لبنان: مفاوضات أشبه ما تكون بإضاعة الوقت
صندوق النقد الدولي حدد شروطه
والمطلوب البدء بتنفيذها

20.05.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عمر عبد الخالق
تستمر المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وبعثة صندوق النقد الدولي والتي تستهدف الوصول إلى توافق مُشترك يؤدي في خطوة تالية إلى تقرير مقدار وكيفية مُساعدات الصندوق المالية الموعودة. وبقطع النظر عما يشوب هذه المفاوضات من غياب توافق بين أطراف الجانب اللبناني سواء على مستوى الأرقام أم التوجهات، فإن المفاوضات القائمة هي أشبه ما يكون بعملية إضاعة الوقت أو محاولة "التشاطر"  ولن تؤدي إلا إلى المزيد من إضاعة الوقت الذي هو ليس في مصلحة لبنان.
المادة الرابعة
يقوم صندوق النقد في العادة بإرسال بعثات إلى الدول الأعضاء كجزء من المشاورات المنتظمة،السنوية عادةً، بمقتضى المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق، أو في سياق طلب من البلد العضو باستخدام موارد الصندوق ،أي الاقتراض منه، أو كجزء من المناقشات بشأن البرامج التي يتابعها خبراء الصندوق. وبعد الزيارة تقوم البعثة برفع ملاحاظاتها إلى المديرين التنفيذيين للصندوق الذين يصدرون بياناً يصف في العادة الاستنتاجات الأولية التي يُعتبر السير بها حجر الأساس لمساعدة الدول الأعضاء. 
لذا المطلوب اليوم واضح وهو مبادرة الحكومة إلى تنفيذ الاستنتاجات الأولية التي خلص لها خبراء الصندوق في ختام زيارتهم الأخيرة إلى لبنان والتي التقوا خلالها ممثلين عن الحكومة ووزارة المالية ومصرف لبنان وجمعية المصارف والتي تتلاقى بمعظمها مع الشروط التي وضعتها الجهات المانحة في مؤتمر "سيدر" لتقديم قروض ميسّرة للبنان. 
شروط الصندوق
وألقى هذا البيان الضوء على أهم النتائج والتوصيات التي خرجت بها بعثة مشاورات المادة الرابعة التي زارت لبنان، وجاءت المقترحات في التقرير على الشكل التالي:
- زيادة معدلات ضريبة القيمة المضافة ورسوم المحروقات، مع بذل جهود لتعزيز الامتثال الضريبي: كذلك فإن الزيادة المؤقتة في الضريبة على الدخل من الفائدة في موازنة عام 2019 يمكن جعلها دائمة. ويمكن أيضاً تحقيق زيادة كبيرة في الإيرادات عن طريق توسيع قاعدة ضريبة القيمة المضافة من خلال إلغاء الإعفاءات على بعض السلع مثل اليخوت المسجلة في الخارج، والديزل المستخدم لتوليد الكهرباء، والمركبات الألية. وينبغي أيضاً تحسين الإدارة الضريبية، وهو ما يمكن أن يحقق إيرادات إضافية مهمة، بما في ذلك ما يمكن تحصيله ممن يتهربون حالياً من الضرائب. غير أن تحسين التحصيل الضريبي سيتطلب إجراء ملموساً. وأحد الخيارات في هذا الصدد هو إلزام الشركات بعدم استخدام أي كشوف مالية إلا المعتمدة من وزارة المالية  للحصول على قروض من البنوك. 
- إلغاء دعم الكهرباء: تهدف الخطة الحكومية لقطاع الكهرباء إلى التحول من استخدام الوقود إلى استخدام الغاز الطبيعي لخفض تكاليف الإنتاج في المصانع القائمة، وزيادة قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على تلبية الطلب، ثم زيادة التعرفة لإلغاء دعم الكهرباء لسد العجز لدى مؤسسة كهرباء لبنان على المدى المتوسط في ظل افتراضات قوية وواقعية بشأن الحد من الخسائر الفنية وغير الفنية. ومن الضروري البدء في زيادة التعرفة في أقرب وقت ممكن لتحقيق وفورات في المالية العامة، وربما استهداف أكبر المستهلكين أولا. كما من شأن قيام مؤسسة كهرباء لبنان بزيادة إمدادات الكهرباء لتصبح على مدار الساعة أن يقضي على واحد من أكبر القيود التي تعيق ممارسة الأعمال في لبنان
- إجراء مراجعة شاملة للإنفاق العام لتحديد المجالات الأخرى التي يمكن تحقيق وفورات فيه: يمكن أن يُبنى ذلك على الجهود الجارية لدراسة خيارات إصلاح نفقات الأجور ومعاشات التقاعد. ويُلاحظ أن النفقات الكلية على رأس المال والتعليم منخفضة، وقد يتطلب الأمر زيادتها على المدى المتوسط للمساعدة في رفع النمو. غير أن الإنفاق على الأجور والمستحقات في القطاع العام، بما في ذلك في مجال التعليم، غالبا ما يتسم بعدم الكفاءة وينطوي على فرص لتحقيق وفر مالي.
