د. جهاد أزعور: ثلاثية IMF للعرب
القطاع الخاص، التكنولوجيا، التعاون الإقليمي

08.06.2020
د. جهاد أزعور
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
مروان النمر

في أبريل الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن يؤدي كورونا إلى انكماش نمو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعدل -3.3 في المئة للعام 2020، أي ما يعادل حذف 425 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة. لكن مدير الصندوق للشرق الأوسط وآسيا الوسطى د. جهاد أزعور يكشف في حديث شامل لـ "الاقتصاد والأعمال" أن تراجع نمو المنطقة سيتجاوز هذه التوقعات. ملقياً الضوء على سيناريوهات انتقال الاقتصادات العربية إلى المرحلة الثانية من مواجهة الأزمة والمتمثلة بإعادة تحريك الاقتصاد. 

كورونا والنفط

يرى أزعور أن "دول المنطقة أصبحت على مشارف نهاية المرحلة الأولى وبداية المرحلة الثانية من التعامل مع تداعيات فيروس كورونا. حيث تركزت الأولى على مواجهة الجائحة، من خلال اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية حياة الناس، والتي أدّت إلى انخفاض كبير للحركة الاقتصادية، فقامت الحكومات بخطوات سريعة ومتنوعة لتأمين أكبر قدر ممكن من الاستقرار الاقتصادي، لاسيما على مستوى المالية العامة، وبلغت تكلفة هذه الإجراءات ما بين 2.7 إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة، كمعدل وسطي، مع وجود تباين في حجم الدعم والمبادرات بين دول المنطقة بحسب الوضع الاقتصادي لكل بلد". 

ويضيف بأن هذه المرحلة "تميزت أيضاً بتقديم وزارات المال والبنوك المركزية في معظم الدول العربية لحزم مالية متنوعة لتخفيف الأعباء عن الشركات والقطاعات المتضررة، كتأجيل الضرائب وتخفيف الرسوم وخفض الفوائد وتقديم الدعم للقطاع الخاص، لاسيما للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة".

تراجع نمو المنطقة سيفوق توقعات بداية كورونا

ويوضح أزعور أن "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالتزامن مع كورونا، عانت من صدمة موازية تمثلت في انخفاض أسعار النفط، مما أثر على الدول المصدرة بشكل مباشر، والتي يُتوقع ان تتراجع صادراتها بقيمة 250 مليار دولار هذا العام. كما أثر على الدول المستوردة بشكل غير مباشر، لناحية انخفاض التدفقات الرأسمالية والاستثمارية وخروج الأموال من أسواقها المالية، والأهم من ذلك تراجع تحويلات العاملين في الخارج، حيث تّعدُّ دول مجلس التعاون الخليجي، بعد أوروبا، ثاني أكبر مصدر لهذه التحويلات عالمياً، ومعظمها تتجه نحو دول المنطقة القريبة كمصر ولبنان والأردن ودول المغرب العربي".

نقاط الضعف

بما يتعلق بالمرحلة الثانية، يشير أزعور إلى أن "دول المنطقة بدأت تخرج تدريجياً من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها للحد من انتشار كورونا. لكن هذه المرحلة تتسم بتحديات عدة، تنقسم إلى خارجية وتتمثل في سرعة خروج الاقتصاد العالمي من الأزمة وكيفية تطور أسعار النفط، وإلى تحديات داخلية تتعلق بمدى سرعة وقدرة حكومات المنطقة على التكيف ومباشرة تحريك العجلة الاقتصادية، لاسيما الدول المستوردة للنفط والتي تأثرت بشدة قطاعات حيوية لاقتصاداتها، كقطاع السياحة الهام جداً لكل من مصر وتونس والمغرب والأردن ولبنان".

إلى ذلك، فإن "التحدي الإضافي هو الحفاظ على المكتسبات، وأولها يتعلق بصحة المواطنين، عبر معالجة نقاط الضعف التي برزت على صعيد الصحة العامة، وإعطاء الأولوية من حيث الإنفاق لهذا القطاع. وصندوق النقد الدولي يلعب دوراً محورياً في هذا الإطار من خلال ألية المساعدة الطارئة (Rapid Facility) التي تم إقرارها لمواجهة كورونا واستفادت منها العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل سريع".

ديون الدول العربية سترتفع

ويتابع أزعور: "دول المنطقة في مرحلة انتقالية، تتمثل في الخروج من مواجهة كورونا إلى إعادة تحريك الاقتصاد والتكيف مع مرحلة مختلفة عما كان عليه الاقتصاد العالمي والإقليمي قبل الجائحة، مما يتطلب من حكومات المنطقة الإسراع في القيام بكل ما يلزم لتحريك اقتصاداتها، لاسيما وأن العديد من الدول العربية دخلت أزمة كورونا وهي في وضع اقتصادي ضعيف أصلاً، ولديها معدل نمو أقل من المطلوب بكثير لتخفيض البطالة وخلق الوظائف ورفع مستوى الوضعين الاقتصادي والاجتماعي".

