السودان...ترقب عالمي ووعود بالمؤازرةِ.

27.05.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب أنطون رضا

تكللت جهود السودان نحو التحول الديموقراطي بالنجاح، بدايةً بثورة أبريل 2019، مرورًا بفترة انتقالية عصيبة، ثم الخوض في جائحة عالمية مدمِرة، وصولاً إلى ترحيب وإشادة المجتمع الدولي ومساندة عالمية لدعم مسيرة الإصلاح. 

ظَلَّ السودان يعاني من تردي الأحوال المعيشية لمدة ثلاثة عقودٍ أبان حكم الرئيس المعزول عمر البشير الذي أطاحت به ثورة أبريل 2019، انتشر خلالها الفساد المؤسسي وتفاقمت النزاعات الداخلية والإقليمية، نتج عنها نزوح أكثر من 2.55 مليون نسمة من منازلهم أو بالأحرى أكواخهم التقليدية التي يطلق عليها "الرواكيب" التي تعاني مسبقًا تردي سبل الحياة كنقص المياه والكهرباء والصرف الصحي، إلى معسكرات ومخيمات هربًا من الموت. وزاد الأمر سوءًا تفاقم الأوضاع الصحية نتيجة جائحة كورونا التي جاء وقعها شديدًا على العالم ودول القارة الأفريقية بالأخص، التي يطغى على غالبيتها طابع الفقر، والتي مزقتها النزاعات الداخلية والصراعات الخارجية.

وكان من الطبيعي أن تضرر علاقات السودان الإقليمية والدولية على خلفية هذه الصراعات، والأوضاع السياسية التي سادت فترة حكم الرئيس المعزول، ونتج عنها حرمان السودان من المشاركة والتفاعل مع باقي كيانات المجتمع الدولي وخصوصًا الشركاء التجاريين والمؤسسات المالية العالمية، فعلى سبيل المثال، لم يتمكن من الانتفاع بمبادرة "الهيبك" المعنية بمساعدة الدول الفقيرة والمثقلة بالديون، عندما وُضع السودان ضمن قائمة الدول الداعمة للإرهاب ومساندة الجماعات المحظورة من الولايات المتحدة الأمريكية - إلى أن رَفَعت واشنطن السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب في أكتوبر 2020 مُدشِنةٍ عودة السودان كعضوٍ فعالٍ في المجتمع الدولي.

وجاء تولي الحكومة الانتقالية ومجلس السيادة زمام أمور السلطة بعد الثورة، في وقتٍ بالغ الدقةِ، وفي ظروفٍ اقتصاديةٍ قاسيةٍ، حيث كان السودان على شفى الانهيار الاقتصادي التام، الذي أتى نتيجة تراكم الديون التي فاقت الخمسين مليار دولارٍ – (من المتوقع أن تصل إلى ستين مليار بنهاية العام الجاري) بالإضافة إلى فقدان النصيب الذي كانت تساهم به جنوب السودان "المنفصل" في الناتج المحلي الإجمالي، وتآكل قيمة العملة المحلية نتيجة التضخم المتزايد، وارتفاع نسب البطالة والفقر، بالإضافة إلى حوالي سبعة ملايين نسمة أحكم انعدام الأمن الغذائ الحاد قبضته عليهم.

قُوبلت مساعي السودان نحو الانتقال الديموقراطي واستعادة أمنه وسلامة أراضيه بترحيبٍ دُوليٍّ لإعادته مجدداً إلى المجتمع الدولي، بقيادة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وعبد الله حمدوك رئيس الحكومة الانتقالية، اللذين نجحا في توحيد أجهزة ومؤسسات الدولة وأغلب فصائل الشعب. فجاء ملف إحلال السلام الداخلي على رأس أولويات الحكومة الانتقالية، وهو ما اتضح جليًا في جهود الحكومة لتهدئة النزاعات والاقتتال والتمرد، والسيطرة عليها من خلال المشاورات والتفاوض، لإيجاد حلولٍ دبلوماسيةٍ تجَنب السودان الانقياد إلى استنزاف موارده، وتفادي المزيد من العنف والتصعيد مع الفصائل والحركات المسلحة. ولكلن للأسف، فبالرغم من مساعي إحلال السلام والاستقرار التي حملها توقيع إتفاقية سلام "جوبا" في 3 من أكتوبر 2020، ما تزال النزاعات المسلحة في بعض الأقليم مثل "دارفور" تهدد ركائز الأمن والاستقرار، وتزعزع جهود منظمات المساعدة الدولية على تحسين أوضاع الاجئين ووقف نزيف الدم.

