بنوك الأعمال "ضحايا" إعادة
هيكلة القطاع المصرفي اللبناني

25.01.2021
مبنى جمعية المصارف لبنان
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

يبدو أن بنوك الأعمال اللبنانية مرشحة لأن تكون أبرز "ضحايا" عملية إعادة الهيكلة التي باشر القطاع المصرفي بإتخاذ بعض الخطوات بإتجاهها في ظل الظروف التي يمر بها القطاع والتقلص الذي أصاب موجوداته وتسليفاته فضلاً عن رساميله وسيوله.

أول غيث شطب بنوك الأعمال جاء من بنك عوده الذي أعلن مؤخراً عن دمج عمليات بنك عوده للأعمال ببنك عوده ش.م.ل. وإنتقال كافة موجوداته ومطلوباته وحقوق والتزامات إلى بنك عوده الأم.
وبحسب البيان الصادر عن بنك عودة "إن عملية الدمج تؤمن استمرارية العمل اللازمة إلى كافة عملاء بنك عودة للأعمال. كما ستحقق العملية قيمة مضافة وتناسق على صعيد التشغيل... كما أن عملية الدمج هذه، وبحسب البيان، تعزز تمركز بنك عوده التنافسي، إذ تسمح بتخفيف جوهري لإزدواجية المهام وخفض نفقات التشغيل. ولهذه الغاية تم إبتكار أدوات تناسق جديدة تجمع فيما بين أسس الحوكمة والرقابة التي يتبعها بنك عودة للأعمال والأسس المتبعة لدى بنك عودة".
وكان بنك عودة إتخذ خطوات أخرى بإتجاه إعادة الهيكلة فتم دمج بنك عودة للخدمات الخاصة (Private Banking) وباع فروعه في الأردن والعراق كما تمت عملية بيع بنك عودة – مصر، فضلاً عن عزمه على إقفال عدد من فروعه في لبنان. وإخلاء بعض المكاتب التي كان يشغلها.
غير أن البحث يقتصر على  خطوة دمج بنك الأعمال وإحتمال إمتدادها إلى البنوك المماثلة في القطاع المصرفي.

النتائج المباشرة:

وعلى الرغم من وصف بنك عوده لعملية دمج بنك عوده للأعمال بأنها خطوة استراتيجية، فإن النتائج المباشرة لعملية الدمج تتمثل في الآتي:
أولاً: الاستفادة من ضم رأس مال بنك عودة للأعمال على تواضعه إلى رأس مال بنك عوده كجزء من خطوة تعزيز رأس المال استجابة لزيادة الـ 20 في المئة التي فرضها مصرف لبنان في وقت سابق، وتحوطاً للإلتزامات المرتقبة التي ستترتب على بنك عودة في المرحلة المقبلة التي لم تتوضح معالمها حتى الآن.
ثانياً: المساهمة في تخفيض النفقات التشغيلية من خلال تقليص نفقات بنك الأعمال سواء من حيث المبنى المستقل الذي كان يشغله، أو من حيث الموظفين الذين كانوا يقومون بأعماله على الرغم من عددهم المحدود نسبياً.

دور بنوك الأعمال:

