مع انتشار النطاق الترددي العريض لشبكات الهاتف المحمول وتوسيع نطاق إمكانياتها في كافة أرجاء العالم، يتشوق الناس لمعرفة كيف ستبدو عليه الحياة عند بلوغ الترابط الرقمي الكامل، سيما وأن اتصال الأجهزة فيما بينها واتصال الأجهزة والبشر بلغ مرحلة جديدة من النضج مع مرور خمسة أعوام على إطلاق شبكات اتصالات الجيل الخامس والانتقال خلال العام الحالي للمرحلة التالية منها وهي شبكات الجيل الخامس المتقدم والتي تسمى أيضاً "شبكات الجيل الخامس والنصف".
في الواقع، باتت شبكات الجيل الخامس والجيل الخامس المتقدم حقيقة واقعة في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط، في مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي. وما تزال فرص الاستفادة من ميزاتها واسعة وغير متناهية. واستناداً إلى التجارب الناجحة لأمن شبكات الجيل الرابع، بات جلياً أن التعامل مع تحديات أمن شبكات الجيل الخامس والخامس والنصف المتسارعة النمو والتي تحمل في طياتها آفاقاً واسعة للرقمنة الذكية مرهون بتضافر جهود المعنيين بمستقبل قطاع الاتصالات من هيئات تنظيمية ومنظمات دولية ومشغلين وموردين للمنتجات والحلول والمتخصصين التقنيين من سائر القطاعات الأخرى.
يعمل قطاع تقنية المعلومات والاتصالات على مواجهة المخاطر والتحديات الأمنية المترتبة على استخدام بنى وتقنيات وخدمات الجيل الخامس، وذلك من خلال تبني معايير أمنية موحدة، ومفاهيم أمنية مشتركة، وإطار عمل أمني متفق عليه لشبكات الجيل الخامس. ويتطلب تقارب قطاع الاتصالات مع القطاعات الأخرى، مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل وغيرها، اتباع نهج شامل لتطوير السياسات والأطر التنظيمية والشراكات الكفيلة بخدمة مستقبل قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات وتوسعة إمكانيات دعمة لخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية عموماً. ويتعين على الهيئات التنظيمية تعزيز التعاون بين القطاعات وخلق بيئة مواتية لتطوير حلول رقمية مبتكرة تعالج التحديات المجتمعية. ويستدعي ذلك بطبيعة الحال توافر إطار تنظيمي مرن يستشرف التوجهات المستقبلية، ويشجع على التجريب، ويعزز قابلية التشغيل البيني، ويحمي حقوق المستهلكين.
MWC شنغهاي:
المستقبل أولا
خلال المؤتمر العالمي للجوال شنغهاي 2024 الذي اختتم جدول فعالياته مؤخراً وتم تنظيمه تحت شعار "المستقبل أولاً"، وجمع تحت مظلته حشداً عالمياً غفيراً من خبراء قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات للبحث في سبل تحقيق إمكانات مستقبل القطاع. وتضمن الحدث انعقاد "منتدى سياسات وحوكمة تقنية المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط" تحت عنوان "تحفيز التعاون في مجال السياسات والمعايير ودعم الابتكارات لمستقبلنا الرقمي"، والذي سلط الضوء على ضرورة تعاون الهيئات التنظيمية وأصحاب المصلحة في المنطقة لحفز اعتماد المعايير الدولية للأمن السيبراني للشبكات وأفضل ممارساتها.
وحرصت نقاشات المنتدى بين صانعي قرار قطاع الاتصالات وخبرائه ومتخصصيه في منطقة الشرق الأوسط على إعطاء أولوية لتبني تطبيق المعايير الدولية المثبت جدارتها واتباع تجارب أفضل الممارسات في مجال أمن الشبكات، سيما خلال المرحلة الحالية من زمن الجيل الخامس والخامس والنصف التي تتسارع فيها مسيرة الرقمنة وبالتالي من الممكن زيادة وتيرة المخاطر والتحديات.
