ليبيا: التحول وإنعكاساته الإقتصادية

15.04.2021
عبد الحميد الدبيبة
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

تواجه الحكومة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة تحديات كبيرة، بعد نيلها ثقة تاريخية من مجلس النواب. وبالفعل بدأت الحكومة الجديدة، طريقًا للتغيير يعدّ صعبًا كونها تحمل على عاتقها آمال وأحلام الشعب الليبي، الذي يطمح إلى عودة مسار دوران العجلة الاقتصادية، واستعادة الدولة استقرارها، والتخلص من حالة التشرذم التي ضربت البلاد.

وقد تمكّنت حكومة الوحدة الوطنية خلال فترة قياسية قصيرة، من توحيد حوالي 80 في المئة من مؤسسات الدولة المهمة من السلطة التنفيذية نفسها إلى السلطة التشريعية والبنك المركزي والطاقة ووزارات أخرى مختلفة. ولا شكّ سيوفّر هذا التقدم الأولي قدرًا من الثقة في خطط الحكومة الطموحة للأشهر المتبقية من تفويضها، والتي تنتهي في نهاية هذا العام بعد إجراء الانتخابات التشريعية في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وفي إطار إيجابيات التحوّل الليبي، فقد خصص مصرف ليبيا المركزي قرضًا بدون فائدة للمصارف التجارية من أجل تخفيف الضغط على النظام المصرفي وتقليل تراكم الشيكات غير المحصّلة. وينتظر القطاع المصرفي تحولاً إضافياً بعيداً عن البنوك المملوكة من الدولة إلى البنوك الخاصة، كما هو الحال مع زيادة النشاط في مساحة الاندماج والاستحواذ مع تطوّر السوق. وفي هذا الإطار ساعد إدخال سعر صرف ثابت جديد للدينار الليبي، في التقليل من مخاطر تقلبات العملة للكيانات التي تسعى لتعزيز التعاون التجاري مع ليبيا أو الاستثمار فيها. كما تم تخفيف نقص السيولة من خلال خفض سعر الفائدة الرسمي في أسعار السوق السوداء، علماً أنّه تاريخياً كان عدم الاستقرار في سعر الصرف عاملاً مقيّداً للتجارة الخارجية، على وجه الخصوص، وبالتالي فإنّ استقرار العملة يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام نحو دفع النمو التجاري، والذي سيترجم في النهاية إلى ازدهار أكبر ومرونة في الاقتصاد.

ولا شك أنّ القطاع الخاص سيستمر في التوسع في ظل التطورات الأخيرة. ومن المرجح أن يساهم تعزيز الأعمال التجارية، مع وجود العديد من الفرص في الأفق في دخول ليبيا حقبة جديدة من الاستقرار والإزدهار.

التحوّل للاقتصاد المنتج

ثمّة مشكلتين رئيستين تواجهان الاقتصاد الليبي، الأولى مرتبطة بمسألة توزيع الثروة بين الأقاليم الليبية. أما المشكلة الثانية فهي مشكلة هيكلية يعاني منها الاقتصاد الليبي "الريعي"، الأمر الذي يؤكّد أهمية التوسع نحو الاقتصاد المنتج أي الذي لا يعتمد كلياً على النفط، على أن يكون النفط المحرك الأساسي في ذلك التحول التدريجي نحو الاقتصاد المبني على المعرفة.

وتحتاج الحكومة المؤقتة والحكومات المقبلة، إلى جهد كبير لإعادة هيكلة الاقتصاد، وهذا يتطلب حل المشكلة الأساسية، والتي ترتبط بالصراع على المشاع، أو على توزيع ثروة النفط. أضف إلى ذلك، هناك أزمة "المرافق" وهي أزمة شديدة الخطورة، في ظل ضعف النفقات الاستثمارية، وفي ظل ضعف البنى التحتية المهمة خاصة في مسألة صيانة المرافق النفطية من جديد وإعادة الإنتاج والتأهيل، وكل ذلك مؤثر بشكل كبير على الناتج المحلي الإجمالي في ليبيا عموماً.

تفاؤل بالتعافي الاقتصادي

رجّح صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير صادر عنه حول آفاق الاقتصاد العالمي، أن يتعافى الاقتصاد الليبي بقوة هذا العام بالمقارنة مع ما شهده العام الماضي من انكماش بسبب جائحة كورونا وغيرها من الظروف التي مرت بها ليبيا. وأظهرت ترجيحات الصندوق أن مستويات التضخم العام هذه السنة ستكون عند 18 في المئة، على أن تبلغ 4 في المئة خلال عام 2026، في حين سجّل التضخّم مع نهاية العام 2020 نحو 22 في المئة.

وتوقّع التقرير أن يبلغ حجم الإنفاق الحكومي في ليبيا أكثر من 71 مليار دينار. وعلى مستوى النمو، تشير ترجيحات الصندوق إلى أن النمو قد يسجل أعلى من 5 في المئة العام المقبل.

وفي تقرير منفصل كشف تقرير البنك الدولي عن بلوغ حجم الدين العام في ليبيا، 207 مليارات دينار بسبب الإنفاق المزدوج خلال السنوات الماضية، أي ما يعادل 450 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي.

وتوقعت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا" ارتفاعاً في معدلات التضخم وفاتورة الاستيراد ونسبة البطالة بين الليبيين كأعلى نسبة في المنطقة، بسبب تدهور أسعار النفط وانتشار جائحة كورونا. ومن المتوقع حدوث انتعاش في 2021 مع بلوغ معدل النمو 3.1 في المئة (انكماش نسبته 3.8 في المئة بحسب السيناريو المتشائم) مع ارتفاع التضخم من 11 في المئة إلى 15.4 في المئة.

