اللواء عماد عثمان:استثمــارٌ فـي الأمـن ربــحٌ فـــي الإقتصـــاد

12.09.2017
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رمزة عسّاف

كالنجوم على أكتافه يلمع تواضعاً وأخلاقاً ووطنيةً... ومثل العلم المزروع في كل أنحاء مكتبه يعكس بشخصيته هيبة الدولة. إنه مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي يرى أن الأمن هو الأساس والتوظيف في الأمن استثمار رابح.

على قاعدة الكثير من العمل والقليل من الكلام يتصرف اللواء النشيط الذي لا ينام، ويتمنى لو كان هناك أكثر من 24 ساعة في اليوم .. "لأن المسؤوليات كبيرة والتقصير ممنوع". ففي المكتب الذي يشبه "خلية النحل"، لواءٌ وفريق عملٍ يؤمنون بأنهم أصحاب رسالة لا وظيفة، وأن عملهم لا يقف عند حدود زمنية بل عند حدود الإنتهاء من المشكلة، لذلك لا يأبهون لدوام ولا يكترثون لوقت، "فالأمن لا ينتظر".

غنية هي مسيرة اللواء عثمان العسكرية، لكن المحطة - المفصل كانت وجوده ضمن فريق حماية الرئيس رفيق الحريري بقيادة وسام الحسن، الشهيدين العزيزين على قلب عثمان.. فمن الحريري تعلّم الصبر ومن الحسن الوطنية والقدرة على الإستيعاب قبل أن يخلفه، ولو بحرقة، في رئاسة شعبة المعلومات بعد استشهاده.  أما من اللواء ابراهيم بصبوص فورث (في 8/3/ 2017) منصب مدير عام مؤسسة قوى الأمن الداخلي «الذي ما كان يجب أن يكون إلا للشهيد وسام الحسن لأنه أكثر من يستحقه» يقول عثمان.

أما اليوم فيقف إبن الزعرورية الشوفية فخوراً بمساهمته في النقلة النوعية التي أحدثتها المؤسسة ووضعتها في مصاف مثيلاتها في الدول المتقدمة، قاطعاً على نفسه عهداً بالعمل على رفع رايتها للوصول بها إلى أعلى المراتب محلياً وإقليمياً.

يعطيكم العافية على كل الإنجازات التي تقومون بها كرجال أمن وكشعبة معلومات.. بهذه العبارة بدأ الحوار مع اللواء عماد عثمان الذي ردّ بكلام عميق ومعبّر عندما قال "ليس لنا بالجميل وهذا واجبنا الوطني والأخلاقي"، واعتبر أن قوى الأمن الداخلي مؤسسة عريقة وليست عابرة، فهذا الجهاز الأمني قائم في لبنان منذ 156 عاماً أي في زمن العثمانيين تحت اسم "الجندرما" ، ثم تنوعت التسميات مثل "الشرطة" و'الدرك"، وكان هذا الجهاز يقوم بدور كل المؤسسات بل كان أساسها لأنه يُعنى بشؤون الناس، كيف لا ورجل الأمن كان ولا يزال صلة الوصل الأقرب بين المواطن والدولة. من هنا كانت التسمية لاحقاً بـ "الشرطة المجتمعية"، وهي العلاقة بين القوى الأمنية التي تحافظ على القانون وبين المجتمع الذي يتلقى الجريمة والإعتداء على الحقوق، والذي حفظ  حقوق الناس خلال الحرب الأهلية كانت كلمة "محضر"، بحيث كان الجميع يردّد عن قناعة بأن لا شيء يضيع عند الدولة.