وبحسب جون هوفمان، الرئيس التنفيذي للجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (GSMA): "يوفر المؤتمر العالمي للجوال شنغهاي 2024 فرصة ذهبية للقاء صانعي قرار قطاع الاتصالات والمبتكرين، والمبدعين، وصناع السياسات والهيئات التنظيمية وقادة الشركات العامة والخاصة التي تشكل النظام الإيكولوجي للاتصالات من أجل دفع عجلة التغيير الإيجابي، واستعراض أحدث المنتجات والحلول والخدمات التي تستهدف رفع كفاءة الشبكات وضمان تشغيلها وفق أفضل المعايير والتجارب".
الامتثال للوائح
الأمن الوطنية
ناقش المنتدى سبل ضمان امتثال العمليات التشغيلية لشبكات الجيل الخامس للوائح الأمنية الوطنية، بما في ذلك اقتراحات الهيئات التنظيمية بشأن تطوير القوانين واللوائح وتطبيق السياسات التنظيمية. وتباحث كبار المسؤولين والخبراء من الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول، والهيئات التنظيمية، والمشغلين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى، بحضور الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتنفيذيين وخبراء من شركة هواوي في سياسات القطاع، وممارساته الناجحة، وتبادلوا رؤى قيمة حول توجهاته الرئيسية مع التركيز بصورة خاصة على تبني المعايير الدولية للأمن السيبراني. كما ناقش المنتدى كذلك أهمية التخطيط لسياسات الطيف الترددي ومستقبل التعامل مع البيانات، وسبل قيام شركات الاتصالات والمؤسسات والهيئات الرقابية والتنظيمية بتعزيز قدرات أمن الاتصالات المحمولة على وجه الخصوص وتوجيه استراتيجيات إدارة المخاطر.
وانعقد المنتدى بهدف تعزيز اعتماد نظام ضمان أمن معدات الشبكة (NESAS) وقاعدة معارف الأمن السيبراني لشبكات الهاتف المحمول (MCKB)، والتي تهدف إلى مواجهة تحديات الأمن السيبراني المتزايدة التي يواجها قطاع الاتصالات. فمع تنامي أهمية الخدمات الرقمية في حياتنا اليومية وشركاتنا، بات ضمان أمن الشبكات ومرونتها يشكّل أولوية قصوى لصانعي السياسات والهيئات التنظيمية وأصحاب المصلحة في القطاع.
أهمية تعزيز التعاون
وأكد خبراء القطاع على ضرورة اتباع نهج يشمل كافة المعنيين بمجال الأمن السيبراني، وينطوي على تعاون وثيق بين الحكومات والهيئات التنظيمية والمشغلين والموردين وغيرهم من الجهات الرئيسية الفاعلة في مشهد مستقبل قطاع الاتصالات والجيل الخامس والجيل الخامس المتقدم التي يشهد العام الحالي 2024بدء النشر التجاري لشبكاته. وأجمع المشاركون على هذا النهج الذي يتبنى يقر بعدم قدرة أي جهة أو كيان بمفرده على مواجهة التحديات المعقدة للأمن السيبراني، وبالتالي لا بد من تضافر جهود جميع أصحاب المصلحة لإنشاء بنية تحتية رقمية مرنة وآمنة والتوافق حول معاييرها ومقاييسها. وأكد قادة القطاع كذلك على أهمية التعاون وتبادل المعرفة والخبرات لمواجهة التحديات المعقدة لأمن شبكات الجيل الخامس، حيث ترسي شركة هواوي نموذجاً يحتذى به في هذا المجال لكيفية عمل شركات القطاع الخاص الموردة لمنتجات وحلول وخدمات الاتصالات مع الهيئات التنظيمية ومختلف شركاء القطاع لتطوير وتطبيق معايير أمنية قوية تخدم مصالح الجميع، وتعتمد أفضل الممارسات المثبت فاعليتها.
وقال جواد عباسي، رئيس الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي أدار مناقشات المنتدى: "تحرص الجمعية على استكشاف جميع الاعتبارات الأمنية بما في ذلك أمن التصميم، ونماذج طرح شبكات الجيل الخامس، والأنشطة الأمنية. وتلعب الممارسات والسياسات الأمنية الجيدة لموردي القطاع دوراً بالغ الأهمية في هذا السياق. كما يتعين على النظام الإيكولوجي لشبكات الهواتف المحمولة المساهمة في تحسين سياسات ومخرجات الطيف الترددي، ودفع عجلة الابتكار الرقمي لضمان تكافؤ الفرص في عالمنا ومعالجة التحديات المجتمعية الراهنة".
