لبنان: مشكلة إيجارات تنذر :
بأزمة عقارية ومشاكل اجتماعية

14.05.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
عمر عبد الخالق
يواجه القطاع العقاري في لبنان خطر انهيار بدلات الإيجار وفسخ العقود والخلافات القانونية وما يرافقها من أزمة اجتماعية تضع المالكين والمستأجرين في مركب واحد يغرق بسرعة كبيرة في ظل غياب الدولة اللبنانية التي لا يُعول على تدخلها اليوم وهي التي فشلت في حل أزمة الإيجارات منذ عشرات السنين.
واجتمعت عوامل عدة منذ أشهر لتفاقم هذه الأزمة بدءاً من ثورة 17 أوكتوبر والأزمة الاقتصادية وتراجع قيمة الليرة اللبنانية والقدرة الشرائية لللبنانيين وتفشي فيروس كورونا وما تلاه من تعبئة عامة وإقفال.
مراحل تطور الأزمة
بدأت أزمة دفع بدلات الإيجارات منذ سبتمبر الماضي بعد بروز فرق بين السعر الرسمي لليرة مقابل سعر السوق الذي تراوحت حينها بين 10 و20  في المئة. وكانت الحلول وقتها تتنوع بين قبول المالك ببدل الإيجارات وفق السعر الرسمي أو الوصول إلى حل وسطي بين المالك والمستأجر بين سعري الصرف وفسخ العقود في بعض الحالات للمساحات التجارية.
وأدى استمرار انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار وانتشار فيروس كورونا وإقفال البلد لأسابيع عديدة وتسريح الشركات لعدد من الموظفين وتخفيض رواتب الموظفين بنسب تترواح بين 20 و60 في المئة إلى تفاقم الأزمة وتغير أولويات اللبنانيين. والحلول التي كان يتم تطبيقها بالتراضي في الأيام الأولى للأزمة أصبجت متعذرة إذ حتى دفع بدل الإيجارات حسب سعر الصرف الرسمي بات شبه مستحيل في بعض الحالات. 
المشاهدات اليومية
وهذا التعثر يبرر المشاهدات اليومية الآخذة بالتوسع وهي:
-تسويات على دفع نسب معينة من الإيجارات وحسب السعر الرسمي تتراوح بين 30 و50 في المئة
-التأخر بالدفع لعدة أشهر كان أولها شهر مارس الماضي
-نزاعات قضائية حيث يشهد قلم المحاكم تسجيل عشرات الدعاوى من المالكين لدى قضاة الأمور المستعجلة
-إيداع بدل الإيجار حسب سعر الصرف الرسمي لدى كتاب العدل كون بعض المالكين يرفضون استلام بدل إيجار وفقاً لهذه التسعيرة. وهذا الحل لجأ إليه بعض المستأجرين بناءً على مطالعة قانونية من رئيس تجمع المحامين للطعن وتعديل قانون الإيجارات أديب زخور الذي أشار إلى أنه " لا يحق لأي كان ومن ضمنهم المالكون رفض التعامل بالليرة، بحسب المادة 192 من قانون النقد والتسليف التي تنص على إلزامية قبول العملة اللبنانية تحت طائلة عقوبة الحبس والغرامة"
-إلغاء عدد من عقود الإيجار خاصة للمساحات والصالات التجارية
-إلغاء عقود الإيجار لغالبية المطاعم والمقاهي
- قيام الشركات بترك مكاتبها الكبيرة والاتجاه نحو استئجار مساحات أصغر وذات بدل إيجار أدنى واتجاهها نحو الضواحي بدلاً من المدن الرئيسية
-بروز نزاعات قضائية كبيرة قد يأخذ حلها عدة أشهر فيما خص عقود الإيجار التملكي التي تم توقيعها منذ توقف قروض الإسكان المدعوم
-تنافس المالكين على المستأجرين الذي يعتمدون على أموال محولة من ابنائهم في الخارج لدفع بدل الإيجارات
ضربة جديدة للقطاع العقاري
هذه المشاهدات بدأت تنعكس على حركة القطاع العقاري وعلى المطورين وشركات الوساطة الذين لم تنته فترة تنعمهم بفورة استبدال الودائع المصرفية بعقارات وشقق حتى استفاقوا على أزمة جديدة تضاف إلى الأزمات التي يعانون منها منذ سنوات. ومن أبرز الانعكاسات المتوقعة على القطاع العقاري:
-تراجع بدلات الإيجار بنسب كبيرة خاصة للمساحات التجارية 
-توقف المالكين عن تجديد عقود قديمة أو توقيع عقود جديدة لعدة أشهر وربما أكثر لحين اتضاح الصورة عن اتجاه سعر صرف الليرة مقابل الدولار
-تراجع أسعار العقارات بسبب أزمة الإيجارات المترافقة مع انحسار عملية استبدال الودائع بعقارات
-وجود فائض الشقق خاصة تلك التي تم تملكها في الأشهر الماضية بغية تأجيرها، وهو ما لن يحصل اليوم خوفاً من مشاكل مع المستأجرين في حال التخلف عن الدفع.
الأثار الاجتماعية
وإلى جانب الأثار السلبية على القطاع العقاري، تنذر هذه التطورات بأزمة اجتماعية بدأت تفرض نفسها وقد تتفاقم في الأسابيع المقبلة في ظل ترك الناس في مواجهة بعضهم البعض. ومن بوادر هذه الأزمة:
-تفاقم معاناة المالكين لشقق مؤجرة وفقاً للقانون القديم، إذ أصبحت بدل الإيجارات التي يتقاضونها لا تكفيهم مصروف يوم واحد. 
- نزاعات شخصية بدأت بالظهور بين المالكين والمستأجرين.
- عودة الكثير من سكان المدن إلى قراهم.
- عائلات كثيرة أصبحت مهددة بأن تصبح من دون مسكن في مقابل معاناة عائلات كانت تعتاش من بدل الإيجارات كمورد دخل وحيد. 
- تأجيل وإلغاء النسبة الأكبر من الأعراس التي كانت مقررة هذا العام لصعوبة إيجاد منزل.
- تراجع نسب الولادات وتغير هرم الاعمار في لبنان أسوةً بما حصل في اليونان خلال الأزمة الاقتصادية التي مرت بها حيث توقعت الرابطة اليونانية لأمراض الشيخوخة أنه بحلول عام 2050 ستصبح نسبة السكان فوق 65 عام 35 في المئة وسيتراجع عدد سكان اليونان بين 800 ألف و2.5 مليون نسمة.
الحلول
كالعادة لا حلول لدى الدولة التي تمارس الحياد التام عن هموم المواطنين، باستثناء اقتراح قانون يتيم من النائب ابرهيم كنعان بتعليق المهل العقدية والقانونية والقضائية ومن شأن إقراره تعليق بدلات الإيجار لمدة ستة أشهر. لكن هذا الاقتراح رفضه طرفي النزاع إذ أعلن رئيس نقابة المالكين باتريك رزق الله  أن هذا القانون في حال إقراره يترك المالك محرومًا من مصدر رزقه ستة أشهر ويُراكم على المستأجر بدلات قد لا يتمكن من دفعها بعد هذه الفترة. كذلك يشير رئيس لجنة المستأجرين في بيروت وجيه الدامرجي إلى أن القانون لا يكفي لمساعدة المستأجرين إذ ليس هناك أفق واضح للأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان.
وطبعاً الحل الوحيد هو باستفاقة الدولة من غيبوبتها ووضع أطر تشريعية وتنظيمية تحمي الطرفين وتخرجهما بأقل خسائر ممكنة.