قانون قيصر: رسالة بعنوان "الأمر لي" موجهة
الى الحلفاء والخصوم قبل الأعداء

19.06.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب ياسر هلال 

قانون قيصر الأميركي هو "رسالة" عنوانها "الأمر لي" موجهة إلى الحلفاء والخصوم قبل الأعداء، ويأتي تعبيراً عن التحول في استراتيجية أميركا في سوريا والمنطقة باتجاه استعادة زمام المبادرة. وهو يستهدف "تبليغ" روسيا بأن الانتصار العسكري لا يعني التسليم بتسوية سياسية واقتصادية بدون دور رئيسي لأميركا، وكذلك "تبليغ" الحلفاء بأن وقت التطبيع وعقود إعادة الإعمار لم يحن بعد. وبهذا المعنى فإن القانون لا يستهدف فقط سوريا وإيران المحاصرتين أصلاً بكل انواع العقوبات والعزل، إلا أذا قررنا ان نصدق عن سابق تصور وتصميم، أنه يهدف إلى حماية المدنيين الذين أدمت صور تعذيبهم قلوب أعضاء الكونغرس وأركان الإدارة الأميركية. 

تتمثل خطورة قانون قيصر في كونه أقر في إطار قانون تفويض الدفاع الوطني بشبه إجماع من الكونغرس بمجلسيه، وجاء متسقاً مع تقرير "مجموعة دراسة سوريا" التابعة للكونغرس الذي أعتبر ان الحرب في سوريا لم تنته وقد تشهد مرحلة جديدة، ودعا إلى "طرد" القوات الإيرانية، وإلى استطلاع إمكانية عقد تسوية مع روسيا.

وعليه فإن القانون هو رسالة مثلثة الاتجاهات كما يلي: 

 الرسالة الاولى إلى روسيا ومفادها ان أميركا سهلت أو "غضت النظر" بأحسن الاحتمالات، عن سحق المعارضة وتحقيق الانتصار العسكري، ولكنها نبلغكم أن التوظيف السياسي والاقتصادي لهذا الانتصار "ممنوع". فأميركا هي التي تصنع التسويات وهي التي تعيد الإعمار وبشراكة متفق عليها مع روسيا... فتعالوا لنتحاور ونتفق. 

الرسالة الثانية إلى إيران؛ ومفادها انه لا مكان ولا دور لها في سوريا إلا بالقدر الذي تقرره أميركا بالاتفاق مع روسيا التي صنعت الانتصارات العسكرية. أما الوجود الإيراني في سوريا ولبنان، فهو "ورقة" غير قابلة للصرف في سوق النفوذ الإقليمي. وعلى إيران وحلفائها المحليين أن يقرروا أما "حرق" هذه الورقة عبر إعادة تسعير الحرب في سوريا، وإشعال حرب مماثلة في لبنان، وأما صرفها في السوق المحلية فقط من خلال دخول الأطراف المؤيدة لإيران في تسوية سياسية ترسمها أميركا بالتفاهم مع روسيا. 

علماً إن أميركا تدرك سلفاً ان سياسة الحصار والعقوبات والعزلة على سوريا وإيران غير مجدية، فهما تخضعان أصلا لكل أنواع العقوبات والعزل. كما أصبحتا تمتلكان الخبرة والآليات والشراكات للالتفاف على العقوبات وتقليل آثارها، بل هناك من يرى أن المبالغة في فرض العقوبات ستؤدي إلى مزيد من اعتماد النظام السوري على الدعم الإيراني رغم ضآلته.

رسالة روسيا: لا تسويات بدون أميركا، رسالة إيران: لا نفوذ إقليمي، رسالة الحلفاء: لا تطبيع وإعمار

الرسالة الثالثة إلى الحلفاء وخصوصاً في الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية، ومضمونها، ان وقت تطبيع العلاقات مع سوريا وحجز دور في ورشة إعادة الإعمار، لم يحن بعد، والإصرار على مواصلة هذه المساعي سيعرضهم لعقوبات مؤلمة. ويبدو إن الرسالة وصلت إلى هذا العنوان، حتى قبل إرسالها، وبمجرد توقيع الرئيس ترامب على القانون. 

في القانون نفسه

تمت صياغة القانون بقدر كبير من "الدهاء السياسي" ليشكل سيفاً مسلطاً على رقاب الحلفاء والخصوم والأعداء وليكرس الدور المهيمن لأميركا بدون أي عمل عسكري. كما تمت صياغته بقدر أكبر من "الدهاء التشريعي" فجاءت نصوصه مطاطة و"حمالة أوجه" في جوانب العقوبات والاستثناءات ما يتيح للإدارة الأميركية هامشاً واسعاً للمناورة في استخدامه. 

ينص القانون على عدد من الشروط أو المعايير التي يجب على النظام وحلفائه الوفاء بها لرفع العقوبات وتشمل: وقف الغارات الجوية على المدنيين، السماح بوصول المساعدات الإنسانية، الإفراج عن السجناء السياسيين، الامتثال لمعاهدات حظر الأسحلة البيولوجية والكيميائية والنووية، العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وإرساء نظام للمساءلة الحقيقية والفعالة، وتحقيق المصالحة. 

