هل تُطلق كندا سراح مديرة هواوي المالية؟

24.03.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إياد ديراني
انشغلت الأوساط الإعلامية الكندية في الفترة الماضية بتصريحات المحامي ومحلّل السياسات الكندي ريتشارد كرلاند، حول اعتقال السلطات الكندية للمديرة المالية في هواوي الصينية مينغ وانزهو. كرلاند يجاهر بآرائه المعاكسة للرأي العام الكندي في هذه القضية، ولديه مطالعة خاصة جعلت منه بحسب الإعلام الكندي "واحد من قادة الرأي الـ 30 الأكثر شهرة ممن يعتبرون أن كندا لم تتصرف بحكمة في هذه القضية". لا بل يقول كرلاند أن مكتب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قام بـ "حسابات خاطئة" عند اعتقال وانزهو على خلفية طلب التسليم الصادر في الولايات المتحدة. 
الاقتصاد والأعمال التقت كرلاند للوقوف عند آخر مستجدات هذه القضية الحسّاسة واستجلاء آرائه في لقاء فيديوي، إستُهلّ عفويا بجولة سريعة على التنوّع وتمازج الأعراق في مجتمع المهاجرين الكندي، وغنى مطبخ فانكوفر، ومقارنتها بمدينة بيروت ونكهاتها "الشرق الأوسطية".  
كرلاند يمتلك خبرة طويلة في قضايا الهجرة واسترداد المتهمين، ومن الشخصيات المعروفة والمؤثرة في "صناعة" قوانين الهجرة الكندية، ويُصدر نشرة دورية حول قضايا الهجرة، ولديه سجلّ حافل بالمقالات والتقارير في هذا المجال. اللقاء معه شكل مناسبة فريدة، لتسليط مزيد من الضوء على قضية وانزهو، وملابساتها والاتجاهات التي يُمكن أن تسلكها، بما في ذلك إمكانية إطلاق سراحها خلال الشهرين المقبلين بموجب قانون كندي يتيح تنفيذ "اتفاقية تأجيل المحاكمة" Deferred Prosecution Agreement. وبطبيعة الحال، كرلاند في هذه المقابلة يعبّر حصرا عن رأيه المهني والشخصي، سواء في التحليل وأسباب الاعتقال، وحيثياته أو في الحلول المطروحة. ويؤكد خلال المقابلة بشكل قاطع "أنه لا يمثّل هواوي قانونيا بأي شكل من الأشكال".  
الجدير بالذكر أن وانزهو وهي ابنة مؤسّس هواوي ورئيسها التنفيذي رين زنغفوي، اعتُقلت في الأول من ديسمبر 2018 في مطار فانكوفر، تنفيذا لمذكرة توقيف صدرت بحقها في الولايات المتحدة. ويتهمها القضاء الأميركي بالالتفاف على عقوبات فرضتها الإدارة الأميركية على إيران، وأنها "كذبت على مصرف "إتش إس بي سي" حول علاقة بين هواوي وشركة تابعة لها تمارس الأعمال في إيران".   
لكن ما هي أسباب الاعتقال غير المُعلنة برأي كرلاند؟ وهل صحيح أن كندا لم تشهد في تاريخها قضية من هذا النوع؟ ولماذا يمكن أن تسلك هذه القضية طريقها إلى الحلّ؟ وما هي الإشكاليات الرئيسية التي رافقت هذا الملف الحسّاس الذي دخل سنته الثالثة؟  
يقول كيرلاند أنه يتابع ملف توقيف وانزهو بشكل مستقل كونه يدخل في صلب المجال القانوني الذي ينشط فيه، وأنه منذ البداية كانت لديه قناعة حاسمة حول إمكانية حلّ هذه القضية وإطلاق سراح مينغ بحسب القوانين الكندية ومن خلال صلاحيات رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو. ويضيف أن كندا لم تشهد في تاريخها قضية تتدخّل فيها أبرز الشخصيات في الولايات المتحدة. ويقول: "لقد تدخّل الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب في القضية بشكل مباشر ومشهود، وأساء استخدامها لتحقيق مكاسب ومصالح سياسية واقتصادية للولايات المتحدة". 
 