أهداف و.. ثوابت

وإذا كان عمر قوى الأمن الداخلي يعود إلى أكثر من قرن ونصف، إلا أن التجديد والتطور يواكبان هذه المؤسسة بإستمرار حيث وصلت اليوم، برأي اللواء عثمان، إلى أعلى المستويات في مكافحة الجريمة، ويوضح بأنه كون الجريمة باتت لها وسائل متطورة، علينا أن نقابلها بالتقنيات العالية لمكافحتها. وجدّد المدير العام ثوابته حيال المؤسسة التي تلعب دوراً  في مشاريع بناء الدولة وهي: متابعة سياسة مكافحة الفساد ومحاسبة المرتكبين، الإلتزام الكلي بالمناقبية العسكرية والإبتعاد عن المحسوبيات والإرتباطات السياسية، تطوير وتنمية العلاقة بين رجل الأمن والمواطن، والإستمرار في تطوير الأداء للتصدي للإرهاب ومكافحة الجريمة على أنواعها باعتماد أفضل الأساليب التقنية والحديثة.  

مصلحة البلد أولوية

"مهمة قوى الأمن ليست وظيفة بل واجباً، وعليها أن تقوم به عن قناعة وليس من باب الوظيفة التي تبدأ في ساعة معينة وتنتهي في ساعة محددة"، هكذا ينظر عثمان إلى دور رجل الأمن الذي عليه أن يكون بمستوى قسَمه الذي ينطوي في روحيته أيضاً على الإبتعاد عن الشخصانية والترفع عن الأنانيات، فلا يستعمل السلطة الممنوحة له إلا في سبيل توطيد النظام والأمن والحفاظ على القانون، لأن الأولوية لمصلحة البلد"، ويلفت إلى أن المتابعة والملاحقة صارت من أساسات عملهم اليومي، إذ لا يجوز أن تمرّ جريمة واحدة مرور الكرام بل ينبغي المتابعة والتنقل من نقطة إلى أخرى حتى بلوغ الخيط الذي يوصل إلى كشف الجريمة.

وعندما تسأله عن سبب  عدم الترويج لإنجازاتهم واكتشافاتهم الأمنية ولا سيما على صعيد شعبة المعلومات، لا ينفي لوم البعض له بعدم الإضاءة على إنجازات المؤسسة لكنه يعطي تبريراً لذلك ويقول: "ليس المطلوب أن نبرهن للشعب بأننا نعمل ونسهر على أمنهم، لأن الناس تلمس هذا الأمر، فمن نحميهم أو ننقذهم من الجريمة أليسوا مواطنين؟ وألا تُرتكب الجرائم بحق أناس؟ إذاً، الكل يدرك ماذا نفعل ولسنا مضطرين للدعاية ولتسويق إنجازاتنا وتمنين الشعب. فأنا مدير عام مؤسسة هي في خدمة الجميع وتسعى إلى كسب ثقة الناس ليصبحوا شركاء معها بهدف الوصول إلى مجتمع أكثر أماناً".

الإستثمار بالأمن

فرض الأمن هو الهدف والأولوية. مبدأ يقّرّ به الجميع، لكن قد تختلف وجهات النظر بين من ينادي بفرض الأمن أولاً لتفعيل الإقتصاد وبين من يعتبر أن الأمن غير منتج ومكلف وعلينا تفعيل اقتصادنا بالدرجة الأولى. "إنه جدل بيزنطي" في نظر اللواء عثمان الذي يؤكد "أن الأمن أساس، إذ لا حياة سياسية سليمة ولا اقتصاد ناجحاً ولا سياحة مزدهرة ولا ثقة بالإستثمار ما لم يكن الإستقرار الأمني متوفراً"، وهو يرى أن الإستثمار في الأمن رابح بدليل أن جزءاً كبيراً من ميزانيات الدول الكبرى مخصصٌ للأمن. 

وعن رأيه بالوضع الأمني في لبنان في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها المنطقة يقول: "لا شك أن الهاجس الأمني موجود في كل دول العالم، ولا شك أيضاً أن لبنان يقع في منطقة تعيش منذ سنوات في ما يشبه البركان الذي قد تبلغ شراراته وطننا، لكن أجهزتنا الأمنية بذلت جهوداً جبارة لمنع وصول هذه الشرارات إلينا ومنع الإرهاب من التغلغل في أرضنا. وبالنسبة إلى غيرنا في المنطقة قدّمنا نموذجاً ناجحاً في الأمن، ونجحنا وبخاصة شعبة المعلومات في كشف أسرار أصعب الجرائم وتوقيف مرتكبيها والقيام بالعديد من العمليات الإستباقية التي نفذناها بالتنسيق مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى وأسفرت عن تفكيك الخلايا النائمة وخلايا التجسس وتوقيف العديد من الإرهابيين".

