البنك المركزي السعودي:
إنجاز كبير يستلهم طموحات رؤية 2030

13.01.2021
د. أحمد الخليفي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

أحد أهم أهداف البنك المركزي السعودي هو تمكين القطاع المالي لدعم التنمية الاقتصادية المستدامة وإدارة السياسة النقدية وتعزيز الاستقرار المالي؛ بما يتواءم مع السياسة الاقتصادية للحكومة، ويدعم الأهداف التي تحددها في كل مرحلة. ويمتلك البنك المركزي من أجل القيام بدوره مجموعة واسعة من الأدوات، ومن أهمها: إشرافه على القطاع المصرفي وقطاع التمويل وقطاع التأمين، وقدرته على تحفيز انسياب الأموال والموارد المتاحة نحو القطاعات التي تحظى في وقت معين بالأولوية في سياسات التنمية الحكومية، كل ذلك مع الحرص الدائم على قوة وسلامة السوق واستقرارها، وعلى ثقة المستثمرين والعملاء. 

إن أحد أهم الأهداف التي أطلقتها رؤية المملكة 2030 في العام 2016م كانت التمكين الاقتصادي للأسر السعودية عبر جعل النسبة الغالبة (70 في المئة) منهم مالكين لمنازلهم قبل حلول العام 2030م، وهذا عندما كانت نسبة هؤلاء لا تتجاوز الـ 52 في المئة في العام 2017م، أي بعد عام من إطلاق رؤية المملكة 2030.  ويتماشى مبدأ المملكة في تعميم الملكية الخاصة للمنازل مع إحدى أهم سمات الدول المتقدمة، كما إنه يتماشى مع خطط المملكة لتحقيق الرخاء ورفع جودة الحياة للمواطن السعودي. 

إن التوصل إلى زيادة نسبة السعوديين المالكين لمنازلهم من 52 في المئة إلى 70 في المئة في مدة زمنية قصيرة؛ كان تحديّاً هائلاً للدولة ولكافة المؤسسات والجهات المعنية؛ ولاسيما البنك المركزي السعودي (ساما) الذي تمكّن في مدة قياسية من ملاقاة خطط التحول الوطني عبر تطوير منظومة التشريعات والقواعد التنظيمية لسوق التمويل العقاري، ثم تطوير سوق متكاملة للتمويل العقاري والسكني يمكنها أن تلبي احتياجات مختلف الفئات. وتمّ استكمال ذلك بتعميق السوق وزيادة سيولتها، عبر إضافة خدمات إعادة التمويل العقاري، وطرح إمكانية خلق سوق ثانوية للقروض العقارية، وكذلك إمكان استخدام القروض المدعومة بالأصول العقارية؛ لإصدار سندات في السوق المالية السعودية (التسنيد).

إن القفزات الكبيرة في القروض الإسكانية الممنوحة من المصارف السعودية في العامين 2019م ثم 2020م؛ يمكن اعتبارها شهادة حاسمة على نجاح تلك الإستراتيجية والجهود الحكومية الجبارة التي استهدفت وضع المملكة في مصافّ الاقتصادات المتقدمة عبر إطلاق سوق التمويل العقاري بكافة مكوناتها في المملكة العربية السعودية.   

أما الآن، فإن سوق التمويل العقاري في طريقها إلى أن تصبح ربما القطاع الأكبر المستقطب لقروض المصارف والمؤسسات التمويلية؛ بدلاً من قروض الاستهلاك، وكذلك مساهماً بارزاً في الناتج المحلي وفي تطوير السوق وصناعات البناء. وبينما كان حجم التمويلات العقارية السكنية الممنوحة من البنوك والمصارف السعودية خلال العام 2016م لا يتجاوز 14.9 مليار ريال؛ فإن حجم التمويلات العقارية السكنية الجديدة والممنوحة من البنوك بلغ 74.35 مليار ريال خلال العام 2019م، بينما بلغ حجم التمويلات العقارية السكنية الممنوحة منذ بداية العام 2020م وحتى نهاية شهر نوفمبر من العام 2020م 120.8 مليار ريال. 

من أجل إدراك حجم هذا التحول السريع في السوق المالية السعودية؛ نذكر أن سوق الإقراض العقاري Mortgage lending في سوق عمرها مئات السنين مثل: بريطانيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 66 مليون نسمة؛ قُدِّرت بنحو 100 مليار دولار في نهاية العام 2019م، كما إن هدف الدولة السعودية في رفع نسبة الأسر السعودية المالكة لمنازلها من 52 في المئة في العام 2017م إلى 70 في المئة في العام 2030م؛ سيجعلها في موقع متقدم حتى على سوق مثل بريطانيا؛ إذ إن نسبة المالكين لبيوتهم تقدر حالياً بنحو 65.1 في المئة، كذلك فإن نحو 68 في المئة من الكنديين هم مالكون لمنازلهم، ونسبة كبيرة من الدول تقل نسبة ملكية المواطنين لمنازلهم فيها عن 50 في المئة من المجموع.  

