التمويل الإسلامي يواكب الثورة الصناعية الرابعة

25.05.2021
محمد الخطيب
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
"الثورة التي يشهدها قطاع التمويل الإسلامي، هي في الواقع جزء مما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم بأكمله، ولها تأثير ملحوظ على كافة القطاعات وليس فقط على القطاع المالي، وطبعا لهذه التطورات تأثير مباشر على حياتنا الاجتماعية كبشر". بهذه المقدمة يستهل رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي في مجموعة "باث سوليوشنز" محمد الخطيب لقاء مع الاقتصاد والأعمال، تناول فيه: مساعي تطوير الخدمات المصرفية الرقمية في ظل انعكاسات وباء كورونا وفرص تطوير الخدمات المصرفية الإسلامية. 
 
يشهد القطاع المالي الاسلامي حاليا ثورة التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي. كيف يمكن لـ "باث سوليوشنز" تحقيق التوازن بين الرقمنة والذكاء الاصطناعي والشفافية المالية والامتثال لأحكام الشريعة الاسلامية؟
 
الحقيقة أننا في باث سوليوشنز بدأنا التركيز على هذه الثورة التكنولوجية في وقت مبكر جدا، من خلال الاستثمار في منصتنا. فقد قمنا بإعادة تصميم نظامنا الأساسي Core System ليكون نظاما أساسيا مفتوحا Open Architecture استنادا إلى معايير عالمية مفتوحة، ونحن كنا على علم في ذلك الوقت أن منصتنا يجب أن تكون جزءًا من نظام بيئي أكبر بكثير مما تزوده منصتنا من خدمات ويجب ألا تكون منصتنا نظاما مغلقًا. لقد فهمنا مبكرًا أن التحول الرقمي سيكون القوة التي هي عليه الآن. ليس هذا فقط، بل نحن نتوقع المزيد من التطورات الكبيرة على هذا الصعيد. وسوف تهيمن تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وأنظمة تحليل البياناتAnalytics  على هذه الصناعة. ركز استثمارنا في منصتنا وأنظمتنا على تحويلها إلى مجموعة من الأنظمة الذكية والرقمية المتكاملة.
 
بالطبع، خلال هذا التحول على مر السنين، لم نغفل ابدأ أهمية كفاءتنا الرئيسية والتي تتضمن تقديم حلول تركز بشكل أساسي على تمكين الصيرفة الإسلامية تقنيا. ونحن نبذل جهودا مستمرة مع المؤثرين الرئيسيين ومع واضعي المعايير لصناعة الصيرفة الإسلامية. نحن أعضاء في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI ونحن شركة البرمجيات الوحيدة التي تعتمد منصة مصرفية إسلامية أساسية Core Banking متكاملة مصدقة من قبل "أيوفي". نحن أيضًا عضو في المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية CIBAFI ونعمل عن كثب مع مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB والبنك الإسلامي للتنمية والمؤسسات الأخرى ذات الصلة. لماذا نفعل كل هذا؟ للبقاء على شراكة دائمة في هذه الصناعة وفهم واستيعاب التطورات في جميع أسواقها، بل ولعب دور فعال فيها. هذا يساعدنا بالطبع على التأكد من أن أنظمتنا تتطور باستمرار لخدمتها.
 
تسعى المؤسسات المالية الى تحسين منصّات خدماتها من أجل تلبية الطلب المتزايد على الخدمات الرقمية المصرفية بالتزامن مع تفشي أزمة انتشار فيروس كورونا، ما هي الخصائص التي تتمتع بها المنصتان الجديدتان باث للحلول الرقمية وباث للتكنولوجيا الذكية؟
 
في الحقيقة تم الإعلان عن هاتين المنصتين وإصدارهما قبل انتشار وباء كورونا. لقد أدركنا أهمية هذين التطورين في العالم: أحدهما هو كيف يتحول العالم بأسره وبسرعة إلى الخدمات الرقمية Digital Transformation، وكيف يتم توسيع هذا التحول الرقمي لتوفير الخدمات المالية في أي مكان وفي أي وقت وعلى أي جهاز. يجب أن يمتد هذا التحول بعمق إلى جوهر المنصات والأنظمة، أو ما نسميه بالـ Core. بالإضافة إلى توفير الخدمات الرقمية والمكننة الكاملة Total Automation في كل مكان في هذا النظام البيئي، وهذا ما تقدمه Path Digital.
 