في عام 2020، كانت معدات هواوي لشبكات الجيل الخامس اللاسلكية والأساسية أول معدات تجتاز نظام ضمان أمن معدات الشبكة (NESAS) المقترحة من الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول. وتتجنب عملية التقييم المتكاملة التقييمات المنفردة والتكاليف الناتجة عنها مع تحسين شفافية مستويات الحماية الأمنية في القطاع من خلال تحقيق نتائج ملموسة قابلة للقياس. ويغطي نظام ضمان أمن معدات الشبكة 20 فئة تقييم، كما يحدد متطلبات أمنية واضحة وإطار عمل تقييمياً لتطوير منتجات الجيل الخامس وعملياتها على امتداد دورة حياتها. علاوةً على ذلك، يستخدم هذا النظام حالات اختبار الأمان التي حددها مشروع شراكة الجيل الثالث لتقييم أمن معدات الشبكة.
الأمن السيبراني "رياضة" جماعية
وأكد الدكتور ألويسيوس تشيانغ، كبير مسؤولي الأمن السيبراني لدى هواوي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، اتخاذ الشركة نهجًا استباقيًا لتوحيد معايير الأمن السيبراني للاتصالات، وقال: "الأمن السيبراني هو رياضة جماعية، وبالتعاون مع الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول وتبني معاييرهم المثبت فاعليتها، مثل نظام ضمان أمن معدات الشبكة (NESAS) وقاعدة معارف الأمن السيبراني لشبكات الهاتف المحمول (MCKB)، يمكننا ترسيخ أسس أمان شبكات النطاق العريض والجيل الخامس والجيل الخامس المتقدم."
ويعد فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي (OIC-CERT) أحد الجهات الرئيسية الفاعلة في إرساء المعايير الأمنية لشبكات الجيل الخامس. وفي عام 2023، أعلن فريق عمل أمن الجيل الخامس للجمعية العامة لفريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي (OIC-CERT) عن إطلاق نظام منسق وموحد لشهادات الأمن السيبراني يكون بمثابة الجزء الثالث من إطار عمل أمن الجيل الخامس للفريق. ويهدف هذا النظام إلى توفير آلية مصادقة مشتركة بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لمخرجات الأمن السيبراني التي تعتمدها تلك الدول في تنظيم شبكات وخدمات الجيل الخامس.
نحو إرساء معايير موحدة
وكانت هواوي أول لاعب عالمي في مجال تقنية المعلومات والاتصالات ينضم إلى فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي (OIC-CERT)، والتي تعد حالياً ثالث أكبر منظمة في العالم في مجال الاستجابة للطوارئ الحاسوبية.
وفي يناير 2024، وضع أعضاء فريق منظمة التعاون الإسلامي للاستجابة للطوارئ الحاسوبية المشاركون اللمسات الأخيرة على خطط العمل والمبادرات، مثل مجموعة عمل حلول الجيل الخامس، ومجموعة عمل الأمن السحابي، وأمن الجيل الخامس، وإطار عمل الأمن السحابي. كما تمت مناقشة إنشاء مجموعة عمل محتملة جديدة لأمن الذكاء الاصطناعي وأمن سلسلة التوريد.
خلاصة الأمر، لا بد من إرساء معايير موحدة وموثوقة ومرنة وقابلة للتطور باستمرار - مثل نظام ضمان أمن معدات الشبكة (NESAS) الذي تم تطويره بالتعاون بين قبل الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (GSMA) ومشروع شراكة الجيل الثالث (3GPP) - لتقييم الأمن السيبراني لشبكات الجيل الخامس. ويتعين على مختلف شرائح المعنيين بقطاع الاتصالات توظيف خبراتهم للتعاون على بناء منظومة أمنية تضمن التحسين المتواصل لأمن هذه الشبكات واستمرار السيطرة على مخاطرها الأمنية وضمان خصوصية المستخدم وسرية البيانات في ظل التسارع الكبير للتحول الرقمي وانتقاله لمرحلة جديدة من الرقمنة الذكية في زمن شبكات الجيل الخامس والخامس والنصف.