دور البنك المركزي السعودي (ساما)

أدى البنك المركزي السعودي (ساما) دوراً أساسياً في وضع الأسس لسوق التمويل العقاري وذلك من خلال سنّ الأدوات النظامية اللازمة، من أهمها (نظام التمويل العقاري ولائحته التنفيذية) والتي تهدف إلى تحقيق نمو مستدام ومتوازن في السوق العقارية وتوفير التمويل العقاري لجميع شرائح المجتمع، وإيجاد كلفة تمويل معقولة لعقود التمويل العقاري، ورسم سياسات احترازية لإدارة المخاطر المتعلقة بالقطاع العقاري. هذا وتتجلى اختصاصات البنك المركزي بتنظيم قطاع سوق التمويل العقاري وفقاً للمادة الثانية من اللائحة التنفيذية لنظام التمويل العقاري، وله في سبيل ذلك:

1.  الترخيص لشركات التمويل العقاري بمزاولة نشاط التمويل العقاري، وفقاً لأحكام النظام، ونظام مراقبة شركات التمويل ولوائحهما.

2 .  اتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على سلامة القطاع واستقراره وعدالة التعاملات فيه.

3 .  اتخاذ الإجراءات اللازمة لتشجيع المنافسة العادلة والفعالة بين الممولين العقاريين.

4.   إصدار القواعد والتعليمات لتنظيم عمل القطاع.

5.   اتخاذ الوسائل المناسبة لتطوير القطاع، والعمل على توطين وظائفه، ورفع كفاءة العاملين فيه، بتنظيم إلتزامات الممولين العقاريين في شأن تدريب الموارد البشرية ورفع مهاراتها وتنمية معارف العاملين في القطاع.

 وكما إن النظام يعتبر البنك المركزي عيناً ساهرة على انتظام عمل القطاع المالي في مختلف المجالات؛ فقد كان من الطبيعي أن ينيط به مهمة الإشراف على المنظومة المتكاملة لسوق التمويل العقاري بما يحفظ الاستقرار، ويساعد السوق العقارية على القيام بدورها الاقتصادي والاجتماعي، ويجنّبها المشكلات التي تعرضت لها أسواق عديدة بسبب ضعف الرقابة والأطر المنظِّمة والمتابعة والإجراءات الاحترازية. ولتحقيق هذا الغرض؛ أعطى النظام صلاحيات واسعة للبنك المركزي في نشاط التمويل العقاري، وإعادة التمويل، والتأمين التعاوني، وصيغ البيع، وتسجيل العقود، وغيرها من العمليات، وفرض على جميع الأطراف بصورة خاصة قواعد محددة لاحتساب المخاطر وسياسات مالية، الهدف منها الحفاظ على استقرار السوق، من ذلك مثلًا: توجيه البنك المركزي لشركة إعادة التمويل العقاري بعدم الإفراط في منح التسهيلات بما يؤثر سلباً على التوازن في السوق. ويطلب البنك المركزي من كافة الجهات المعنية تزويده ببيانات وتقارير منتظمة عن نشاطها، وهو يعتمد على قاعدة البيانات الواسعة هذه من أجل التقييم المستمر لاتجاهات السوق ومؤشراتها، بحيث يمكنه استخدام الوسائل العديدة التي يملكها من أجل المحافظة على الاستقرار واحتواء المخاطر التي قد تنجم عن التطور العفوي، أو التسليف الواسع غير المتحوط لفورات النشاط العقاري والسكني التي شهدتها أسواق عديدة، علماً أن هذه الفورات كانت في العام 2008م في أساس الانهيارات المتوالية التي تعرضت لها السوق المالية العالمية، وما زالت تعاني من آثارها حتى اليوم. 

 

منظومة تمويل ناضجة ورقابة "المركزي" تؤمنان ازدهار  آمناً لسوق العقار

أضف إلى ذلك أن البنك المركزي يؤدي دوراً أساسياً في حماية حقوق جميع الأطراف؛ وأولهم المستفيد الذي فرض - بهدف حمايته - إلزامات إفصاح وشفافية عديدة في عقود البيع والتمويل والتسعير، وهيكل تكلفة القرض، وغيرها من عناصر التعاقد. لذلك قام البنك المركزي بتوفير صيغ نموذجية لعقود التمويل العقاري وذلك بصيغتي الإجارة والمرابحة، كما يقوم البنك المركزي بمراجعة نماذج عقود التمويل العقاري التي يصدرها الممولون العقاريون، والتأكد من مطابقتها لتلك الصيغ النموذجية، ومدى تحقيقها للحماية الواجبة للمستهلك والمستفيد. على سبيل المثال، يلزم البنك المركزي جهات التمويل بتوثيق عقود المرابحة وفقاً لحقيقتها التعاقدية بحيث تنقل ملكية العقار للمستفيد وترهن لجهة التمويل، وذلك بالإتساق مع نظام الرهن العقاري المسجل، هذا وقد رخص البنك المركزي لشركتي تسجيل عقود والتي بدورها تقوم بتسجيل عقود الإيجار التمويلي بما يساهم في حفظ حقوق طرفي العقد.