أما بالنسبة للنظام الثاني والذي نسميه Path Intelligence، فنحن ندرك أيضًا كيف أصبحت الأنظمة الذكية، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي AI بكافة أشكالها. يركز نظام Path Intelligence على كيفية الحصول على معلومات ذكية لاتخاذ قرارات صائبة من خلال تحليل الكم الهائل من البيانات المتاحة. يمكن أن يكون هذا عن طريق اكتشاف الاحتيال في المعاملات، أو عن طريق القدرة على مكننة العمليات اليدوية. الذكاء الاصطناعي يفتح أفاق واسعة في هذه الصناعة لم تكن ممكنة بالسابق.
 
لقد استثمرنا في هذين المجالين بكثافة لأكثر من عشرة سنوات وكانت النتائج هي النظامين Path Digital وPath Intelligence.
 
بالطبع سرّع وباء كورونا وطبيعة الحياة التي فرضها علينا والعمل عن بُعد، التحول الرقمي الذي كنا في Path Solutions جاهزين له لأننا حضرنا له منذ سنوات عديدة. على مدى الأشهر الماضية من الوباء، عملنا بجد واجتهاد مع العديد من عملائنا في مبادرات رقمية وذكية لضمان قدرتهم على المنافسة في هذا العالم الجديد. وحتى في الوضع الطبيعي الجديد الذي سيفرض علينا بعد انتهاء الوباء اننا على يقين من أنه لا عودة إلى الماضي. 
 
تشهد قاعدة عملائكم تحولا جذريا مع دخول جيل "زد" Z، الجيل الذي لا يحبذ التعامل المباشر مع المصارف. كيف تساهم باث سوليوشنز بالتعامل مع عملائها في تطوير خدمات رقمية مُثلى تتماشى مع نمط حياة هذا الجيل؟
 
صحيح، أحد الدوافع الرئيسية لهذا التحول الرقمي هو سلوك المستهلك لهذه الشريحة من الشباب الذين يفضلون الحصول على الخدمات الرقمية بدلا من الخدمات التقليدية. وهذا التحول بدأ قبل انتشار الوباء بسنين، من خلال استخدام خدمات الفنتك FinTech للدفع عن بُعد وغيرها.
 
لقد رأينا تجربة مهمة مع أحد عملائنا الرئيسيين في الخليج، وهو بنك ركز في استراتيجيته على شريحة العملاء الشابة التي نتحدث عنها، واستهدفها بخدمات رقمية وذكية متقدمة، والنتيجة ان هذا البنك تمكن من الفوز بغالبية هذا القطاع في تلك الدولة. وبهذا استطاع تأمين شريحة عملاء مهمة اليوم، وستقود البلد في المستقبل. وطبعا مع تقدمهم بالسن سيكبرون ويصبحون أكثر ثراءً وأكثر تأثيرا بالاقتصاد. لقد وجدنا أن هذه الاستراتيجية تعدّ ناجحة جدا.
 
ولكن يجب علينا أن نعرف أن الأمر ليس مقتصرا فقط على هذا القطاع من العملاء، ولكن بشكل عام، تغيرت سلوكيات العملاء وطريقة التفاعلات مع المؤسسات المالية بشكل كبير في جميع شرائح المجتمع، وأصبح استخدام الخدمات الرقمية موجودًا ليبقى ويستمر. وفقًا للعديد من الدراسات، تشير على أن أكثر من 75 في المئة من الأشخاص الذين يستخدمون القنوات الرقمية لأول مرة بسبب الوباء سيستمرون في استخدامها عندما تعود الأمور إلى "طبيعتها".
 
طبعا هذا يعني أن المؤسسات المالية ستحتاج إلى التأكد من أن قنواتها الرقميةeChannels  على قدم المساواة أو أن تتفوق على قنوات منافسيها لتحقيق النجاح في هذه البيئة الجديدة.
 
مرة أخرى، أهم ما تقدمه منصتنا هو القدرة على تقديم هذه الخدمات المالية الذي نتحدث عنها، في أي مكان وفي أي وقت وعلى أي جهاز. ولذلك يصبح دعم الهاتف أو الجهاز النقال بكل أنواعه أمرا بالغ الأهمية. كما أن نظامنا الأساسي يدعم التنقل ورحلة العميل عبر مجموعة متنوعة من الأجهزة Customer Journey on OmniChannels.
 
المؤسسات المالية تحتاج أيضًا إلى نظام أساسي يسمح بالتشغيل الآلي المتسارع. ويمكّنها من الانتقال من عمليات الرقمنة إلى رحلات العملاء المتكاملة وهم بالطبع مختلفين.
 
لقد قدمنا للبنوك والمؤسسات المالية التي تتعامل معنا عرضًا موحدًا لبيانات عملائها، من خلال لوحات معلوماتية متطورة وذكية لإدارة وخدمة عملائها، ومن خلال تجارب مخصصة وشخصية إلى أعلى مستوى.
 