اتخذت الحكومة السودانية -بالتنسيق مع صندوق النقد والبنك الدوليين- حزمةً مبدئيةً من إجراءات الإصلاح، حيث جاءت هذه الخطوات في وقتٍ بالغ الدقة، يحارب فيه السودان موروثات عقود من الفساد، أدت تبعاتها إلى تفاقُم معدلات الفقر والبطالة، وحيث يقع أكثر من نصف عدد سكانه البالغ حوالي 42 مليون نسمة تحت خط الفقر؛ وتمثَّلت هذه الإجراءات الجريئة في تحرير سعر صرف العملة المحلية، ورفع الدعم عن المحروقات.

فبالرغم من النتائج قصيرة الأجل لتلك الإجراءات التي ظهرت في ارتفاع معدلات التضخم التي سجَّلت أكثر من 363 في المئة نهاية أبريل الماضي، إلا أنها حازت على إشادة صندوق النقد الدولي الذي يراقب خطى السودان وتقدمه في مسيرة الإصلاح، بإعتبارها خطوات تصب في الصالح العام على المدى البعيد. إلا أن أمورًا مثل غياب الشفافية المحيطة بمؤسسات الدولة ومشاريعها، ونظم الجمارك الحالية، وأيضًا التهريب والاتجار غير القانوني في السلع المدعمة، قد دفعت الصندوق إلى التحذير بأن الوضع الاقتصادي الحالي لا يزال هشًا، ويحتاج لتضافر جهود جميع الأطراف المعنية؛ الأمر الذي يستدعي تكاتف القوى الدولية وراء إرادة السودان لتأييد مساعيه نحو الإصلاح الديموقراطي والاستقرار الاقتصادي، اللذين لا يمكن تحقيقهما بمنأى عن بعضهما.

ولعل موقف مصر عندما بدأت أيضًا وبالتعاون مع صندوق النقد الدولي، برنامجها الخاص للإصلاح الاقتصادي، الذي يُعَد الأكثر قربًا من الاحتياجات الحالية للسودان، فالنتائج المبدئية شبيهة إلى حدٍ كبيرٍ، ذلك لأنها نتاج دينامية وآليات اقتصاد السوق. ويجيء إيمان السودان بتجربة مصر التي أتت بثمارها متمثلةً في بلوغ حجم الاقتصاد المصرى 361.8 مليار دولار فى العام 2020، كثانِ أكبر اقتصاد عربى بعد السعودية، سابقةً للإمارات العربية التي حلت في المركز الثالث عربيًا.

قمتان دوليتان بباريس

استضافت باريس برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قمةً مزدوجةً يومي 17 و18 مايو 2020 ، تهدف الأولى إلى دعم عملية الانتقال الديمقراطي في السودان ومساعدته اقتصاديًا، أما الثانية فهي قمة استثنائية لدعم اقتصادات الدول الإفريقية في ظل الموجات المتتابعة لجائحة كوفيد-19، إيمانًا بالمسئولية الدولية المشتركة نحو دول القارة، حيث أدى الوباء إلى أزمات اقتصادية غير مسبوقة في القارة السمراء، مما أطاح بمكتسبات اقتصادية تكونت على مدى أكثر من 25 سنة مضت، ويتوقع خبراء صنوق النقد الدولي اتساع فجوة التمويل التي تحتاجها دول القارة لمواجهة تداعيات الجائحة لتصل إلى 285 مليار دولار خلال الفترة من 2021 – 2025، مما يخلُّ بأجندة أفريقيا للتنمية المستدامة 2030، وأيضًا بأجندة الاتحاد الأفريقي 2063.