محركات النمور

ما هي متطلبات الانتقال إلى المرحلة الثانية؟ يجيب أزعور: "المطلوب اليوم من الحكومات العربية القيام بكافة الخطوات اللازمة لتحريك عجلة الاقتصاد وتحسين الإنتاجية وتنشيط الاستثمار. ومن أبرز الإجراءات الضرورية لتحقيق هذه الأهداف تسهيل حركة القطاع الخاص، المحرك الأول للاقتصاد، والمساهمة في تكبير حجم التمويل المتوفر للشركات، لاسيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. فاستكمالاً للمبادرات التي أطلقتها وزارات المال والبنوك المركزية في عدد كبير من الدول العربية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، هناك ضرورة حالياً لإعادة ضخ حيوية وتمويل لتنشيط حركة القطاع الخاص، كاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتخفيض كلفة الإنتاج، وتخفيف البيروقراطية الإدارية، بالإضافة إلى دعم بعض القطاعات الأكثر تأثراً بالأزمة كالسياحة والطيران والزراعة".

جذب الاستثمار المباشر سيكون أكثر صعوبة من قبل

ويُنوّه أزعور بمستجدٍ برز كإحدى النقاط المضيئة لكورونا، "ويتمثل في قطاع التكنولوجيا الذي ساهم بشكل كبير في تحسين قدرة المجتمعات والاقتصادات على مواجهة آثار الأزمة. وعليه، من الضروري استفادة دول المنطقة من هذا التطور، خصوصاً وأنها تمتلك مجتمعات شابة ومتعلمة، وبالتالي من الضروري الاستثمار في التكنولوجيا للتحول إلى قطاع منتج ومولد للوظائف".

معضلة الديون

يشدد أزعور على أن "الحفاظ على الاستقرار المالي هو خط الدفاع الأول لدى الدول العربية، خصوصاً وأن عدد بلدان المنطقة ذات مستوى الدَين المرتفع زاد بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة، لاسيما الدول المستوردة للنفط التي يعاني ثلثيها من مستوى دَين يفوق نسبة 80 في المئة من ناتجها المحلي، مما يستوجب التنبؤ والتحوط لمخاطر ارتفاع الدَين، وتخفيف مخاطر ارتفاع العجز على الاقتصاد، وذلك من خلال تجنب الخيارين المتمثلين بالحصول على قروض بفوائد مرتفعة أو تمويل الحكومة على حساب القطاع الاقتصادي (Crowding Out)".

متوقعاً أنه "مع تراجع النمو وتأثير ذلك على الإيرادات الحكومية، فإن حجم الدَين في معظم الدول العربية سيرتفع حكماً، ويتم معاجلة ذلك من خلال مسارين، الأول تكبير حجم الاقتصاد بما يتيح للدول تخفيف عبء الدَين دون زيادة أعبائه على المواطنين. والمسار الثاني، القيام بإصلاحات بنيوية، تزيد إنتاجية الاقتصاد وتعزز التمويل للقطاع الخاص وتحسن سوق العمل. بموازاة تخفيض عبء الدولة على الاقتصاد والذي يعتبر المسبب الأول لارتفاع مستوى الدَين".

انحسار موجة نزوح الأموال من البورصات العربية

ومع انخفاض أسعار النفط، يرى أزعور أنه "أصبح بإمكان الدول التي لم ترفع الدعم حتى الآن عن المحروقات والكهرباء، وهو دعم غير هادف ومجحف اجتماعياً، أن تحول جزءاً من هذا الدعم إلى المنظومة الصحية والقطاعات الإنتاجية، وأن تعيد النظر في سياسات الحماية الاجتماعية وتوجيهها نحو دعم الفئات الأكثر تضرراً وتهميشاً كالعمالة غير الرسمية التي تأثرت بدرجة كبيرة جرّاء كورونا".

متطلبات النهوض

"الهدف في أي سياسة اقتصادية يجب أن يكون تحسين حياة الموطنين وتخفيف التشوهات الموجودة"؛ بحسب أزعور. ولتحقيق ذلك على صعيد الدول العربية، فإنها "تحتاج لمعدلات نمو أعلى، مما يتطلب تحسين إنتاجية الاقتصاد. والجهة الوحيدة القادرة على لعب هذا الدور هو القطاع الخاص، لكنه بحاجة لمساحة أكبر كي ينمو، وعلى الحكومات تأمين هذه المساحة من خلال تحسين بيئة الأعمال وتخفيض كلفة التمويل. كذلك هنالك مجموعة من الإجراءات الواجب تسريعها، كتخفيف المعوقات من أمام الحركة الاقتصادية والتجارية الإقليمية ورفع مستوى المشاركة بين اقتصادات المنطقة لخلق أسواق أكبر، بالإضافة إلى تخفيف البيروقراطية وتحفيز الاستثمار في قطاع التكنولوجيا والاتصالات". 

