طريق بايدن الصعب لإصلاح الإقتصاد الأمريكي

29.01.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

 

بقلم: علاء ثابت

رئيس تحرير الأهرام  

على الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أن يشق طريقا صعبا في طريق إصلاح الإقتصاد الأمريكي، مع تداخل الأزمات المتتالية في العقود الأربعة الأخيرة مع الهزة العنيفة الناجمة عن تفشي وباء كورونا، ليصبح الإقتصاد الأميركي على حافة كساد كبير، ويحتاج إلى جهد وتضحيات كبيرة وطويلة الأمد، حتى تتمكن الولايات المتحدة من التعافي.

 وجاءت القرارات التنفيذية لبايدن يوم الجمعة الماضي لتكون بماثابة الحقن بالكورتيزون للتغلب على أعراض خطيرة، عبر عنها بقوله: إن الولايات المتحدة تواجه أسوأ أزمة إقتصادية في العصر الحديث، وهناك أمريكيون أصبحوا غير قادرين على إطعام أطفالهم، ورصد ما يقرب من ترليوني دولار كمساعدات إجتماعية للعاطلين والفئات الفقيرة والشركات المتوسطة والصغيرة، لوقف التدهور الناجم عن إستمرار تفشي وباء كورونا بمعدلات قياسية رغم البدء في توسيع مراكز الحقن بلقاح تفعيل المناعة ضد جائحة كورونا، ولتشمل هذه المساعدات  100 مليون مواطن، في الـ 100 يوم الأولى لتوليه الرئاسة.

 لكن التغلب على الوباء لن يؤتي ثماره قبل مطلع الصيف المقبل، فالوباء أودى بحياة أكثر من 420 ألف أمريكي، والمتوقع أن يتجاوز 600 ألف وفاة في أكثر التقديرات تفاؤلا، والإصابات بلغت 25 مليونا.

ويعتزم بايدن تشديد إجراءات الإغلاق والتباعد ورفع الحد الأدنى للأجور، وسيترتب عليه المزيد من الخسائر والكثير من الإنفاق، ويرى بايدن أنه لا يمكن البدء في خطة جذرية للإنعاش قبل احتواء جائحة كورونا، ولهذا كانت القراراتالتنفيذية العاجلة تستهدف إحتواء الأعراض الناجمة عن تفاقم الأزمة وليست علاجا جذريا لها.

 أما خطة بايدن متوسطة الأجل فتعتمد على فرض ضرائب على الفئات الأعلى دخلا والشركات الكبيرة، لتوفير الأموال اللازمة للحد من البطالة والإفلاس الذي ضرب أكثر من 150 ألف منشأة إقتصادية متوسطة وصغيرة، مما يقتح المجال أمام خفض سريع لمعدلات البطالة، ويرفع عن كاهل الدولة الأعباء الناجمة عن صرف إعانات البطالة ودعم الفئات الفقيرة.

 والخطة التالية تعتمد على إنعاش الصناعات وخاصة العاملة في مجالات التكنولوجيا والسيارات الكهربائية والصناعات الحديقة، وتطوير البنية التحتية وفرض ضريبة تصل إلى 20% على الشركات التي تنقل مصانعها في الخارج، للحد من هروب الصناعات إلى دول جنوب شرق آسيا والبرازيل والمكسيك، والإستثمار في البحوث وتأهيل العمالة، لجدب الإستثمارات والتشجيع على شراء المنتجات الأمريكية.

 لكن طموحات جو بايدن وخططه تواجه الكثير من التعقيدات، وتتعارض مع مساعيه للحد من وضع القيود الجمركية، والتوقف عن سياسة الحمائية التي كان يطبقها الرئيس السابق ترامب، والتي أدخلته في حرب تجارية مع الصين وطالت حلفاء الولايات المتحدة في أورووبا وكندا. فليس بمقدور المنتجات الأمريكية أن تنافس السلع الصينية الرخيصة، وكذلك السيارات والصلب الآتي من أوروبا، ويحتاج إلى وقت طويل وصعب من أجل إعادة تأهيل الإقتصاد الأمريكي ليكون قادرا على المنافسة في ظل التمسك باتفاقية التجارة الحرة، والإحتكام للمنافسة الحرة وفقا لقانون العرض والطلب، ركيزة الإقتصاد الرأسمالي الحر.

 كما أن عودة بايدن إلى إتفاقية المناح سوف تلحق الضرر بعدد من الصناعات في مقدمتها شركات إستخراج البترول والغاز الصخري، والصناعات الضارة بالبيئة، في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من تراكم ديون تجاوزت 25 ترليون دولار، بما يفوق الناتج المحلي الإجمالي بنحو 7 ترليونات دولار.

 واقترب العجز في الميزان التجاري قبل جائحة كورونا من ترليون دولار سنويا، تضاعفت بعد الجائحة بأكثر من الضعف، بينما كان العجز في عام 2006 لا يتجاوز 260 مليار دولار، وكان الإقتصاديون يرون أنه معدل كبير في هذا الوقت، وأكثرهم تشاؤما لم يتوقع هذا الإرتفاع الهائل في المديونية والعجز في الميزان التجاري. لكن استمرار نزوح الصناعات إلى أسواق أقل في أجور العمال وأرخص في الخامات وأقل في الضرائب فاقمت الأزمة بسرعة فاقت التوقعات.

 وكان الإقتصاد الأميركي قد مر بعدة أزمات كانت بمثابة إنذارات من أزمة بنيوية مستفحلة، منها أزمة الركود في مطلع الثمانينات تلتها أزمة الأسواق المالية عام 1987 وأزمة شركات التقنية عام 1997 ثم إفلاس صندوق التحوط الأمريكي عام 1999، وشركة وورلد كوم عام 2001 وأزمة الرهن العقاري التي ظهرت عام 2007 بتهافت البنوك على منح قروض عالية المخاطر، كادت تهز أسواق المال بشدة. لكن دينامية الإقتصاد الأميركي وضخامته تمكنت من احتواء تلك الأزمات، دون أن تعيد هيكلة الإقتصاد الذي تراجع فيه الإنتاج الصناعي لصالح قطاعات الخدمات والبنوك. لكن الأزمة هذه المرة أكثر عمقا وخطورة، خاصة مع تعاظم منافسة الصين وتفوقها في عدد من المجالات، مما اضطر الولايات المتحدة لإجراءات حمائية تعكس إدراكها لعمق الأزمة، وخشيتها من منافسة شركات صينية مثل هواوي.

 وفي ظل تفشي جائحة كورونا حققت الصين نموا إيجابيا، بينما كان الإقتصاد الأمريكي قد انكمش بنسب بلغت نحو 34%، ورغم هذا الوضع الحرج للإقتصاد الأمريكي فمازال بعيدا عن شبح الإنهيار، ويحتل مقدمة الإقتصاد العالمي، لكنه مهدد بشدة بأن يفقد سباق الإحتفاط بالمقدمة بأسرع من التوقعات، خاصة إذا أقدم الإتحاد الأوروبي عن التخلي التدريجي عن الدولار والإعتماد على اليورو كعملة مرجعية، ولهذا فإن إدارة بايدن يقع على كاهلها أعباء ثقيلة وصعبة، وطريق طويل من أجل التعافي من تلك الأزمة، والتوصل إلى إتفاقيات مع الدول الكبرى حتى لا تتمدد الأزمة لباقي أنحاء العالم، والتوصل إلى حلول توافقية دون الدخول في صدامات وحروب تجارية وسباقات تسلح يمكن أن تعجل بانهيار سيعاني منه العالم كله.