للمجرم: لن تفلت

في المقابل، لا أحد ينكر الخشية من ارتدادات الإرهاب في الداخل بعد الإنتصار عليه في الجرود. فهل القلق مشروع؟ يجيب عثمان: "لا نحب أن نرعب الناس، ولذلك كنت دائماً أقول إن ليس من الضروري ، كلما كشفنا مخططاً لعملية إرهابية، أن نعلن عن الأمر. ثمة الكثير من المخططات التي كشفناها ولم نفصح عنها ، منها أن داعشي كان ينوي الدخول إلى أحد المساجد ورمي قنبلتين على المصلّين، فأحبطنا العملية قبل تنفيذها"، وإذ يؤكد أن قوى الأمن قادرة وهي في حالة متابعة متواصلة، إلا أن هذا لا يعني أن نستكين بل علينا أن نبقى متيقظين وحذرين. أما عن الوضع الأمني ككل فيقول إنه ممتاز مشيراً إلى الأداء الإستثنائي لقوى الأمن التي أمّنت حماية نحو 40 مهرجاناً نُظموا خلال هذا الصيف. وكشف أن البعض جاء يسأله عن الوضع الأمني قبل أن يقرر تنظيم المهرجان فكان جوابه : "لا تخافوا فالأمن مستتب"، رغم انه كانت لديه هواجس. وعن سبب مخاطرته بهذا الأمر يقول: "هذا أكبر تحدٍ للمجرم وللإرهابي الذي أردنا أن نقول له إننا لا نهابك، لن تقدر أن تسلب منا الفرح والحياة وقادرون أن نصل إليك أينما كنت ولن تفلت منا".

صراع أم تنسيق؟

الكلام عن كشف العمليات الإرهابية يقود إلى التساؤل عن صحة ما يُقال عن غياب التنسيق أو "الصراع" بين الأجهزة الأمنية. ينفي اللواء عثمان وجود أي صراع بين الأجهزة الأمنية بدليل "حصول أكثر من عملية مشتركة بين الأجهزة مثل عملية الكوستا التي تمّ التنسيق فيها مع مخابرات الجيش، وعملية نابوليون التي نُسّقت مع الأمن العام»، ولكن هذا التنسيق برأيه لا يلغي روح المنافسة ولكن الإيجابية الشريفة والتي تشكل حافزاً للعمل الأفضل، وهي موجودة  بين الأجهزة المختلفة في كل دول العالم. ويضيف أن "لا سلبية في عملنا كأجهزة وإذا كانت هناك من سلبية فهي في عقول بعض الذين لديهم مآرب خبيثة".

ولكن لماذا هناك انطباع لدى البعض بأن ثمة محاولات لاستهداف دور المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وتحديداً شعبة المعلومات، وهل ثمة خلفيات سياسية؟ بنبرة الواثق يردّ اللواء قائلاً: فليتكلّموا ويقولوا ما يشاؤون، نحن لا نتأثر وواثقون جداً من عملنا ومن قدراتنا التي تجعلنا مرتاحين على وضعنا. لقد اشتغلنا على أنفسنا وبتنا أقوياء بما يكفي لدحض كل المزاعم، ولذلك لا تعنينا الآراء الموجّهة ولا نتوقف عندها". ويؤكد أن ما يهمه هو آراء الناس الذين يحترمون قوى الأمن وشعبة المعلومات ويقدّرون جهودها في الحفاظ على حياتهم وحقوقهم، وبالتالي "كل الإتهامات الباطلة لا قيمة لها أمام ثقة الناس بنا".

