العام الحالي. ولفتت «موديز» إلى ان تحسن تغطية القروض المتعثرة بلغت نحو 150 في المئة، فيما سجلت المخصصات تراجعاً بنسبة 21 في المئة خلال الربع الأول، ما شكل عامل دعم مهماً لنمو الأرباح التي ارتفعت بنحو 7.5 في المئة، مدعومة أيضاً بإنخفاض تكلفة التمويل، إذ تراجعت بنسبة 12.5 في المئة على أساس سنوي، و2 في المئة على أساس ربع سنوي.

الكويت: تطبيق جزئي

بدوره، اعتمد بنك الكويت المركزي مقاربة مختلفة عبر تطبيق جزئي للمعيار على الجزء الخاص بالاستثمارات المصرفية، مع التريث في تطبيقها على خسائر الائتمان، علماً أن المصارف احتسبت بند المخصصات طبقاً لمتطلبات المعيار، ولكن من دون أن تعكسها في سجلاتها المحاسبية عن نتائج الربع الأول. ويبقى من المنتظر، ما إذا كان «المركزي» سيستكمل هذا النهج خلال نتائج الربع الثاني.

ولعلّ ما ساعد المركزي الكويتي على السير قدماً في هذا التوجه، هو التشدد في استقطاع المخصصات على مدى السنوات السابقة في ظل المعيار المحاسبي الرقم 39، إذ كان يطلب استقطاع مخصصات عامة على شريحة العملاء المنتظمين في الدفع بنسبة 1 في المئة من صافي التسهيلات النقدية، وبنسبة 0.5 في المئة من التسهيلات غير النقدية، يضاف إليها مخصصات احترازية، ما يعني أنه كان من الصعب أن تتجاوز قيمة خسائر الائتمان المتوقعة المفروضة بموجب المعيار 9، رصيد المخصصات المجنب لدى المصارف.

وبالتزامن مع تطبيق المعيار، أظهرت نتائج الربع الأول تراجع حقوق المساهمين بنسبة 2.4 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، لتبلغ نحو 8.3 مليارات دينار، علماً أن المخصصات بلغت نحو 184 مليوناً، بزيادة نسبتها نحو 29.1 في المئة. وتقدر وكالة «ستاندرد آند بورز»، إجمالي المخصصات الإضافة بنحو 0.7 في المئة من إجمالي القروض على المدى المتوسط.

هذا، وكان بنك برقان، وعلى إثر هذا التطبيق، اتخذ قراراً بزيادة رأس ماله بنحو 62 مليون دينار، على إثر تقدير الأثر الناتج عن المعيار بنحو 20 إلى 25 مليون دينار، نتج عنها انخفاض معدل كفاية رأس المال ما بين 30 و40 نقطة أساس، وأوضح البنك بأن مصدر التأثير نتج عن الأسواق الخارجية التي يعمل فيها.     

هندسة مالية لبنانية

أما تجربة مصرف لبنان في التعامل مع المعيار، فاتسمت بشيء من الخصوصية، من  زوايا عدة: الأولى، بأن لجنة الرقابة على المصارف منحت المصارف حق استقطاع المخصصات المطلوبة بموجب الخسائر الائتمانية المتوقعة من بند المطلوبات غير المصنّفة (Deferred Liabilities)، والمقدرة بنحو 5.5 مليارات دولار، والمجنّبة بموجب برنامج الهندسة المالية المعتمد في العام 2016.

الثانية، أن هذه المقاربة وجدت صداها في النهج الذي اعتمدته اللجنة لجهة التمييز بين «الخسائر الائتمانية غير المتوقعة» (Unexpected Credit Lose)، المعنية بها معايير بازل، وارتباطها بمعدلات كفاية رأس المال (Capital adequacy)، وبين الخسائر الائتمانية المتوقعة (ECL) كمفهوم ناتج عن تطبيق معيار IFRS9، ما ألغى كلياً فكرة تأثر الملاءة المالية للمصارف بهذا التطبيق.

