دراسة شلمبرجير للنفط في لبنان :
أين القطبة المخفية

16.07.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عمر عبد الخالق

أثار قرار مجلس الوزراء بتاريخ 14 يوليو 2020 بالموافقة على تلزيم شركة، شلمبرجير وضع دراسة لتقدير ثروة الهيدروكربون المحتملة في البر اللبناني والمياه الإقليمية، الكثير من التساؤلات والاعتراضات، كان أبرزها تصويت 9 وزراء ضد القرار.

وبعيداً عن التجاذبات السياسية والخلافات القائمة في البلاد، تبرز عدة تساؤلات إدارية وتقنية واقتصادية لا بد من الإضاءة عليها: لماذا تم إحياء استدراج عروض قديم أجري في العام 2017؟ كيف وقع الاختيار على هذه الشركة؟ ما هي الجدوى التقنية والاقتصادية للدراسة وهل تبرر إنفاق الدولة اللبنانية مبلغ 650 ألف دولار لأجرائها؟

أولا في التوقيت والاختيار

في حين ان المناقصة قد تمت خلال العام 2017 لم يتم البت بها نظراً لتباين في الآراء بين الوزارة المعنية وديوان المحاسبة حول الإجراءات المتبعة خلال المناقصة. في حين ان شركة شلمبرجر قد تكون جددت صلاحية عرضها، هل هذا ينطبق على كافة العروض الأخرى لتأمين شرعية المناقصة في كافة عناصرها وخاصة بعد مرور ثلاثة أعوام على أجرائها؟ وفي كل الحالات، اليس من المنطقي إعادة المناقصة في ظل تدهور السوق النفطي والانكماش الاقتصادي بعد جائحة كورونا ما كان سيؤمن عروض اكثر تنافسية وبتكاليف اقل على الدولة اللبنانية.

لا شك ان شركة شلمبرجر هي من الشركات العالمية المرموقة والرائدة في عالم الخدمات البترولية. وهي شاركت في استدراج العروض المقام من قبل الوزارة من ضمن لائحة من الشركات المتخصصة ويبدو انهها قد قدمت العرض الأفضل ليصار إلى اختيارها. ولكن يبقى السؤال لماذا اللجوء إذا إلى عقد بالتراضي بالرغم من أجراء استدراج عروض؟ ماذا يبرر الحاجة أو السرعة في بت الموضوع؟ وماذا يبرر عدم إجراء مناقصة عمومية مع دفتر شروط يضمن استقطاب شركات مرموقة بتكاليف تنافسية؟

ثانياً في الجدوى التقنية

يتضح لنا ان الدولة اللبنانية قد قامت بمسوحات زلزالية ثنائية الأبعاد لخطين محدودين على البر في وسط وشمال البلاد بالإضافة إلى مسح جوي غطى معظم المنطقة الساحلية كما وكامل لبنان الشمالي. في حين ان تحليل هذه المعلومات سيكون له أهمية في فهم النظام الجيولوجي وإمكانية تواجد عناصر لمكامن هيدروكربونية، يعتبر الخبراء ان المعلومات الموجودة ضئيلة جداً ومن غير الممكن ان تؤدي إلى وضع "تقدير ثروة الهيدروكربونات" بطريقة علمية نظراً لكثرة الفرضيات واتساع الاحتمالات. لذلك لن يكون ممكناً البناء على هذه الدراسة أو أي من أرقامها لوضع استراتيجيات أو خطط للدولة اللبنانية. بالرغم من كثافة المسوحات الزلزالية الثنائية والثلاثية الأبعاد في البحر اللبناني لم يكن ممكناً وضع تصور جيولوجي دقيق ولا تحديد أي كميات للثروات الهيدروكربونية المحتملة حيث اثبت حفر البئر في البلوك ٤ وجود معلومات جيولوجية مختلفة كلياً عن ما كان متوقعاً.

هل هناك جدوى اقتصادية

يتساءل الخبراء عن الجدوى الاقتصادية لهكذا دراسة وعن إمكانية تأثيرها في ظل الأزمة المالية والاقتصادية المتدهورة التي تمر بها البلاد. فهو كما ذكرنا أعلاه لن تؤكد هذه الدراسة وجود موارد هيدروكربونية مثبتة ممكن ان تضاف إلى أصول الدولة أو ان تنعكس إيجابا على الوضع المالي أو الاقتصادي. كما ان الدراسة لن تتمكن من إعطاء التحفيزات اللازمة للشركات المنقبة للاستكشاف والاستثمار والتي عادة هي التي تقييم هذه البيانات حسب معلوماتها وإجراءاتها الداخلية وتتحمل كافة تكاليف الدراسات اللازمة وأعمال الحفر والتطوير وإيجاد الأسواق اللازمة على ان تسترد هذه التكاليف من عائدات الإنتاج.

أضف إلى ان النظام البترولي الحالي والمعمول به على البر يعود إلى أيام الانتداب الفرنسي وهو نظام غير صالح لاستقطاب الاستثمارات في قطاع النفط على البر. وهنا لا بد من التذكير بمشروع قانون إدارة الموارد البترولية في البر والذي تم تقديمه إلى المجلس النيابي في العام 2014 وتمت دراسته من قبل لجنة الأشغال العامة والنقل عام 2017 وتم رفع نسخة معدلة عنه إلى الهيئة العامة عام 2019 وهو قيد الدرس. ويلحظ هذا القانون إجراءات عصرية لحوكمة القطاع وأليات لمنح التراخيص كما يعالج صلاحيات إدارة وإشراف ومراقبة كافة الأنشطة البترولية على البر والبحر بجهة حكومية واحدة (هيئة إدارة قطاع البترول) حسب أفضل الممارسات العالمية المتبعة. فكان الأجدر بالوزارة العمل على إقرار القانون من قبل مجلس النواب. 

وهناك سؤال كبير، يطرح نفسه، يتعلق بموقف شركة شلمبرجير بعد الشكوك التي أثيرت حول العقد أثيرت، لا سيما وأنها شركة عالمية تتبع إجراءات صارمة لتقييم المخاطر التعاقدية وتطبق آليات للتدقيق داخلية وقواعد سلوك مراعية معايير عالمية عالية تضمن الشفافية والنزاهة.

إلى متى يستمر تخبط الحكومة في تحديد الأولويات والاستراتيجيات الوطنية في حين يسود الفساد في آليات التوريد والتلزيم التي تفتقد الشفافية والمنافسة النزيهة، وفي حين تنهار القطاعات الاقتصادية والخدمية واحداً تلو الآخر.