هل يكون "قيصر أميركا" هو "السلم" الذي يستخدمه "قيصر روسيا" للنزول عن شجرة سوريا؟ 

والتمعن في هذه المعايير يوضح مدى "الدهاء والخطورة" في صياغة القانون. فهي تعني أن أميركا تخلت عن هدفها المعلن سابقاً وهو "تغيير النظام" واستبدلته بهدف "تغيير سلوك النظام"، وصورت هذه الموقف كتنازل مهم لصالح روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، مع علمها المسبق أن النظام لا يرغب ولا يستطيع قبول هذه المعايير، ما يجعل هدف تغييره "تحصيل حاصل". 

بل يمكن القول أن اميركا غير مهتمة بقبول أو رفض سوريا ومن ورائها إيران لمعايير قيصر، بقدر ما هي مهتمة بإعادة الإمساك بزمام المبادرة، وسيتحقق لها ذلك سواء قبلت سوريا أم رفضت. فإذا قبلت الالتزام بالمعايير فستقوم أميركا برفع العقوبات وإطلاق عملية سياسية لإنهاء حالة الحرب وتحقيق المصالحة، تحت إشرافها وبشروطها. وإذا لم تقبل، فسيتواصل "خراب البصرة"، وأيضاً تحت إشرافها وبشروطها، إلى أن "تنضج الطبخة" على نار استنزاف إيران اقتصادياً ومالياً، ودون ان نستبعد إعادة استنزافها عسكرياً، باعتبار أنها لن تقبل سقوط سوريا مالياً واقتصاديا بعد ان منعت سقوطها عسكريا.

إقناع القيصر 

إن ما أكثر ما يهم أميركا حالياً هو إقناع روسيا بإحياء وتطوير التفاهمات معها على إدارة الملف السوري والملف اللبناني بالتبعية. وإقناعها أن مسارات التسوية التي تحاول فرضها والمستندة إلى الانتصارات العسكرية، لا يمكن لأميركا قبولها. 

والسؤال الكبير الآن هل نضجت طبخة التفاهم الروسي الأميركي، ويكون قانون قيصر هو السلم الذي يستخدمه "القيصر الروسي" للنزول عن شجرة سوريا؟

المعطيات والمواقف لا تزال متضاربة وعرضة لكل انواع التأويل والتحليل، وبانتظار الخبر اليقين من "جهينة"، هناك جملة حقائق "تنفع" التحليل وتسهل الاستنتاج، وأهمها:

- سيؤدي تطبيق القانون إلى مفاقمة الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية في سوريا، ما يهدد بتقويض الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها النظام بدعم روسي. وهو الأمر الذي يضع روسيا أمام خيارين؛ أما التضحية بعدة مليارات من الدولارات لتوفير الدعم اللازم، وهو أمر مستبعد لأنه يضعها في مواجهة مباشرة مع قانون قيصر أولا، وثانياً لأن الدعم قد يوظف في تقوية النفوذ الإيراني كما حصل  في الدعم الذي قدمته لمناطق الجنوب السوري العام الماضي. 

- تدرك روسيا أن القانون لم يأت كردة فعل انفعالية، بل هو جزء من تحول استراتيجي في السياسية الأميركية، وجاء متسقاً مع توصيات تقرير "مجموعة دراسة سوريا" التابعة للكونغرس الأميركي الصادر في سبتمبر 2019. الذي اعتبر ان الحرب في سوريا لم تنته، وقد تدخل مرحلة جديدة. وأوصى الإدارة "بعدم سحب القوات الأميركية، واختبار مدى استعداد روسيا لدعم التسويات السياسية التي تحظى بموافقة الولايات المتحدة، ومواصلة التركيز على طرد القوات الايرانية.

- هناك من يقول إن روسيا تصفق سراً لقانون قيصر، لأنه يضعف إيران والنظام، ما يسهل لها السيطرة الكاملة بالتنسيق والتضامن والتكافل مع الولايات المتحدة. خصوصاً وأنها باتت مربكة في التعامل مع الموقف الضبابي للنظام في سعيه للموازنة بين النفوذين الروسي والإيراني. وذلك ما عبر عنه بوضوج المبعوث الخاص الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري بقوله "إن روسيا ليست سعيدة مع النظام السوري، ولكنها لا ترى حالياً بديلاً عنه حالياً". 

- حققت روسيا من تدخلها في سوريا مكاسب ضخمة إقليمياَ ودولياً، وتكلفت تضحيات مالية وبشرية ضخمة أيضاً، وهي تدرك إن هذه المكاسب عرضة للضياع في حال عودة الإضطرابات بل إعادة إشعال الجبهات، أو ترسيخ حالة التقسيم القائمة حالياً. 

- إن الولايات المتحدة لا تطلب دعم روسيا لضرب إيران، بل جل ما تطمح إليه إقناعها بمواصلة لعب دور المتفرج، الذي تمارسه تجاه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، والاقتناع بأن الانهيار الاقتصادي يسهل سيطرتها على الأصول والمقدرات السورية بأبخس الأثمان. 

هل يتجه "قيصر روسيا" إلى تعزيز تعاونه مع إيران لمواجهة "قيصر أميركا"؟ أم يواصل لعب دور المتفرج فيقدم مبكراً هدية الفوز بالانتخابات للعم ترامب؟  

أنها لعبة الأمم فينا وعلينا... فلنواصل لعب دور المتفرج.