السياسة النقدية المصرية:
ضرورة العودة الى الأساسيات

18.08.2022
طارق عامر
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

القاهرة 12/8/2022

جاءت الضغوط الاقتصادية التي تمرّ بها مصر لتسلّط الضوء على توجهات السياسة النقدية في ظل الأولويات التي اعتمدها البنك المركزي، والتشدد في حماية العملة المحلية عبر إجراءات عدة لتقييد استخدام العملات الأجنبية والعمل على تقليص الواردات في توجه من شأنه أن يؤثر على مناخ الاستثمار وبيئة الاعمال بصفة عامة.

وقد ترافق هذا الواقع، مع توجّه وزارة المالية نحو التركيز على ضبط العجز في الميزانية العامة كأولوية أساسية على حساب اعتماد سياسة مالية شاملة تأخذ في الاعتبار أهمية الانفاق الرأسمالي وتعزيز الحوافز الاستثمارية وغيرهما. 

حماية "إصطناعية" للجنيه

 خلصت تقارير متخصصة في الآونة الأخيرة إلى المطالبة بضرورة خفض الجنيه المصري مقابل الدولار ما بين 5 و23 في المئة، ضمن خطوات الإصلاح الاقتصادي المطلوبة في ضوء شروط صندوق النقد الدولي لإقرار حزمة جديدة من القروض لمصر.

يأتي ذلك، في وقت ترى أوساط متابعة بأن السياسة النقدية للبنك المركزي المصري بالغت في حماية الجنيه على حساب أولويات أخرى، كما إن السير قدماً في هذا الهدف الاستراتيجي وتعميق مفهوم حماية العملة المحلية باعتبارها "هرماً رابعاً"، أتيا على حساب اعتماد سلسلة إجراءات من بينها العمل على زيادة المعروض من الدولار في السوق لمواجهة الطلب المرتفع، وذلك عبر السحب من حساب الاحتياطي، الممول في الأساس من الاقتراض، وهذا التوجه من شأنه أن يدفع مصر الى المزيد من الاقتراض بهدف المحافظة على مستويات محددة من الاحتياطات من النقد الأجنبي.

تقييد استخدام النقد الأجنبي

وفي مقابل الإصرار على حماية الجنيه، وعدم ترك تحديد قيمته للعرض والطلب في السوق، وجد البنك المركزي نفسه مضطراً للسير قدماً في إجراءات هدفت إلى تقييد استخدام النقد الأجنبي من خلال التركيز على تقليص الواردات.

وبدا أن المركزي يلقي باللوم على الخصخصة كخيار اقتصادي وكسبب رئيسي في التوسع  الحاصل في بند الواردات، في حين أن ارتفاع قيمتها يعود، بالدرجة الأولى، إلى عدم حصول تغيير هيكلي في الاقتصاد، وبالتالي عدم حصول تغيير جذري في مكونات الناتج المحلي الإجمالي. 

ومن شأن التوجه نحو تقييد الاستيراد، أن يترك تداعيات سلبية كثيرة على الاقتصاد، يأتي في مقدمها انعكاسات على مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال إلى جانب تقييد الحرية الاقتصادية.

وجرى في هذا السياق، اعتماد خطوات مخالفة بطريقة غير مباشرة مبدأ حرية التجارة وتوجهات منظمة التجارة العالمية من بينها:       

- العمل على تقييد الاستيراد من خلال توجهات مشتركة مع وزارة التجارة والصناعة، من خلال أنظمة تحتّم على المستوردين تسجيل طلبات وارداتهم بشكل مسبق، وتقتضي الحصول على موافقة الوزارة والبنك قبل إتمامها.

- منع الاستيراد بغير الاعتمادات المستندية، بحيث إن مستندات التحصيل لم تعد مقبولة، ونتج عن ذلك بالتوازي فرض المزيد من الإجراءات في القطاع المصرفي طالت العلاقة مع المصارف المراسلة، ما جعل هذه الأخيرة تفرض بدورها إجراءات جديدة كرفع التكلفة على التأمين أو غيرها. وساهم ذلك، في رفع كلفة الاستيراد، ما أدى إلى خفض ربحية المستوردين أو اضطرارهم الى رفع الأسعار، كما أثّر ذلك على مرونة تدفق السلع إلى السوق المحلية.

- الطلب من التجار التسجيل في نظام الكتروني وضعته وزارة المالية في المنافذ، يضاف إلى ذلك أن البنك المركزي قيّد الحصول على العملة الأجنبية وأخّر تزويد التجار بالعملات الأجنبية، وانتقل إلى تحديد ماهية السلع الأساسية وتلك الكمالية ما جعله يتحول إلى وصي على المجتمع والاقتصاد.

ومن شأن هذه الإجراءات أن تؤثر على مناخ الاستثمار وتوظيف واستقطاب المزيد من الاستثمارات وتوفير فرص العمل وغيرها، خصوصاً وأن الواردات تشمل في معظمها سلعاً أساسية مرتبطة بكافة القطاعات الأساسية.

استخدام الفائدة في الدعم  

أما التوجه الآخر الذي شكّل عبئاً على السياسة النقدية، فتمثل في العمل على استخدام الفائدة المخفضة لمواكبة التوجهات الحكومية في دعم بعض القطاعات كمحرك للاقتصاد، في حين أن مثل هذا الدور منوط بالسياسات الحكومية والوزارات المعنية. وجرى استخدام فوائد مخفّضة في دعم قطاعات المشاريع الصغيرة والمتوسطة وبرامج دعم وتمويل للأطباء وغيرها من الشرائح. وقد تركت برامج الدعم تلك، أثراً واضحاً على نتائج بعض المصارف. وتشير المعلومات إلى أن صندوق النقد الدولي طلب صراحة من البنك المركزي خلال المشاورات بينهما أن يجري التخلي عن هذا التوجه.

وفي سياق توجه استخدام الفائدة في الدعم، كشف محافظ البنك المركزي طارق عامر أن نحو 20 مليون مواطن من الفقراء في مصر، يعتمدون على عوائد مدخراتهم في المصارف. هذا الواقع يقود إلى استنتاجين: الأول، أن البنك المركزي، وضع نفسه مرة أخرى في موقع اعتماد سياسات نقدية لدعم شريحة معينة، وهو ما يخرج عن إطار السياسة النقدية البحتة. الثاني، أن مثل هذا التوجه يفاضل به المركزي شريحة على حساب الشرائح الاجتماعية الأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن النسب المرتفعة على الفوائد ترتب أعباء إضافية على مستوى العجز، إذ تشير المعلومات إلى أن كل 1 في المئة إضافية على سعر الفائدة، يرتب عجزاً بنحو 50 مليار جنيه في الميزانية.