مشروع الـ Open RAN الأميركي:
رهان على سراب؟

22.03.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إياد ديراني
احتلت فكرة "شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة" أو ما يُعرف باسم Open RAN مركزا على لائحة اهتمامات مشغلي شبكات الاتصالات في المنطقة، منذ أن بدأت الولايات المتحدة بتسويق هذه المبادرة الساعية لفرض برنامج دولي  أحادي في عالم تشغيل شبكات الاتصالات النقالة خصوصا في جيلها الخامس. وللتوضيح، فإن محاولة الولايات المتحدة فرض نظام جديد في هذا المجال، هدفه الأساسي كسب موطأ قدم لها في التقدم الحاصل على صعيد نشر شبكات الجيل الخامس حول العالم بعيداً عن الشركات الصينية. ومن المعروف أن هواوي تقود قطاع الاتصالات عالميا في عملية نشر الشبكات الجديدة، نتيجة تقدمها الكبير في مسارين، الأول هو الابتكارات وبراءات الاختراع الخاصة بالشبكات الجديدة والثاني هو النشر الفعلي لهذه الشبكات حول العالم. ولهذا ركز المتابعون على احتمال دخول هذه المبادرة في مسار سيؤدي حُكما إلى انقسامات عالمية في قطاع الاتصالات. لكن يبقى السؤال الأساسي هنا: هل راهنت الولايات المتحدة على السراب في طرح واجه معارضة داخل الولايات المتحدة أكثر مما واجه خارجها؟  
السياق الذي أوصل أسواق الاتصالات ومنها أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمناقشة حظوظ الـ Open RAN، بدأ لدى وكالة الاتصالات والمعلوماتية القومية (NTIA) التابعة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. لقد تعاونت هذه الوكالة مع مجموعة من السياسيين والمشرّعين والشركات وجماعات الضغط في الولايات المتحدة للدفع باتجاه فرض معايير دولية جديدة في قطاع الاتصالات النقالة، يشمل الجيلين الرابع والخامس. بعد ذلك قامت مجموعة من الشركات الأميركية ومعها بعض الشركات الأوروبية بتشكيل ما يُعرف باسم "تحالف سياسة الشبكات المفتوحة" لكن، هل تحمل مبادرة شبكات الاتصال اللاسلكي المفتوحة في طياتها فعلياً معايير جديدة لصناعة شبكات الاتصالات حول العالم؟. 
 

النقاش يصل 

إلى الشرق الأوسط 

النقاش وصل إلى الشرق الأوسط في الفترة الماضية، حيث يشهد سوق الاتصالات ازدهاراً كبيراً بفضل إطلاق شبكات الجيل الخامس ومشاريع التحوّل الرقمي التي تنفذها دول المنطقة من أجل تعزيز قدراتها الاقتصادية والتنافسية. وفي سياق النقاشات الدائرة خصوصا لدى صانعي القرار في وزارات الاتصالات والهيئات الناظمة لقطاع الاتصالات حول التنمية الاقتصادية المستندة إلى التحوّل الرقمي والشبكات الحديثة، تم طرح العديد من التساؤلات عن تصميم شبكات الجيل الخامس. ولاحقا بدأ النقاش يصل إلى مبادرة شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة. 
ردة الفعل الأولى في المنطقة وخصوصا بلدان الخليج العربي حيث تُسجّل شبكات الاتصالات النقالة تقدما متواصلا، تمثّلت بفتح النقاش حول المبادرة الأميركية. وأعلن سبعة مشغلون انضمامهم للبرنامج الخاص بالمبادرة الأميركية مؤخراً. 
ومن الواضح أن المراقبون ومعهم مشغلو شبكات الاتصالات، يرون أن المبادرة الأميركية ليست مناسبة لضمان التشغيل المشترك للحلول التي يوفرها الموردون ضمن نموذج الوصول اللاسلكي المفتوح. لا بل ثمة إجماع لدى الخبراء، أن تغيير قواعد اللعبة التي يطرحها الأميركيون، لا يعدو كونه تغييرا لقواعد العمل التي أرستها الشركات الأولى في هذا الميدان وتحديدا هواوي، لا أكثر ولا أقل. مايعني بأن المبادرة ليست بمعايير جديدة يمكن تبنيها، بل هي مقترح لآلية جديدة خاصة بتشغيل ونشر الشبكات. بالمقابل يقول خبراء آخرون أن المبادرة تملك حظوظا لأن نشر الشبكات الجديدة لا يزال في بداياته عالميا ولدى الولايات المتحدة فرصة لتغيير قواعد اللعبة. 
 