النفط والتحسّن الاقتصادي

بلغ الإجمالي التراكمي للإيرادات النفطية المحتجزة منذ رفع حالة القوة القاهرة نحو 7.76 مليارات دولار متضمنة حقوق الشركاء وحقوق المؤسسة (لا تشتمل الإتاوات والضرائب). وأعرب محللون في النفط والاقتصاد عن تفاؤلهم بهذه الخطوة، مشيرين إلى أن عودة إنتاج النفط إلى الارتفاع وصعود الأسعار العالمية أخيراً يعزز من مالية الدولة الأمر الذي يساهم في تنفيذ المشروعات التنموية لتحسين الخدمات الأساسية.

ويسيطر قطاع النفط منذ ستينات القرن الماضي على الأنشطة الاقتصادية المختلفة، حتى أصبح المصدر الرئيسي للدخل القومي في البلاد، إذ يوفر نحو 95 في المئة من الإيرادات المالية، حسب البيانات الحكومية، وكانت عائداته سنوياً بين 40 مليار دولار و45 ملياراً قبل عام 2013 وفقًا لتقارير سابقة للبنك الدولي.

لكن العائدات هوت في السنوات الأخيرة، إذ رفعت المؤسسة الوطنية للنفط أخيراً توقعاتها لإيرادات العام الحالي في ظل ارتفاع الأسعار عالمياً إلى 30  مليار دولار، بدلا من 15 مليار دولار كانت متوقعة ، بمتوسط إنتاج بين 1.3 مليون برميل يومياً إلى 1.5 مليون برميل، وصولا إلى مليوني برميل في 2023 من خلال تطوير بعض الحقول.

ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن ليبيا تحتاج لأن يبلغ سعر برميل النفط 57 دولاراً لتحقيق التوازن المالي هذا العام، و70.3 دولاراً العام المقبل. وتمتلك ليبيا أكبر احتياطات مؤكدة من النفط الخام في أفريقيا، حيث تبلغ 48.4  مليار برميل. علماً أنّ خسائر الإنتاج والبنى التحتية للنفط والفرص الضائعة على الدولة بسبب الإقفالات غير القانونية للحقول والموانئ خلال السنوات التسع الماضية ناهزت 231 مليار دولار.

وبحسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأميركي "ستراتفور" فإن "إنتاج النفط الليبي سيظل على الأرجح مستقراً، وستظل احتمالات الصراع الأوسع منخفضة. وتخطط المؤسسة الوطنية للنفط، لتشغيل حقول بترول جديدة في حوضي "سرت" في وسط البلاد، و"غدامس" في الغرب. كما تعمل على إعادة تشغيل الحقول المغلقة نتيجة الهجمات التي تعرضت لها، إلا أنّ هذه الخطط الطموحة ستعتمد على مدى استمرار السلام، وحصول المؤسسة الليبية للنفط على موازنة كافية لإصلاح البنية التحتية للطاقة. وتعول مؤسسة النفط على شركات الطاقة الأجنبية مثل "توتال"، و"إيني"، و"ريسبول" لزيادة الإنتاج، فيما ينتظر أن تتلقى دعما من حكومة الوحدة الوطنية لتحقيق ذلك، حيث عينت الحكومة الانتقالية وزيرا للبترول والغاز، وهو منصب لم يُشغل منذ سنوات، وقد تولى ممثل ليبيا السابق في منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك"، محمد عون، هذه الحقيبة الوزارية.

تنظيم القطاع المصرفي

في تحرك سريع لتنفيذ مخرجات الاجتماعات الأممية حول دعم الاقتصاد الليبي، لضبط مسار الاقتصاد، اعتمد مصرف ليبيا المركزي ضوابط جديدة تنظم الإجراءات المتعلقة بحركة الأموال والنقد الأجنبي. وتأتي هذه الضوابط تأسيسا على أحكام القانون الذي ينظم دوره الإشرافي والرقابي على المصارف الصادر بتاريخ 16 ديسمبر (كانون الأول) 2020، بشأن تعديل سعر صرف الدينار. ومنحت إدارة الرقابة على المصارف والنقد بالمصرف المركزي الليبي، المصارف العاملة في البلاد، صلاحيات البت في طلبات فتح الاعتمادات المستندية لكافة السلع والخدمات المسموح باستيرادها قانونا، شريطة توفر رمز مصرفي (CBL) ساري المفعول. وتتضمن الضوابط أيضاً، تحديد الحد الأعلى لقيمة الاعتماد المستندي الواحد لتوريد السلع التجارية.

ومن أجل ضبط حركة النقد الأجنبي، حدد المركزي الليبي، 4 ضوابط لبيعه بغرض الدراسة والعلاج بالخارج للمواطنين الليبيين. وتساهم الضوابط التي أطلقها المركزي في ضبط إيقاع حركة الأموال ومصادرها، والحد من حالات التلاعب النقدي. كما تعطي هذه الضوابط فرصة للاستخدام الأمثل في دعم الأفراد لتلبية احتياجاتهم الشخصية خارج الحدود الليبية، فضلا عن كونها تحدد مسار الأموال الواردة من عائدات النفط. أضف إلى ذلك فإنّ الضوابط تساهم في دعم ميزانية الدولة من أجل خطوات التنمية الفعلية، وخاصة في مجال البنية التحتية.

في المحصّلة، تدعم الإجراءات التي بدأتها ليبيا، في دعم الاقتصاد الذي يعاني من مشكلات هيكلية تفاقمت بسبب الصراع الداخلي والإغلاق النفطي المستمر لمعظم عام 2020، كما أنها تساهم في تعزيز التجارة البينية مع دول الجوار الليبي، خاصة مع مصر، التي قد تساهم بشكل كبير في عملية "إعادة الإعمار" التي تمثّل خشبة الخلاص للاقتصادي الليبي.