الاستجابة الحكومية المتأخرة ووسائل المواصلات الأرضية
سببان رئيسيان لإنتشار "كورونا" في أوروبا وأميركا

05.04.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
بقلم: البروفسور غسان سكاف
الجامعة الاميركية في بيروت
 
منذ أواخر كانون الأول/ديسمبر الماض،ـ ظهر فيروس COVID -19  في مدينة ووهان في الصين قبل أن ينتقل إلى مختلف دول العالم، حاصداً حتى صباح السبت 4 نيسان/أبريل نحو 1.2 مليون مصاب واكثر من 60 ألف ضحية. وقد بلغ عدد المتعافين حوالي 230 ألف، وفقاً للبيانات الصادرة عن جامعة جونز هوبكنز الأميركية، وذلك بفضل الجهود غير المسبوقة للأطباء والممرضين وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية والذين يقفون في الخطوط الأمامية في المعركة  ضد فيروس كورونا المستجد .
في مراجعة لأعداد المصابين في العالم نرى أن الصين قد سيطرت على الأوضاع الطارئة التي سببها إنتشار الفيروس وبدأت الحكومة الصينية في تخفيف بعض القيود التي فرضتها لكبح إنتشاره. أما دول أوروبا وخاصة الغربية منها وبعدها الولايات المتحدة الأميركية فقد أصبحت البؤرة الجديدة للوباء، ولم تستفد من فترة السماح التي أعطيت لحكوماتها، كما لم تستفد أيضاً من خبرة الصين وكوريا الجنوبية في محاربة الوباء وذلك بعزل المناطق المصابة وإجراء فحص مكثف للفيروس وعزل المسنين والمصابين بامراض مزمنة بالإضافة الى كل أصحاب النتائج الإيجابية من كل الأعمار. 

إضاعة فترة السماح 

فترة السماح التي امتدت لأكثر من شهرين، كانت كافية لتأخذ الحكومات الغربية قرارات حاسمة خاصة وأن علماءها هم الذين اجتهدوا في توصيف الوباء وخطورة انتشاره وكيفية الوقاية منه. كما يعملون بقوة على اكتشاف اللقاح أو دواء الذي ينتظره العالم كله. ففي "زمن كورونا" علينا أن نرفع شعار العلم في مواجهة ذلك الكم الكبير من الشائعات التي يتم تردادها في فضاء التواصل الاجتماعي.
فمن يا ترى كان يهمس في آذان زعماء العالم الغربي؟

تساهل بوقف وسائل النقل

إن دول أوروبا الغربية و المدن الاميركية الكبيرة المكتظة تتمتع بمواصلات أرضية متقدمة من باصات و قطارات ومترو... يستقلها معظم السكان يوميا" من والى أعمالهم، وتستعمل أيضاً لنقل البضائع والمنتوحات بين المدن والأرياف. هذه المواصلات ومعظمها موجود تحت الارض، لا تتمتع بالتهوئة اللازمة للتخلص من الفيروس الذي يستقر على الأرض وعلى الأسطح في المركبات كما في الهواء لساعات طويلة. وبالمناسبة فإن وسائل المواصلات الأرضية التي لا توفر مقاعد مخصصة لكل راكب، لا تتمتع بمقومات العزل الموجودة في الطائرات أو السيارات.
لقد تساهلت حكومات الدول الاوروبية وحكومة الولايات المتحدة الأميركية في مواجهت الوباء، فلم توقف القطارات والمترو ووسائل النقل الأخرى في الوقت المناسب، وجاءت قراراتها في التعبئة العامة والعزل متأخرة،  بعد أن اصطدمت بتحديد أولوياتها: هل تكون الأولوية لإنقاذ البشر ام لإنقاذ الاقتصاد. 

الأولوية للإنسان أو للاقتصاد

صحيح ان الناس تموت وتعيش ولكن صحيح أيضاً ان الاقتصادات العالمية مرت عشرات المرات بإزمات قاسية، وتم تجاوزها في كل مرة.
وهنا انكشفت هشاشة المنظومة الأروبية والأميركية، التي طالما اعتبرت إن الإنسان وسلامته وحريته فوق كل اعتبار. وظهر أداء رؤساء وحكومات الدول الغربية في تحديد الأولويات، قاصراً وخاطئاً، كما ظهرت الاستجابة لمواجهة الفيروس وكبح انتشاره متأخرة،  فتفشى الوباء بسرعة قياسية وأتت النتيجة كارثية.

دول الخليج: نموذج نجاح

في المقابل استطاعت دول أخرى كدول الخليج العربي إحتواء الوباء وهي التي استثمرت بكثافة وكفاءة في البنية التحتية للرعاية الصحية كالكويت والامارات العربية المتحدة والبحرين و خصوصاً، المملكة العربية السعودية وذلك من خلال خبرتها في التعامل مع الحشود اثناء الحج،, فوضعت إمكانياتها الضخمة بهدف احتواء الوباء ومنع انتشاره. أما البحرين فكانت أول دولة تستعمل دواء هيدروكسي كلوروكين واتبعت بروتوكول العلاج الذي اتبع في الصين ووافقت عليه منظمة الصحة العالمية ولم تنتظر القرار الأميركي .
العالم بعد كورونا لن يعود كما كان قبله، أقله في المجال الصحي ومجال النقل . ففي المجال الصحي سيعيد العالم ترتيب أولوياته ليضع الصحة في مرتبةٍ متقدمة، و في مجال النقل ستطرأ تغييرات جذرية  للحد من انتشار الاوبئة.
لا شك اننا سائرون بعد هذا الوباء بخطى ثابتة نحو عالم جديد، لأن كل الكوارث التاريخية الكبرى الناجمة عن اوبئة أدت الى تغييرات أساسية في البنى السياسية والاقتصادية والثقافية للأمم .