عقوبات ونمو أعمال

لكن الرئيس التنفيذي لقطاع التكنولوجيا في هواوي بول سكانلان قال حديث مع الاقتصاد والأعمال أُجري الشهر الماضي على هامش معرض MWC في اسبانيا، أن المبادرة الأميركية "فاتها القطار" وأضاف: "أنا أتحدث من وجهة نظري الشخصية، وأستطيع القول إننا بتنا اليوم في مرحلة متقدمة جدا من عملية نشر شبكات الاتصالات خصوصا من جانب هواوي التي تحتل مقعد الريادة في هذا المجال". ويضيف سكانلان "أن العديد من الأطراف ستُجري تجارب في هذا المجال لكن الأمور غير محسومة". ويشرح خلفية هذه القضية، فيقول: "لقد جربت الولايات المتحدة عرقلة هواوي. لكن عندما تدفع الدب إلى الزاوية عليك أن تتوقع ردة فعله..  فرغم فرض الولايات المتحدة العقوبات على هواوي، لا تزال أعمالنا في مجال الجيل الخامس تعيش حالة ازدهار ونمو". 
ومن خلال اللقاءات التي أجرتها الاقتصاد والأعمال على هامش MWC، تبيّن أن الشك في المبادرة الأميركية بات واسعا خصوصا في الشرق الأوسط، وأنه ثمة إجماع في مجتمع خبراء الاتصالات ومشغلي الشبكات، على أنه ليس من مصلحة أحد دخول قطاع الاتصالات العالمي وخصوصا العربي في صراع حول برامج تشغيل الشبكات، التي يجب أن تكون معاييرها موحّدة ومُتفق عليها دوليا.  
ويذهب خبراء أبعد من ذلك، ويؤكدون أن مبادرة شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة" لا يعدو كونها "فكرة" ولم تتم تجربتها ميدانياً كما يجب، فضلا عن أنها وعلى عكس ما يروّج لها الداعمون، قد تحمّل المشغلين مزيداً من التكاليف. لا بل يذهب آخرون أبعد ويعتبرون أن إدارة شبكة معقدة كشبكة الجيل الخامس اعتمادا على حلول من موردين مختلفين، ستكون أكثر تكلفة من الاعتماد على مورد واحد يكون مسؤولا بشكل مباشر عن "صحة" الشبكة. أما المشكلة الأكبر، فقد تكون في ارتفاع هائل في نفقات إدارة الشبكة، إذ تشير تقديرات إلى إمكانية وصولها إلى 80 في المئة من التكلفة الإجمالية للملكية أي ما يزيد بكثير على النفقات الرأسمالية.
 

تشكيك من "أهل البيت"

المبادرة الأميركية الخاصة بشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة، لم تتلق الضربات من المشككين فحسب، بل أيضا من "أهل البيت". فقد نُقل عن مفوض لجنة الاتصالات الفيدرالية السابق في الولايات المتحدة مايكل أوريلي قوله إن شبكات الوصول اللاسلكية المفتوحة قد تؤدي إلى بيئة عمل تقنية "أقل أمانا" خلال الفترة الأولى من اعتمادها. الجدير ذكره هنا أن لجنة الاتصالات الفيدرالية هي راعية للمبادرة، ومن أشد الداعمين لها. ويشير خبراء في هذا السياق، إلى أن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة تستند إلى نظام مفتوح المصدر يشترك فيه العديد من المبرمجين، وهذا الأمر لوحده يفرض تحديات هائلة. 
ويقول خبراء في شركة "أكسنتشر" Accenture الإيرلندية أن التقنيات التي تنطوي عليها شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة قد توفّر للمجرمين الرقميين حرية الدخول إلى أنظمة الشبكات، خصوصا إذا لم يجر ضمان أمن هذه الواجهات اعتمادا على أفضل الممارسات المُعتمدة في قطاع الاتصالات والتأكد من عدم وجود ثغرات أمنية.