مُعتبراً أن "كورونا شكل فرصة لإبراز قدرة الحكومات والمجتمعات والاقتصادات في المنطقة العربية على سرعة التحرك، وعلى الخروج من الروتين التقليدي، وإمكانية التعاون بين القوى الثلاث المتمثلة في الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وهذا النموذج يجب أن يستكمل ويسخر لعملية النهوض الاقتصادي داخل كل بلد، ولخلق مساحة جديدة من التعاون الاقتصادي العربي لتوسيع حجم السوق، لاسيما مع بروز تحديات جديدة بما يتعلق بمنظومة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد وضرورة تنويع مصادر الإنتاج. وعلى سبيل المثال، فإن تخفيف المعوقات من أمام الحركة الاقتصادية بين دول المغرب العربي يؤدي إلى رفع النمو بنسبة 1 في المئة لكافة هذه البلدان ولعدة سنوات، وكذلك الأمر بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي. باختصار، يجب التركيز على تعزيز دور القطاع الخاص، والاستثمار في التكنولوجيا، وتفعيل منظومة التعاون الإقليمي".

الاستثمار الرأسمالي والمباشر

يفصح أزعور أن "الدول العربية خلال الأعوام الخمسة الماضية كانت جاذبة للاستثمارات الرأسمالية إلى المحافظ (Portfolio Investments) أكثر بكثير من استقطاب الاستثمارات المباشرة. وبفعل كورونا، تعرضت معظم الأسواق المالية في المنطقة، كغيرها من الأسواق الناشئة، لموجة نزوح رساميل. لكن بعد هذه الموجة، التي كانت في أشدها خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل الماضيين، شهدنا استقراراً ملحوظاً في حركة الأسواق وعودة تدريجية للمستثمرين من خارج المنطقة، لاسيما إلى سوق السندات، حيث أصدرت قطر سندات بقيمة 10 مليارات دولار، والسعودية 7 مليارات، وأبوظبي 7 مليارات، ومصر 5 مليارات، والبحرين مليارين، ولاقت هذه الإصدارات إقبالاً كبيراً من المستثمرين".

أما بالنسبة للاستثمارات الخارجية المباشرة، فيرى أنه "ستكون هناك صعوبة في استقطابها خلال المرحلة القريبة المقبلة، وهناك ضرورة لقيام الحكومات العربية بخطوات نوعية ومبتكرة وغير مسبوقة لتحفيز هذه الاستثمارات وجذبها، فالاستثمار المباشر يتطلب استقراراً اقتصادياً وآفاق نمو مرتفعة ورؤية واضحة ومناخ مؤاتٍ ومشجع وحجم سوق كبير، فضلاً عن بيئة استثمار تتميز بتخفيف الإجراءات والبيروقراطية التي تعيق عمل المستثمر".

قروض الصندوق

عن تقديره لحجم خسائر دول المنطقة الناجمة عن كورونا حتى الآن، يكشف أزعور أن "صندوق النقد الدولي اليوم في طور إعادة تقييم الأرقام والتوقعات لهذا العام، وخلال أسبوعين تتضح الصورة". لافتاً إلى أنه "في نيسان/بريل الماضي كانت المعطيات تشير إلى تراجع النمو الاقتصادي للمنطقة بنسبة 4 في المئة كمعدل عام، لكننا نتوقع أن يصبح هذا التراجع أكبر مما كانت عليه التوقعات قبل شهرين". 

صندوق النقد الدولي قدّم 14 مليار دولار لسبعة دول عربية حتى الآن

 

بالنسبة للقروض لدول المنطقة، يعلن أزعور أن "الصندوق تلقى طلبات للحصول على دعم مالي من حوالي 10 دول عربية، وعملنا على إقرار معظمها بشكل سريع، فتم تقديم قروض لكل من مصر والمغرب وتونس والأردن وموريتانيا وجيبوتي والصومال بقيمة إجمالية تناهز 14 مليار دولار، كما يتم حالياً درس طلب لبنان للحصول على قرض سريع، وكذلك تقدم العراق باستفسار لكنه لم يطلب قرضاً حتى الآن". متوقعاً أن يزيد تمويل الصندوق لدول المنطقة خلال العام 2020 بنسبة 75 في المئة عن العام الماضي.