وإذا كانت عملية إعادة الهيكلة والتجميع المفروضة على المؤسسات المصرفية توجب أولوية دمج بنوك الأعمال التابعة لها، فإن مبرر الأولوية في هذا الإتجاه يظهر من خلال الدور المحدود الذي إضطلعت به بنوك الأعمال بمعظمها على مدى السنوات الماضية والتي أثمرت تأسيس 16 بنكاً للأعمال معظمها تعود ملكياتها إلى البنوك التجارية والباقي يتمثل في بنوك مستقلة غير تابعة لأي بنك تجاري.
وهذا الدور المحدود لبنوك الأعمال يظهر من خلال النسبة المتواضعة التي تمثلها موجودات بنوك الأعمال من إجمالي موجودات القطاع المصرفي والتي لم تتجاوز الـ 5 في المئة في أفضل السنوات. ولا مجال للخوض في الأسباب وراء هذا الدور المحدود، علماً أن بعضها مرده إلى التشريعات التي تحكم نشاط هذه البنوك، وإلى الظروف الاقتصادية والمالية التي شهدها لبنان على مدى السنوات الماضية.
ومع ذلك، فإن تأسيس بنوك الأعمال من قبل البنوك التجارية كان هدفه الأساسي تحويل قسم من الودائع إلى بنوك الأعمال. باعتبارها معفاة من الإحتياط الإلزامي المفروض على ودائع البنوك التجارية، مع الإشارة إلى أن بنوك الأعمال كانت تعتمد في منح القروض السكنية بشكل خاص.
تبقى الإشارة إلى أن أي عملية دمج لبنك أعمال بالبنك التجاري الذي يملكه، تعتبر قانوناً عملية شطب لأن التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان تلزم المصارف بعدم الدمج بين البنك التجاري وبنك الأعمال وتلزم بإستقلالية تامة لتشمل المبنى والإدارة والموظفين.

إنتفاء الدور:

يتضح من ذلك ومن واقع الأوضاع المصرفية في هذه المرحلة أن بنوك الأعمال قد تقلص دورها إلى حد بعيد أقله إنطلاقاً من التقييم الموضوعي لنشاطها في السنوات السابقة.
فالعودة إلى القروض السكنية غير متوقعة في هذه المرحلة نظراً إلى الإعتبارات المتعلقة بسياسة التسليف حالياً والتي تتجه نحو تقليص ما أمكن من التسليفات الممنوحة. أضف إلى ذلك أن القروض التي يمكن منحها بالليرة اللبنانية لم تعد قادرة على الإستجابة للأسعار الحالية للشقق، والتي غالباً ما يتم تسعيرها بالدولار.
كما أن العودة إلى الإكتتاب بسندات الخزينة ليست مرتقبة في المدى المنظور بسبب أوضاع المصارف التي لم تعد تسمح بمزيد من الإكتتابات في ضوء قرار الدولة الإمتناع عن تسديد سندات "اليورو بوندز" كما سندات الخزينة.
إلى ذلك، فإن الظروف الراهنة لا تثير الشبهة لتأسيس صناديق استثمار (Funds) وقبل أن تعود الثقة المحلية والخارجية بالاقتصاد اللبناني في ضوء الأزمة التي وصل إليها.
أما لجهة الدور الذي يمكن أن تلعبه بنوك الأعمال في مجال عمليات الدمج والإستحواذ، فإنه مرشح أن تتولاه جهات خارجية أو بعض الشركات المالية المؤهلة.

خريطة بنوك الأعمال:

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو مصير بنوك الأعمال الأخرى؟ في اللائحة المنشورة في التقرير السنوي الأخير لجمعية مصارف لبنان أن في لبنان 16 مصرفاً للأعمال مرخص له من مصرف لبنان. وبعد اندماج بنك عودة للأعمال باتت اللائحة تضم 15 مصرفاً ويمكن تقسيم هذه البنوك من حيث طبيعتها كالآتي:
أولاً: البنوك المملوكة من المصارف التجارية وعددها 9 مصارف وهي تتبع البنوك التالية: لبنان والمهجر للأعمال - البحر المتوسط للأعمال – الاعتماد اللبناني للاستثمار – البنك العربي سويسرا (لبنان)، فرنسبنك للأعمال – بيبلوس للأعمال – بيروت للاستثمار – انتركونتيننتال للاستثمار – بنك التمويل التابع لشركة انترا للاستثمار.
ثانياً: وهناك بنك "سيدروس انفست" الذي يشكل حالة خاصة خلافاً للمصارف الأخرى، إذ أن "سيدروس انفست" يملك بنك "سيدروس" أي بنك الأعمال هو الذي يملك البنك التجاري وليس العكس.
ثالثاً: وهناك مصارف مستقلة أي أنها غير مملوكة من مصارف تجارية وهي: بنك FFA – برايفت بنك – بنك CSC – بنك لي بنك (انفستمنت) – وبنك لوسد انفستمنت.
رابعاً: وهناك مصرف الإسكان وهو مصرف متخصص ويمثل حالة خاصة، إذ أنه مملوك من عدة مصارف وشركات تأمين إضافة إلى مساهمة حكومية، لكنه يدار من قبل القطاع الخاص.