وقد أرتكزت الدول المشاركة بقمة دعم الاقتصادات الأفريقية على ركيزتين أساسيتين يقوم عليهما برنامج الدعم. أولاً، حث صندوق النقد الدولي على إتاحة حقوق سحب خاصة بقيمة 650 مليار دولار، يخصص منها 33 ملياراً كدعم لزيادة الأصول الاحتياطية للدول؛ ثانيًا، دعم نمو الاقتصادات من خلال تنمية دور القطاع الخاص بحيث يصبح أكثر فاعلية، بجانب دعم الابتكار وريادة الأعمال، وتمويل مشاريع البنية التحتية عالية الجودة والكفاءة.

وتأتي القمم بمشاركة قادة ورؤساء حكومات كل من أنغولا وبوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية وساحل العاج وموريتانيا والسنغال ونيجيريا وتوغو ومصر والسودان وإثيوبيا. بجانب رؤساء المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها مجموعة نادي باريس -أكبر دائني السودان بحوالي 19 مليار دولار أو ما يمثل 38 في المئة من إجمالي دينه الخارجي- وصندوق النقد والبنك الدوليين وبنك التنمية الأفريقي وغيرها، سعيًا لمساعدة السودان في حقبته الديمقراطية الجديدة، وضمانًا لتزويد القارة الأفريقية بالتمويل الضروري لمواجهة تداعيات الجائحة.

إسقاط متأخرات السودان

وكانت مجموعة بنك التنمية الأفريقي وقعت أوائل الشهر نفسه اتفاقيتين، بين السيدة نينا نواب أوفو المدير الاقليمي لبنك التنمية الأفريقي ودكتور جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني. الأولى، تضمنت قرض "تجسري" -بدعمٍ من المملكة المتحدة، والسويد وايرلندا- لإسقاط متأخرات بنك التنمية الأفريقي بمبلغ 425 مليون دولار، والثانية منحة بمبلغ 207 ملايين دولار لدعم الإصلاحات الاقتصادية. وكان للولايات المتحدة الأمريكية نصيبٌ في المساعدات المقدمة، حيث شاركت بقرض قيمته 1.15 مليار دولار موجَّه لسداد المتأخرات المستحقَة للبنك الدولي.

وبادر الرئيس الفرنسي بتخفيف عبء الديون، قائلاً أن بلاده تؤيد الإلغاء الكامل لمبلغ 5 مليارات دولار من المستحقات على الخرطوم، بجانب تقديم قرض بقيمة 1.5 مليار دولار، مضيفًا، أن الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي وافقت على سداد متأخرات السودان المستحقَة، والتي كانت تشكِّلُ عقبةً أمام حصول السودان على تسهيلات للديون الخارجية بما لا يقل عن 50 مليار دولار.

انضمت أيضًا إلى هذه المبادرة كل من ألمانيا والسعودية، حيث قامت الأولى بشطب ديون بإجمالي 360 مليون يورو، وتقديم قرض بقيمة 90 مليون يورو، وقدَّمت الثانية منحةً بقيمة 20 مليون دولار، بالإضافة إلى تعهدات من كلٍّ من إيطاليا والنرويج والكويت والصين بالإعفاء وخفض وتسوية بعض الديون المستحقة.

دعم مسيرة الإصلاح

          تهدف كل هذه المبادرات والمساعدات إلى المساهمة في إعادة تأهيل اقتصاد السودان، وجعله دولياً كشريك فعَّال في محيطه الإقليمي ليساهم -وهو البلد الغني بالموارد الطبيعية، الفقير والمثقَّل بالديون- في التطور المزمَع والمنتظَر لاقتصادات القارة الأفريقية.

يُضاف إلى ذلك، سعي الحكومة السودانية للتوصل إلى إعفاءٍ تام من الديون والمستحقات المالية، وليس فقط تخفيضها، انطلاقًا من تضارب نفقات مسيرة الإصلاح مع ما هو متراكم من ديون على السودان. وقد أيَّدت المملكة العربية السعودية هذه المساعي، وتمثل هذا التأييد في عرض السيد محمد بن عبد الله الجدعان وزير المالية السعودي الوساطة مع رئيسة صندوق النقد الدولي لاستعراض الأدوات المتاحة لبلوغ هذه الغاية. في ذات الوقت، كشف وزير المالية السعودي عن تكوين شراكة استثمارية مع السودان بالتعاون مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بقيمة 3 مليارات دولار.