أما العنصر الثالث، في هذه الخصوصية، التجربة اللبنانية، فيكمن في أن نسبة مهمة من الاستثمارات المصرفية، موظفة في أدوات دين سيادية، إذ إن تطبيق المعيار الجديد، فرض تحديد نسبة مخاطر عليا تتراوح ما بين 7 و9 في المئة، بعد أن كانت هذه النسبة صفرية.

وفي هذا السياق، يقدر رئيس لجنة الرقابة على المصارف في مصرف لبنان سمير حمود، قيمة المخصصات المجنّبة مقابل الخسائر الائتمانية المتوقعة (ECL)، بنحو ملياري دولار، ومع إعادة التأكيد على أنه سيجري تجنيبها من الأموال المجنبة بموجب برنامج الهندسة المالية، يوضح بأن المصارف ستكون مخيّرة بإعادة توجه المخصصات العامة المحددة نسبتها من قبل مصرف لبنان بنسبة 3.5 في المئة من المحافظ الائتمانية و1.5 في المئة على حساب الشركات، إلى بند الأرباح والخسائر.

مصر تأجيل التطبيق

بدوره، منح المركزي المصري مهلة للمصارف حتى العام المقبل لبدء تطبيق المعيار، إذ حدد الأول من يناير المقبل موعداً للمصارف التي تعدّ ميزانياتها بما يتفق مع السنة الميلادية لبدء التطبيق، والأول من يوليو للمصارف التي تعدّ قوائمها خلال شهر يونيو. وبموجب التوجيهات الصادرة عن البنك المركزي، تبدأ المصارف خلال العام الحالي تشكيل لجنة للتطبيق تكون مسؤولة عن وضع خطة لتطبيق المعيار ودراسة الأثر المتوقع له على ميزانيات المصارف ومعدل كفاية رأس المال، وموافاة البنك المركزي بخطة معتمدة من مجلس الإدارة للتطبيق خلال فترة لا تتجاوز شهر يونيو المقبل، كما شدد المركزي على ضرورة أن تعدّ المصارف قوائم مالية تجريبية عن الفترة المنتهية في 31 مارس 2018 وفقاً لمتطلبات المعيار.

وبموجب التوجيهات التي اعتمدها المركزي، يتعين على المصارف تكوين إحتياطي مخاطر بنسبة 1 في المئة من إجمالي المخاطر المرجحة.

ارتفاع الكلفة

هذا التمايز في أساليب التطبيق، تقابله نتائج وإجراءات موحدة بات على المصارف السير بها قدماً، ولاسيما لجهة حتمية تعزيز إدارة المخاطر لديها، كون هذه الأخيرة أصبحت معنية بتحديد قيمة الخسائر الائتمانية المتوقعة (ECL)، وما يعنيه ذلك من ضرورة الاستعانة بكفاءات وأصحاب خبرات لتقدير مثل هذه الخسائر سواء استناداً إلى عوامل جيوسياسة أو أخرى مرتبطة بالواقع الائتماني للعميل، كما إن الإدارات التنفيذية في المصارف، أصبحت أيضاً ملزمة بتشكيل لجنة تضم في عضويتها مسؤولاً من الائتمان، الإدارة المالية، إدارة المخاطر، وتعمل بصورة لصيقة معها.

في المقابل، فإن تطبيق مبدأ الخسائر الائتمانية المتوقعة، وما يعنيه من فرض مخصصات على أية قروض بغض النظر عن مدى جودتها، وطوال مدتها الزمنية، وهذا من شأنه أن ينعكس على تكلفة القروض نفسها أي تكلفة التمويل، كما إنها تدفع المصارف الى إعطاء الأولوية لجودة القروض على حساب حجمها.

وبالإضافة إلى هذا العامل، تتوقع وكالة (S&P) أن تتراوح نسبة نمو القروض لدى المصارف الخليجية ما بين 3 و4 في المئة، نظراً الى ضعف البيئة التشغيلية، ما يعني أن المصارف ستعطي الأولوية لجودة القروض على حساب الحجم.