حذار اللعب معنا

في أي حال، إن الثقة التي حصدتها قوى الأمن ترتّب على رجالاتها مسؤوليات كبيرة إذ عليهم الحفاظ على مستوى المؤسسة بل التقدّم إلى الأمام عبر تطوير أساليب العمل. وهذا ما يفعلونه بعد أن تم ّ تغيير كل أساليب العمل القديمة واستبدالها بوسائل حديثة تواكب تطور الجرائم ومخططات الشبكات الإرهابية. وإذا كان اللواء عثمان يرفض الحديث عن الطريقة والأساليب التي يتبعونها في عملهم لاعتبارات أمنية، إلا أنه يؤكد أنهم باتوا على مستوى من القدرة والقوة يخوّلهم كشف الجرائم بأسرع وقت ممكن، ما يشكل رادعاً للمجرم. وبصراحة تامة حذّر من أن "أي شخص يشهر سلاحه في وجه قوى الأمن الداخلي سيُعامل بالمثل وهذا قد يؤدي إلى مقتله. فنحن متدرّبون كفاية بأن لا نُصاب إن شاء الله وبالتالي على كل مرتكب أن يضع في باله احتمال أنه سيموت".

لا للتدخل السياسي

الأمن هو فكرة وهو عملية كاملة متكاملة يعكس وضع البلد. هذا ما قالـــه عثمان عندمـــا سألناه إذا كان مطمئنــــاً للبيئة الأمنية وإذا كان القرار السياسي يؤثــــر على الوضــــع الأمنــــي. ويوضــــح بأنهــــم فــــي المؤسسة يعملون لمصلحة البــــلد بعيداً من كل تدخل سياسي ويضيف: "السياسة لا تدخل بالشؤون الأمنية بشكل كبير رغم بعض الإستثناءات، لكن في كل الأحوال لا يتدخل السياسيون معنا بالتفاصيل، فصحيح نحن مسؤولون أمامهم كسلطة تنفيذية وعلينا تزويدهم بالتقارير التي بحوزتنا إلا أن ما يهمهم هو النتيجة التي نعطيها وإنجازاتنا. أكثر من ذلك، هناك قانون واضح لمؤسسة قوى الأمن الداخلي رقمه 17، إذ يحدّد المهام التي تغطي كل الأراضي اللبنانية والأجواء والمياه الإقليمية"، ويشير إلى وجود ضابطة إدارية تتعلق بحفظ الأمن والنظام وحماية الممتلكات العامة والخاصة ضمن إطار القانون، في حين أن الضابطة العدلية تتعلق بالجريمة، بحيث ينتقل تعاوننا من السلطة التنفيذية إلى السلطة القضائية إنسجاماً مع مبدأ فصل السلطات، ولذلك، لا يمكننا القيام بأي تحقيق أو توقيف قبل الحصول على إشارة قضائية من المدّعي العام.

معضلة السجون

ولمناسبة الكلام عن التوقيفات، كان لا بدّ من التطرق إلى أوضاع السجون ومشكلة الإكتظاظ الذي تعاني منه. وفي هذا المجال يكشف المدير العام أن المؤسسة وحدها أوقفت خلال العام الحالي أكثر من 19 ألف شخص، لكنهم ليسوا كلهم في السجون اليوم . أما عدد السجناء لدى قوى الأمن فيبلغ حالياً نحو 6500 شخص وهو رقم كبير قياساً الى السجون في لبنان والى أوضاعها الصعبة وحتى النظارات تعاني أيضاً من الإكتظاظ، من هنا تحاول القوى الأمنية تحسين ظروف التوقيف في شتى الوسائل وقدر المستطاع للحفاظ على كرامة السجين وحقوقه. وقد اتصل عثمان بالنيابة العامة التمييزية وأخذ موافقتها على تركيب مكيفات في النظارات الموجودة في المدن والتي تعاني من الحرّ الشديد. أما حل معضلة السجون ككل فيتطلّب، كما يقول، تمويلاً غير متوافر اليوم في الدولة المحدودة الإمكانات. 