ابحث عن المال

ويتابع كرلاند فيقول إن ما يُعرف بـ "السياق العام" المتعلق بالقضايا القانونية أساسي وبالغ الأهمية في كندا "وحاليا السياق العام المتصل بقضية وانزهو يُختصر بطلب الولايات المتحدة من كندا التعامل مع مسألة تسليمها". الإطار العام هنا في هذه الجزئية يضيف كرلاند، ناشئ من معاهدة كندية – أميركية وقابلة للتنفيذ لدى أي محكمة تسهيلا لتبادل المتهمين. ويقول: "هذا أمر طبيعي، فهو يسهّل تبادل المتهمين على جهتي الحدود. وهذا الإطار العام للعلاقات بين البلدين يتمتع بتاريخ طويل من التجارب الثنائية الناجحة، باستثناء الحالة المتعلقة بـ وانزهو. وهذا هو بيت القصيد في هذه القضية".       
ويقول إنه وبهدف معرفة خفايا القضية قام "بتتبع أثر المال"، ويضيف: "تبيّن لي أن هناك بنكا عالميا هو "اتش أس بي سي"، وكان يمرّ في تجربة جعلته يصل إلى استنتاجات خاطئة، واضطر لدفع غرامات وصلت قيمتها إلى نحو مليار دولار أميركي، بسبب خرقه لعدد كبير من القوانين مثل "مكافحة الإرهاب" و"مكافحة غسل الأموال" إضافة إلى عدم تلبيته متطلبات إفصاح أساسية. وكان البنك تحت المراقبة، وإذا قام بخطأ إضافي جديد فسيخسر رخصة ممارسة الأعمال المصرفية في الولايات المتحدة". 
ويشرح كرلاند قائلا: "بعد ذلك بفترة، تبيّن أن بنك "اتش أس بي سي" خاض نقاشات مع هواوي، بهدف الدخول في عمليات تمويل لبعض الأعمال. وبالتوازي كان البنك يشتري خدمات من "جماعات الضغط" lobbyists في وزارة العدل الأميركية في واشنطن". ويضيف: "لقد تابعت مسار الأموال المتعلقة بهذا الموضوع على مدى سنوات، واتضح أنه ولسبب ما، ضاعف البنك دفعاته لجماعات الضغط خلال عامي 2016 و2017 ووصلت سنويا إلى ما بين 3 و4 ملايين دولار". 
لكن لماذا دفع البنك هذه الأموال ولممارسة الضغط في أي اتجاه؟"، يجيب كرلاند فيقول: "يبدو أن الإدارة الأميركية، اتخذت قرارا حينها للبدء بممارسة الضغط على هواوي". وفي ذات الوقت كان "أتش أس بي سي" في وضع صعب متعلق بكشف أمر ما على صلة بالعقوبات ضد إيران. وفجأة رأينا أن الإدارة الأميركية في واشنطن وفي سياق المفاوضات التجارية مع الصين، بدأت عملية مقاضاة ضد هواوي في الولايات المتحدة مُدعية خرقها العقوبات على إيران".          
لكن ما علاقة هذه الأحداث ببعضها؟ يقول كرلاند أن هذا هو سياق الأحداث، فأمامنا بنك "متحفّز ومندفع بقوة ويريد من الإدارة الأميركية مساعدته على الخروج من الورطة التي أدخل نفسه فيها، ويريد إيجاد طرف آخر لإلقاء اللوم عليه أو تأخير الإجراءات ضده". 
ويضيف: "القضية باتت أوضح مع تصريح علني للرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، وهذا بالمناسبة دليل يُستخدم في المحكمة، فقد عبّر عن استعداده لوضع قضية هواوي على "رقعة شطرنج" المفاوضات بين واشنطن وبكين. لقد كانوا يتفاوضون حول اتفاقية تجارة جديدة بين البلدين، كما أنهما كانا يتنافسان على مستوى استراتيجي في ميدان الجيل الخامس (من شبكات الاتصالات النقالة)، وآخر شيء أرادت واشنطن وجوده في هذه المعادلة هو هواوي. من جديد أذكّر، هذا هو سياق القضية، ولذلك ليس مفاجأ أن نرى طلبا لتسليم وانزو، مستند بشكل أوّلي إلى اتهامات مثل الاحتيال وخرق العقوبات على إيران". 
 

طوربيد في المياه!

