"الميثاق او الانفكاك"
د. نزار يونس

23.02.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

الدكتور نزار يونس مؤلف كتاب الميثاق او الانفكاك معروف كمهندس ورجل اعمال لبنانيا وعربيا وعالميا، ولكنه في كتابه بدا لي اكثر من ذلك كله.

قد لا تكون المعرفة الشخصية والحوار المباشر، والعلاقات الانسانية كافية لمعرفة انسان ما،  فيبقى ذلك  المجهول الذي يرتدي ثياب بيئته، وربما غطاء مسلمات مجتمعه ووطنه، التي لا تكفي لتكوين فكرة عنه.

ولكنك اذا قرأت افكاره، خصوصااذا كانت موضوعة في كتاب يناقش موضوعا محددا ودقيقا، تستطيع ان ترسم صورة واضحة للكاتب ولو لم تكن قد تعرفت اليه شخصيا.

في مقدمة كتابه المعنون  الميثاق او الانفكاك  مذيّلة بعبارة (الطائف ذلك المجهول)، يقول الدكتور نزار يونس ان الوطن مهان وارضه لا حرمة لها ولا سياجK وان التجربة اظهرت ان الاصلاح ومحاربة الفساد لا تستقيم بتغيير الحكام ، بل بتغيّر ذهنية من يحكمون .

وفي فصول كتابه الستة يميز الكاتب بين مفهوم الوطن ومفهوم الدولة، فالوطن موجود بفعل اكتمال عناصره ولكن هناك  استحالة  لقيام  الدولة بنظره على اساس شراكة افتراضية بين كيانات طائفية .

كما يميز بين مفهوم الميثاق ومفهوم الدستور  بمعنى ان وجود واستمرار الوطن لا يستقيم بدون ميثاق بين اهله، ينتج عنه دستور  يستوحي روح الميثاق .

يقر الكاتب بوجود وطن اسمه لبنان وهذا الوجود منفصل عن قيام الدولة العصرية التي لم تولد بعد كما يقر بوجود ميثاق اعلى بمعيار التراتبية القانونية من الدستورK الذي وان وُجد شكليا فهو عمليا غير مطبق لانه لم ينقل الوطن من دولة الطوائف الى دولة المواطنة .

 يرى الدكتور نزار يونس ان الوطن الذي اثبت وجوده بالاستمرار رغم عدم وجود الدولة، كما اثبت الميثاق وجوده بالرغم من انقلاب اهل الحكم وزعماء الطوائف عليه المرة تلو الاخرى منذ قيام دولة لبنان الكبير وحتى الانقلاب على دستور الطائف.

 الكاتب كما تظهر صورته من خلال كتابه، ثائر لحماية وجود الوطن وقيام الدولة وحماية الميثاق وتطبيق الدستور، ولكنه ثائر جعلت سنيّ عمره الثمانين ثورته تحت سقف وجود الوطن لايجاد الدولة وتحت سقف الميثاق لانجاح تطبيق الدستور.

 انه ثائر اكاديمي الثورة، لا يرى دولة بدون مواطنة حقيقية، وهو لذلك يقوم بسرد مراحل تطور الصيغة اللبنانية منذ ما قبل الاستقلال، وحتى اقرار اتفاق الطائف، ويتوافق مع افكار البير منصور حين يوصّف انقلاب اركان الحكم على الطائف بإذكاء جذوة الطائفية وزرعها في ممارسات السلطة، حفاظا على وجود الطبقة الحاكمة وتأخيرا لقيام دولة المواطنة خلافا لروح الاتفاق.

 ولا يكتفي الكاتب بسرد تفاصيل اقرار اتفاق الطائف ، ومن ثم تعديل الدستور بناء عليه ، بل غاص عميقا في النصوص والممارسات التي جعلت من اتفاق ميثاقي دفع الوطن ثمنه حربا اهليةً طاحنة، مجرّد معبر لتعزيز تغليب الطائفية  على المواطنة، مما منع قيام الدولة.

مركّزا بوضوح تام على ان التلاعب بأعداد النواب وقوانين الانتخاب، وبدعة الديمقراطية التوافقية المدمرة، كانا السببين الرئيسيين لتغليب الطائفية على المواطنة، وان وجود منظومتين عسكريتين احداهما للسلطة التي لم ترتق بعد الى مرتبة الدولة، والاخرى لحزب الله الذي آن له بعد تضحيات التحرير ان يسلم سلاحه لصالح بناء دولة المواطنة والمساواة بين المواطنين، مانع حقيقي لقيام الدولة، لان لا شرعية لدولة ما لم تكن قوتها العسكرية موحدة. تحت سقف الميثاق والدستور في دولة القانون والمؤسسات .

ثائر في الثمانين يعطي ثورته كل خبرة  سنوات عمره،

فتجيئ ثورته لتوازن بين هدم ما بني على باطل، والحفاظ على الاسس الحقيقية المتينة لاشادة دولة الحق، دولة المواطنة والمساواة في وطن يستحق دولة عصرية، وذلك باعادة الاعتبار للميثاق الحقيقي وهو روح اتفاق الطائف، في وطن عصيّ على الزوال.

كتاب تجدر قراءته لما يتضمنه من سرد للاحداث ، وتوصيف للواقع ، وانصاف لمن ارسوا قواعد الميثاق الوطني واتفاق الطائف ، واضاءة على نصوص اتفاق الطائف وترجمتها في مواد الدستور ، ومعالم الانقلاب على هذه النصوص ووأدها تحت جدار ما سمي بالديمقراطية التوافقية .

كتاب من مايتين وثلاثة وثمانين صفحة مبوّب في فصول تختصر تاريخ مسيرة لبنان خلال مئة عام بالاضافة الى مقدمة تعبر عن حزن الكاتب على وطنه ، ورغبته وامله في تغيير جذري يعيد للوطن ألقه المفقود وترسم مستقبله المنشود، وخاتمة توصّف الداء وتصف الدواء، وملحق من اثنين وعشرين وثيقة من قرارات وقوانين ومراسيم وخطب  تدعّم اراء الكاتب وتثبت اعتماده للتوثيق الاكاديمي لكل ما تضمنه الكتاب، ليكون مرجعا موثوقا لكل من يريد دراسة حقبة غنية بالاحداث من تاريخ لبنان الحديث.

وهيب فياض