فليحاسبوني أنا

إذا كانت السياسة بعيدة عن الأجهزة الأمنية، كيف يفسر مدير عام قوى الأمن الداخلي حجب وزارة المال المخصصات السرية عن شعبة الملومات، ما يؤثر سلباً على معنويات عناصرها وضباطها وعملهم، علماً أن هذا الإجراء جاء بمثابة الردّ على قرار عثمان ببعض التعيينات وتحديداً تعيين الرائد ربيع فقيه رئيساً لفرع الأمن العسكري والعقيد سكيني قائداً لمنطقة الشمال.؟ يوضح اللواء بأن "المخصصات المذكورة هي حق للمؤسسة. وقد قالها رئيس الجمهورية عندما زارنا مشكوراً في المديرية بأن لا تدخل للسياسة بالأجهزة الأمنية، أما إذا كانت هناك خلفية سياسية وراء هذا القرار، فأنا مدير هذه المؤسسة وليحاسبوني أنا لا المؤسسة"، وهو لا يرى في حجب المخصصات استهدافاً بقدر ما هو قرار متّخذ من أحد الوزراء بعدم التوقيع ، بمعنى أنه بمثابة ضغط أكثر مما هو استهداف". أما سبب هذا الضغط "فلإجباري على تغيير قراري بشأن التشكيلات الأخيرة في المؤسسة".

وإذ يؤكد انه يعمل بمنطق الدولة ولا يمارس إلا حقه ضمن الصلاحيات الممنوحة له وفق القانون، يوضح أن" كل ما فعلته هو أنني اتّخذت قراراً أراه مناسباً قضى بفصل أحد الضباط من مكان إلى آخر وتم تثبيته في مجلس القيادة المؤلف من 11 ضابطاً وأنا منهم. وما يحصل اليوم هو تمديد لهذا الفصل لأننا اتفقنا على أن لا نصدر قرار النقل إلا بالتوافق".

العسكري-الإنساني

الوجه العسكري من اللواء عثمان لا يلغي الجانب الإنساني فيه، هو يعترف بأن جريمة مقتل الشاب روي حاموش مثلاً هزّته، لأن شخصاً متهوراً وعديم الأخلاق عصّب فأعدم من دون سبب شاباً بريئاً كان يخطط  لمستقبله الذي يحلم فيه. ويروي اللواء: "يومها لم أنم الليل ورحت أتخيّل لو كان ابني مكان هذا الشاب المغدور، ماذا كنت لأفعل؟ هذا الحسّ الإنساني والعاطفي لدى اللواء لا يعني إطلاقاً أنه "ليّن" أمام الحق، فلا أحد ولا شيء يؤثر في قراره الحازم والحاسم متى تعلق الأمر بفرض هيبة الدولة والقانون". 

أحسد البعض

لا شك أن تضحيات رجال الأمن كبيرة وقد تنعكس على حياتهم الشخصية والإجتماعية وتحجز حريتهم على غرار اللواء عثمان كغيره ممّن سبقوه. إلى أي مدى يمكنه أن يصمد حيال تقييد تحركاته؟ يشرح عثمان أنه خلال توليه قيادة شعبة المعلومات العام 2012 كان أكثر حرية من اليوم، لكنها حرية غير كافية. أما اليوم وبعد ترؤسه المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، فأصبح شخصاً مقيّداً وشبه محروم من الحياة الشخصية والإجتماعية."أحياناً أحسد الذين يخرجون للعشاء مع عائلاتهم مثلاً أو الذين يمشون على الطريق كما يشاؤون. ولا أتمنى لأحد أن يعيش بالأسلوب الذي أعيش فيه أنا".  ويعترف اللواء بأن نمط حياته مزعج وصعب لأن أي هروب من الحماية الأمنية أو أية ثغرة قد تؤدي إلى مقتل صاحبها، وأعطى مثالاً عن اللواء الشهيد وسام الحسن الذي "كان يمكن أن يتخّذ تدابير أمنية تحميه بالكامل ولكن الذي حافظ على أمن الناس تراخى في أمنه الشخصي مع الأسف، فكان ما كان عندما اصطاده الإرهاب". ويتابع عثمان: "كنت أتساءل دائماً لماذا أهمل اللواء الحسن أمنه؟ وكنت أعاتبه في قرارة نفسي، لكنني أعترف بأنني اكتشفت بعد سنة واحدة  أنه لا يُلام وكنت سأفعل مثله لو كنت مكانه، إذ لا يمكن للإنسان أن يبقى مقيّد الحركة على مدى الأربع والعشرين ساعة".