لكن كيف وصلت القضية إلى مينغ وانزهو؟ وتحديدا، كيف تحوّلت القضية من ملاحقة شركة إلى ملاحقة موظف في شركة؟ على هذا السؤال، يجيب كرلاند، فيقول إنه من غير المعتاد، ملاحقة أشخاص في الشركات الضخمة، ويضيف: "لا أحد يلاحق الأشخاص في هذا النوع من القضايا، خصوصا إذا قامت شركة ضخمة بأمر خاطئ، بل يذهب القضاء عادة خلف الشركة. أتفهّم ملاحقة القضاء لمدير شركة إذا كانت شركته مكوّنة من عدد محدود من الموظفين، حيث يسيطر المدير على كل مجريات الأمور، لكن هذا لا يصحّ في حالة وانزهو". ويضيف أنه عندما أبدى الرئيس ترامب نيته استخدام قضية وانزهو في سياق التفاوض مع الصين، بدأت تتوضح مسارات الأحداث أكثر.  
ويشرح كرلاند حول أسلوب الولايات المتحدة في هذه القضية، فيشبّهه بـ "إطلاق طوربيد في المياه ضد هدف"، ويقول: "عندما ينطلق الطوربيد، كل ما عليك فعله هو مشاهدة إصابة الهدف". لكنه في حين يُبدي فهمه لتصرفات الولايات المتحدة، يعبّر عن استهجانه لطريقة تعاطي السلطات الكندية مع الموضوع. ويقول إن الانسان في كندا لديه حقوق تتضمن الحصول على مستشار قانوني وغيرها من الحقوق مثل حق عدم التصريح بأية معلومات. ويشدّد على أن السلطات مارست أسلوبا مُحكما غير مقبول للتأكد من اعتقال وانزهو بشكل لا يتيح لها التمتع بحقوقها كاملة. وبرأيه، تصرفت السلطات الكندية بهذا الشكل، ببساطة لأن السلطات الأميركية طلبت منها ذلك، وكان الكنديون حريصون على وضع يدهم على هاتف وانزهو الذكي ومتعلقات أخرى كجهاز الكومبيوتر. ويضيف: "نحن نعلم أنه وبمجرد خروج وانزهو من الطائرة تم استخدام معدات خاصة وصلت للتو من الولايات المتحدة لنسخ البيانات من أجهزتها الرقمية. وهذا برأيي يشكل تصادما بين النظام القضائي ونظام تطبيق القانون في كندا. لأنه لو تم التوقيف فورا لاستفادت المُتهمة من حقوق تمنعهم من فعل الكثير من الأشياء، وهم طبعا فضلوا التريّث بعد الاعتقال للقيام بممارسات معيّنة ولم يعيروا مسألة عدد أيام التوقيف اعتبارا".      
 

معمّر القذافي وSNC Lavalin 

أما عن الحلول المطروحة، فيقول كرلاند: "ثمة طريقة تتيح لنا حل كل هذه القضية. لدينا في كندا خبرة مع ما نسميه "اتفاقية تأجيل المحاكمة" Deferred Prosecution Agreement. وبموجب الاتفاقية "يذهب الجميع إلى المنزل سعداء"، بعد أن "يفتح المستفيد محفظته ويسدد مبلغا هائلا من المال". 
ولشرح الموضوع أكثر يروي كرلاند، تفاصيل قضية سابقة في كندا، حول شركة هندسية كندية قامت بأعمال عدة في الشرق الأوسط، وتحمل اسم SNC Lavalin. هذه الشركة كانت مقرّبة جدا من نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، وتبيّن أنها ربحت العقود من خلال سياسة الرشوة، وقد تبيّن أنها رشت شخصيات بعشرات الملايين من الدولارات. وفي حال حُوكمت هذه الشركة كانت ستُحرم من فرصة التقدم إلى نيل المشاريع الدولية لفترة من الزمن، لأنها خرقت الأعراف والقوانين التجارية. وهذا يعني أن عددا كبيرا من الموظفين الكنديين سيخسرون وظائفهم. وقد استفادت هذه الشركة من "اتفاقية تأجيل المحاكمة"، بعد أن اعترفت بالاتهامات الموجّهة إليها وعبّرت عن أسفها ودفعت مبلغا كبيرا من المال. ويضيف كرلاند أنه في تاريخ تنفيذ هذا النوع من التسويات "رأينا عشرات مليارات الدولارات التي تُدفع". ويقول: "لا يُعلن عن المبالغ المدفوعة في كل القضايا، البعض منها فقط يخرج للعلن". 
ويضيف: "اليوم نحن أمام مُعضلة، مصالح الولايات المتحدة لم تتأثر بينما كندا تعاني، فقد تم اعتقال مواطنين كنديين في الصين، وتعرضت أعمال الشركات الكندية إلى مشاكل كبيرة في الصين، وهي مشاكل تكلفتها باهظة، وتلقّى الاقتصاد الكندي ضربة نتيجة ما يحصل. هل تدخلت الولايات المتحدة للمساعدة أو التعويض؟ كلا لم تتدخل ولم تعوّض. هل تحسّنت العلاقات بين رئيس الوزراء جاستن ترودو والرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب؟ كلا، واليوم مع الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لدينا فرصة للعثور على حل".
ويختم قائلا: "في القضايا التي تتضمّن تسليم متهمين، يستطيع النظام السياسي في كندا التدخل لدى النظام القضائي، وهذه هي الحالة الوحيدة للتدخل في نشاط القضاء، إذ ليس ممكنا أن يتدخل في أي حالة أخرى. وأمامنا طريقتين، الأولى قضائية إذ يمكن أن تقرر المحكمة رفض تسليم المتهم (مينغ وانزهو)، والثانية سياسية حيث يذكر قانون تسليم المتهمين في مادته 23 ما يلي: يمكن لوزير العدل في أي وقت بوجود سبب أو من دون سبب، إقفال ملف تسليم المُتهم نهائيا، وكأن شيئا لم يكن".