بالطبع، لكي ندعم مثل هذه الخدمات الرقمية، احتجنا إلى التركيز على الأمن السيبراني كأولوية. عندما تفتح نظامك ليتم الوصول إليه من أي مكان ومن أي جهاز، فمن الأهمية أن يكون لديك نظام آمن يمكنك الوثوق به. باختصار نحن نقدم منصة شاملة لإنشاء بنك ذكي يدعم بشكل كامل رحلات العملاء الرقمية.
 
ما هي العقبات والتحديات التي تقف عائقا أمام قطاع الخدمات المصرفية الاسلامية الأساسية، سواء من حيث الامتثال للقوانين التنظيمية، أو تبنّي تقنيات الحوسبة السحابية ومواكبة نماذج المعايير الأمنية؟ 
 
دعني أقول انه على المستوى الفني، لا أعتقد أن هناك أي تحديات خاصة بالصيرفة الإسلامية مختلفة عن الخدمات المصرفية التقليدية. انهم يواجهون نفس التحديات التقنية. لطالما كانت الصناعة المالية صناعة محافظة ذات ثقافة تقاوم التغيير، ومع الثورة الصناعية الرابعة، أجبرت شركات التكنولوجيا المالية الناشئة FinTechs هذه الصناعة على التحرك والتغيير. ثم جاء وباء كورونا وسرّع هذه العملية.
 
المشكلة هنا أنه في العديد من الأسواق لا تتطور اللوائح القانونية بالسرعة الذي يحتاجها تطور الصناعة المالية حاليا. نجد في بعض هذه الأسواق أن المنظمين وكأنهم يحمون الوضع الراهن ويبطئون التغيير وهو طبعا شيء غير صحي لهذه الصناعة.
 
وفي بعض الأسواق الأخرى، اهتمت البنوك المركزية بهذه الثورة في وقت مبكر وأعجبت بها لما لها من آثار إيجابية على الاقتصاد والصناعة، وبدأت في تغيير اللوائح والقوانين للسماح بحدوث هذه الثورة المالية في بلادهم، بل وشجعوها.
 
دعني اعطي مثالا على بعض اللوائح التي تعمل على إبطاء هذا التحول والموجودة الآن: هناك قانون في العديد من الدول يفرض على البيانات المالية أن تبقى داخل البلد ولا تخرج منه. المشكلة أن العديد من هذه البلدان التي يوجد فيها صيرفة إسلامية، ليس لديها سحابة أو Cloud داخل البلد، مما يعني أن استخدام السحابة ليس خيارًا لهذه المؤسسات المالية. وكما نعلم أن السحابة، هي البنية التحتية الرئيسية للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية او الـ FinTechs لتقديم خدماتها ودعم التنقل والحصول على هذه الخدمات في جميع أنحاء العالم.
 
مجال آخر مهم للغاية هو الأمن السيبراني Cybersecurity ووجود اللوائح المتعلقة بهذا الأمن لدعم الأنظمة المالية المفتوحة أوOpen Banking  والوصول إلى الخدمات المالية عبر الشبكات العامة. كل هذه الأمور يجب أن تتطور بسرعة للسماح للخدمات المالية بالتطور السريع.
 
وأريد أن انهي هنا أننا عندما نتحدث عن التحديات التي تواجه التمويل الإسلامي بشكل أكثر تحديدا، أعتقد أن التحديات هيكلية أكثر من كونها تقنية. إن البنوك المركزية واللوائح والكفاءات المالية وحتى أنظمة التعليم المالي، النظام البيئي بأكمله مبني على الصيرفة التقليدية.
 
وعلى مر السنين، فشلت هذه الصناعة على حد كبير في أن تكون مبتكرة ولها شخصيتها الخاصة بما يكفي لحماية روح الصيرفة الإسلامية من خلال تقديم منتجات فريدة وحديثة. وبدلاً من ذلك قامت بنسخ وتكرار العديد من منتجات التمويل التقليدية لتكون متوافقة مع الشريعة الإسلامية. لقد أوصلنا هذا إلى مكان يصعب فيه على المؤسسات المالية الإسلامية أن تميز نفسها عن المؤسسات المالية التقليدية. والحقيقة أن القوانين والأنظمة لا تساعد أيضا، كون أن تركيزها الرئيسي هو على الصيرفة التقليدية. أعتقد أننا بحاجة إلى استخدام هذه الثورة الحالية لإعادة إدخال الابتكار في الصيرفة الإسلامية وطرح منتجات مبتكرة من شأنها أن تميز هذه الصناعة وتسمح لها بمواصلة النجاح.