- إجراءات مكملة لزيادة التحويلات الموجهة للفقراء ومحدودي الدخل: فشبكة الأمان الاجتماعي محدودة حالياً في لبنان. ولتخفيف أثر الضبط المالي المطلوب، ينبغي أن تتوخى السلطات توجيه إنفاق إضافي قدره 0.5 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي إلى شبكة الأمان الاجتماعي. 
- إقرار وتنفيذ التشريعات المتعلقة بالإصلاحات الأساسية الداعمة للنمو والتي حددتها رؤية الحكومة في مؤتمر "سيدر" : ويشمل ذلك التعجيل بتنفيذ قوانين الإصلاح التي تم إقرارها مثل قانون التجارة وقانون الوساطة القضائية، وكذلك إقرار قانون جديد للجمارك، ولوائح منظمة لتصفية النشاط التجاري، وقانون للإفلاس، وقانون لوكلاء الإعسار، وقانون بشأن الإقراض المضمون. وينبغي أن تقوم السلطات أيضا بمعالجة العوائق التنظيمية أمام تطوير المناطق الصناعية التي يمكن أن تستفيد من فرصة إعادة الإعمار المحتملة في سوريا.
- تنفيذ توصيات المساعدة الفنية بشأن تقييم إدارة الاستثمارات العامة قبل تنفيذ الجانب الأكبر من خطة الاستثمار الرأسمالي : من الضروري إنجاز أهم التحسينات على إطار إدارة الاستثمارات العامة في لبنان قبل تنفيذ معظم المشاريع الواردة في خطة الاستثمار الرأسمالي وأهم الإصلاحات في هذا المجال دمج إنفاق "مجلس الانماء والاعمار" في الموازنة وإصدار قانون للمشتريات العامة.
- اتخاذ مزيد من الخطوات الملموسة للحد من الفساد . أقرت السلطات تشريعات لشفافية المعلومات العامة ومكافحة الفساد، بما في ذلك قانون حق الوصول إلى المعلومات، وقانون حماية كاشفي الفساد، وقانون تأسيس لجنة وطنية لمكافحة الفساد، وقانون شفافية قطاع النفط والغاز. وينبغي تنفيذ هذه التشريعات بسرعة وفعالية، بما في ذلك عن طريق تعيين لجنة مستقلة لمحاربة الفساد تتمتع بصلاحيات وموارد كافية، ويكملها اعتماد التشريعات المعلقة بشأن الإثراء غير المشروع والتصريح العلني عن الأصول. وهناك أولويات أخرى تشمل اعتماد استراتيجية لمكافحة الفساد والتحقيق مع مرتكبي أعمال الفساد وملاحقتهم قضائياً بحيث يتناسب عدد الإدانات والمصادرات في قضايا الفساد مع المخاطر ذات الصلة. 