من سيبقى؟

موضوعياً، وبعيداً عن أي تقييم لكل حالة على حدة، فإن بنوك الأعمال المملوكة من مصارف تجارية، مرشحة كلها للإندماج أو الشطب، إنطلاقاً مما سبق حول الدور المحدود لهذه البنوك وحاجة المصارف التجارية التي تملكها إلى إعادة هيكلة من أجل تعزيز رساميلها وخفض نفقاتها. وهذا الأمر متوقع، وبصيغ مختلفة، وتبقى هناك احتمالات أخرى.
ولعل الاستثناء القائم بين بنوك الأعمال المملوكة من مصارف تجارية إنما ينحصر بمصرفين هما:
أولاً: بنك لبنان والمهجر للأعمال (بلوم انفست)، وهذا الاستثناء مرده إلى أن "بلوم انفست" يضطلع بنشاط متميز وكان له ولا يزال حضور مميز على الصعيدين المصرفي والمالي. فبنك "بلوم انفست" يصدر عدداً من المؤشرات بينها مؤشر مدراء المشتريات (PMI) الذي تعده شركة MARKIT. كما يصدر مؤشراً للأسهم، ويملك منصة للإحصاءات الاقتصادية. فهو "صانع سوق" أساسي في بورصة بيروت. أضف إلى ذلك نشاطه في مجال صناديق الاستثمار وفي مجال الدمج والتملك، فضلاً عن الاستشارات المالية. ولعب البنك بقيادة مديره العام د. فادي عسيران، دوراً حيوياً من خلال مساهمته في العديد من الشركات المالية والقروض المشتركة. كما كانت له مساهمة متميزة مالياً وقانونياً في قيام الشركات المعنية بتطبيق المرسوم الصادر عن مصرف لبنان والخاص بتمويل الشركات الناشئة المتخصصة بالتكنولوجيا واقتصاد المعرفة.
ثانياً: ويشمل الاستثناء بنك "سيدروس انفست" لكونه، كما سبقت الإشارة، بنك الأعمال الوحيد الذي يملك مصرفاً تجارياً يحمل الإسم نفسه.

البنوك المستقلة:

أما البنوك المستقلة أي غير المملوكة من مصارف تجارية فمرجح لها أن تستمر وتفعل نشاطها وذلك للأسباب التالية:
أنها مستقلة ولا تتحمل أعباء انتمانها إلى مصارف تجارية وهي خلال الأزمة الراهنة، لم تتعرض إلى سحوبات لكونها لا تعمل في مجال صيرفة التجزئة.
إن هذه المصارف تكاد تكون كلها متخصصة على النحو الآتي:
بنك FFA برايفت، متخصص بالتطوير العقاري كدائرة مستقلة، إلى جانب اختصاصه في الأسواق المالية من خلال تواجده في دبي.
بنك CSC، المتخصص في كل ما يتعلق بإصدار بطاقات الإئتمان وله تواجد واسع في الأسواق الخارجية.
"لي بنك""ليفنت انفستمنت بنك" الذي ينشط في الأسواق الخارجية من خلال إمتلاكه لشركة مالية في لندن.
لوسيد انفستمنت، وله مصرف حديث وله نشاط استثماري في الخارج ويركز على نشاط التملك في الشركات. والواقع أن الظروف المصرفية التي يشهدها لبنان لجهة اهتزاز الثقة وارتفاع الفوائد المصرفية (قبل 17 تشرين الاول 2019) حالت دون تملك بنك لوسيد انفستمنت من لعب دور مهم في مجال التمويل العقاري.