محطات يرسمها القدّر

يرى اللواء عثمان أن أبرز محطة في تجربته والتي شكلت مفصلاً في حياته كانت وجوده مع فريق حماية الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكان مسؤوله المباشر اللواء وسام الحسن: "رافقت الرئيس الشهيد نحو 13 عاماً وكان يزداد إعجابي به كلما اقترب منه وكنت مؤمناً بأن البلد سيعمر ويزدهر بوجوده وسينتقل إلى مرحلة مضيئة، لذلك أنا أفتخر بأنني عرفت يوماً رفيق الحريري وبأنه يعرفني". أما عن شعوره بفقدان شخصيتين مميزتين عاش معهما سنوات طويلة قبل أن ينتقلا إلى مرتبة الشهادة فقال "إن الأمر مؤلم وصعب بلا شك".

يروي أنه حتى العام 2012 لم يكن يخطر في باله أن يكون على رأس مؤسسة قوى الأمن الداخلي باعتبار أن من يستحق هذا المركز هو اللواء الحسن الذي أخذ على عاتقه مسؤولية حفظ  أمن البلد ودرء الأخطار التي تهدده. "فلم أكن أرى سواه مديراً عاماً، بل ما كان يجب أن يجلس على هذا الكرسي إلا اللواء الشهيد".

ولكن بعد 2012 وعلى أثر اغتيال اللواء الحسن، حلّ اللواء عثمان مكانه رئيساً لشعبة المعلومات. ولكن لماذا أنت بالذات؟ سؤال وجهناه للواء عثمان فردّ: "ذات يوم سألت وسام الحسن أين سأصبح في حال تمّ تعيينك مديراً عاماً للمؤسسة فأجابني: أنت من سيأخذ مكاني في شعبة المعلومات. لذلك وبعد استشهاده لم أتردّد لحظة في تحقيق رغبته وبات لزاماً علينا إكمال مسيرته والسير على خطاه". أما متى يشعر أنه تمّ "رد إعتبار" الشهداء؟ فعندما تنجلي الحقيقة ويُوضع المجرمون في السجن، قال.

النشأة والتجربة

هل عماد عثمان رجلٌ أمني بالفطرة أم بالصدفة أم هي الظروف التي شاءت ذلك؟ يجيب أنه "منذ صغره كان يحب الحياة العسكرية علماً أن لا أحد من عائلته ينتمي إلى العسكر، لم أفكر بالموضوع مباشرةً وجدياً إلا بعد الإنتهاء من صفوفي المدرسية فدخلت مباشرةً إلى مؤسسة قوى الأمن الداخلي بعمر الـ 18 سنة، وقد يكون للأهل بعض التأثير على خياري باعتبار أن والدي كان يلبسني بزةً  شبه عسكرية خلال الحرب الأهلية". لا ينكر انه كان دائم التفكير في تحقيق أمر مهم في حياته، وها قد وصل إلى المركز الذي يمكن أن يحقق عبره أموراً مهمة للمؤسسة والوطن، شاكراً الجميع ومجلس الوزراء على ثقتهم.

ولكن ما العبرة التي يأخذها من وصول إبن بلدة الزعرورية إلى واحد من أعلى المناصب الأمنية في البلد؟ هو يعتبر "أن سرّ نجاح الشخص يكمن في ممارسة عمله بضمير"، لا ينكر أن كثيرين في المؤسسة يستحقون المركز الأول، لكن الظروف شاءت ذلك وكانت الفرصة.

الحلم

أحلام اللواء عثمان كلها مرتبطة بالوطن حتى الشخصي منها ويقول: «على الصعيد الشخصي أحلم في أن أجعل المؤسسة أكثر تطوراً وأن أترك بصمة في هذا المجال». أما حلمه الأكبر فهو أن يرى لبنان أكثر أمناً واستقراراً على كل المستويات وأن يعيش اللبناني براحة بال وبساطة فالخلافات ليست بين أبناء الشعب بل بين بعض السياسيين والقيادات، وفي النهاية "ما في شي بيحرز"على حدّ تعبيره.