السياسات النقدية
وعلى صعيد السياسات النقدية والاستقرار المالي يشرح صندوق النقد أن مصرف لبنان كان ركيزة الاستقرار المالي والكيان الحارس لنظام سعر الصرف، ولكن ذلك جاء على حساب تكثيف الروابط بين البنوك والمالية العامة وإثقال كاهل ميزانيته العمومية. ويوضح تقرير الصندوق أن العمليات النقدية التي يقوم بها مصرف لبنان وفرت عائدات جدية كبيرة بالليرة اللبنانية على الودائع الجديدة للبنوك بالدولار الأمريكي لدى المصرف وأدى ذلك إلى زيادة حيازات المصرف بالدولار الأمريكي دون التأثير على أسعار الفائدة على الودائع القديمة لديه وعلى الدين الحكومي. كذلك ساعدت هذه العمليات البنوك على تقديم أسعار فائدة مرتفعة لمودعيها بهدف جذب تمويل جديد أو الاحتفاظ بالتمويل القائم مع المحافظة على ربحيتها. ومن ناحية أخرى، ونتيجة لذلك، أصبحت الأوراق المالية الحكومية والودائع لدى مصرف لبنان تشكل الآن 14 في المئة و 55 في المئة  على التوالي من أصول البنوك، حيث يبلغ حجم الانكشاف الكلي على الديون السيادية 68.5 في المئة من الأصول أي أكثر من 8 أضعاف رأس المال الأساسي. ومن الخطوات التي يجب اتخاذها في هذا المجال:
- تحرير سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية بسبب النمو المنخفض للصادرات مع ارتفاع واردات المحروقات، وتراجع صافي تحويلات العاملين في الخارج إلى لبنان ما يرفع تكلفة تثبيت سعر الصرف على مصرف لبنان 
- تقليص مصرف لبنان للعمليات شبه المالية بالتدريج وتقوية ميزانيته العمومية. على مصرف لبنان أن يتراجع عن شراء السندات الحكومية والسماح للسوق بتحديد العائد على أدوات الدين الحكومية. ذلك أن شراء أدوات الدين الحكومية المقترحة ذات الفائدة المنخفضة من شأنه إضعاف الميزانية العمومية للمصرف وتقويض مصداقيته . كذلك ينبغي ألا يكون هناك أي ضغط على البنوك الخاصة لشراء أدوات الدين ذات الفائدة المنخفضة. وينبغي أن يقوم مصرف لبنان بإلغاء عملياته المالية تدريجيا بمجرد أن يسمح بذلك الضبط المالي وما سينتج عنه من انخفاض لاحق في العائدات التي يطلبها المستثمرون.
- قروض مدعومة الى القطاعات المنتجة بعدما اضطر مصرف لبنان إلى اعتماد سياسة نقدية انكماشية لموازنة أثر سياسة المالية العامة التيسيرية. فقد أدت عمليات المصرف المركزي إلى تمكين البنوك من تقديم أسعار فائدة مرتفعة للمودعين بهدف الاحتفاظ بالودائع التي مولت العجز المزدوج في لبنان لفترة طويلة ولجذب ودائع جديدة. غير أن هذه العمليات تسببت أيضا في رفع أسعار الفائدة على القروض، حيث ارتفع سعر الفائدة المرجعي بالدولار الأمريكي من 6.8 في المئة في نوفمبر 2017 إلى 9.7 في المئة في يونيو 2019. وأدى ذلك بدوره إلى مزيد من الانخفاض في القروض المقدَّمة للقطاع الخاص وارتفاع حجم القروض المتعثرة تحت وطأة بيئة اقتصادية صعبة. وتؤكد هذه التطورات على الضرورة الملحة للضبط المالي الذي سيحقق انخفاضا في أسعار الفائدة.
- التحرك لمواصلة بناء رؤوس الأموال الوقائية لدى البنوك وزيادة مستويات التغطية التأمينية للودائع لتحقيق الاتساق التام مع اتفاقية بازل الثالثة فيما يتعلق بأوزان مخاطر حيازات البنوك من أدوات مصرف لبنان يمثل آلية جيدة لزيادة رأس المال الإلزامي الفعلي. ووفقا لمشورة "برنامج تقييم القطاع المالي"  لعام 2016، ينبغي أن تزيد السلطات مستويات التغطية التأمينية للودائع وأن تمنح أفضلية للمودعين المؤمن عليهم بموجب قواعد التسلسل الهرمي للدائنين المطبقة عند تسوية أوضاع البنوك الفاشلة وتصفيتها.
مواصلة التنفيذ الفعال لإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب للحد من مخاطر غسل الأموال/تمويل الإرهاب الأساسية وضمان الحصول على تقييم إيجابي في هذا الصدد من فرقة العمل للإجراءات المالية المعنية بمكافحة غسل الأموال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF) . 
-الإلغاء الكامل للحسابات الرقمية في الجهاز المصرفي والتي يُشار إليها أيضا باسم الحسابات السرية.