 وبصورة عامة، فإن أنظمة التمويل العقاري والإيجار التمويلي ولوائحهما التنفيذية جعلا أولى أهدافهما توفير أكبر قدر من الشفافية في الحقوق والواجبات الناجمة عن عقود التمويل العقاري.

إدارة ديناميكية

أحد الأهداف المهمة للبنك المركزي السعودي ليس وضع الأطر والسياسات  فقط التي يوجه باعتمادها من قبل أطراف سوق التمويل العقاري، بل هو أيضاً متابعة نتائج تلك السياسات؛ للنظر في إمكان تعديل ما يتبين عدم ملاءمته منها لظروف السوق أو لأهداف الدولة في تطوير السوق العقارية، وتشجيع المواطنين على التقدم بطلبات تمويل لشراء منازلهم الخاصة. وفي مايو 2018م قام البنك المركزي بإصدار مبادئ التمويل المسؤول للأفراد والتي تهدف إلى تعزيز جودة التمويلات الممنوحة للأفراد ما يساهم في المحافظة على استقرار القطاع المالي وبما لا يؤثر على نمو القطاع من خلال تشجيع التمويل المسؤول الذي يلبي الاحتياجات الفعلية لعملاء البنوك وشركات التمويل خصوصاً تلك المتعلقة بالحصول على المساكن والأصول بدلاً من الأغراض الاستهلاكية وتعزيز الشمول المالي من خلال توفير التمويل المناسب لجميع فئات المجتمع، مع مراعاة نِسَب التحمّل ضمن نطاق يمكن للعميل تحمله، وضمان العدالة والتنافسية بين الممولين بما يحافظ على فاعلية الإجراءات والآليات المتبعة من قبلهم وضمان كفاءتها. وعلى سبيل المثال، نصت اللائحة التنفيذية لنظام التمويل العقاري عند دخولها حيز التنفيذ في نوفمبر 2014م منحًى محافظاً عندما حظرت على جهات التمويل منح ائتمان بأي صيغة بما يزيد على 70 في المئة من قيمة المسكن؛ على أن يلتزم طالب التمويل بدفعة أولى قدرها 30 في المئة من قيمة العقار. 

لكن الشرط الأخير ووفقاً لأوضاع السوق تلك الفترة من انخفاض العرض وارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية، أدى إلى تباطؤ في معدل نموّ القروض العقارية الذي لم يتجاوز 8 في المئة في 2015م مقارنة بالعام 2014م، في حين تراوحت نسب النمو (حتى في غياب نظام التمويل العقاري) ما بين 17 و34 في المئة خلال الفترة الممتدة ما بين 2009 و2014م. 

وبعد دراسة الأوضاع السائدة لسوق التمويل العقاري وتحسن البيئة التنظيمية والتشريعية للقطاع، قام البنك المركزي بزيادة نسبة التمويل إلى قيمة العقار من 70 إلى 85 في المئة في مارس من العام 2016م وذلك للتمويلات المقدمة من شركات التمويل العقاري فقط، كما تمت زيادة نسبة التمويل إلى قيمة العقار للمسكن الأول تدريجياً  من 70 إلى 85 في المئة في يناير من العام 2017م للبنوك وزيادته مرة أخرى من 85 إلى 90 في المئة في يناير 2018م لجميع الممولين العقاريين. 

محرك أساسي للتنمية 

يعدّ إطلاق المملكة العربية السعودية لقطاع التمويل العقاري على أسس متينة وفي ظل رقابة البنك المركزي؛ أحد الإنجازات الضخمة - فعلاً- التي تحققت نتيجة لطموحات رؤية المملكة 2030، والتي حملت بذور كافة التحولات التي تشهدها المملكة بصورة حثيثة منذ العام 2016م. 

 

إن إطلاق سوق التمويل العقاري بمنظومته المتكاملة يضع الأسس لمساهمة هذا القطاع بصورة متزايدة في التنمية الاقتصادية السعودية، ويساهم في زيادة الخيارات السكنية والتمويلية للمواطن، وفي تنمية الاقتصاد الوطني، وتحفيز القطاع الخاص وقطاع البناء والصناعات والخدمات المرتبطة به. المهم هو أن المملكة حققت هذا الإنجاز مع ربطه بمؤسسات ومبادرات تستهدف كلها مساعدة محدودي الدخل على امتلاك منازلهم؛ سواء عبر القروض المدعومة أو عبر جمعيات الإسكان التعاوني، أو حتى عبر حملات التبرع المنتظمة للمواطنين.