للعام 2019:
هيلا هيلا هو

30.12.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رمزة عسّاف
بالأسوَد يودّع لبنان سنة 2019 ليس حزناً عليها، وإنما على وطنٍ بات تائهاً في مهبّ التحولات والإنزلاقات التي تشهدها المنطقة من حوله، وعلى شعبٍ مات حلمه بدولةٍ لا يعيش فيها "بالصدفة" أو "من قلة الموت". 
بالأسود أيضاً نقف على حافة كانون لنودّع عاماً ونستقبل آخر، قدره أن يستلم بلداً على شفير الإنهيار بل في قلبه. نطوي روزنامةً قديمة ونفتح اخرى جديدة فننتقل من 2019 إلى 2020، يتغير الرقم لكن الهاجس واحد لا يتغير: الخوف على مصير لبنان الذي يقف مشدوداً على حبل التجاذبات السياسية والأمنية والمخاطر الإقتصادية والمالية. 
صحيح أن 2019 تغادر روزنامة الزمن، إلا أنها لن تبارح ذاكرة لبنان لأنها بَصَمت على صفحات هذه الذاكرة أبشع الفضائح وفصول النهب والفساد. وعليه فإن السنة التي ترفع راية النهاية وتدير ظهرها استعداداً للرحيل، تترك وراءها أحداثاً ستشكل محطات مفصلية من عمر الوطن وتترك ندوباً لن تُمحَى آثارها بسهولة عن جسم لبنان المريض. 

أبيض تشرين.. ثورة

وفي غمرة كل هذا السواد، لا "أبيض" إلا ذاك ّ الذي أطلّ ذات 17 تشرين معلناً ولادة "ثورة" على الفساد والظلم وعلى كل الطبقة السياسية تحت شعار "كلن يعني كلن". ثورةٌ وُصفت بالمعجزة كونها حققت بأيام ما لم يمكن تحقيقه في سنوات طوال، فتوحّد اللبنانيون جميعاً تحت لونٍ واحد وعلمٍ واحد .. لبنان. 
17 تشرين الأول  .. قد يكون هذا اليوم التاريخي المحطة المضيئة الوحيدة في 2019 الذي لم يكن عاماً عادياً بل استثنائياً بكل ما للكلمة من معنى في القاموس السياسي والإقتصادي اللبناني، وسيشكل علامة فارقة قاتمة في تاريخ لبنان. 
نعم، سيذكر التاريخ انه في العام 2019 استعاد اللبنانيون هاجس جوع الـ 1914 ، وأن مستوى الفقر بلغ رقماً قياسياً مخيفاً. وسيذكر أيضاً أن آلاف المؤسسات أُقفلت وعشرات الآلاف باتوا بلا عمل وبالتالي بلا لقمة عيش أو فرصة للعيش. سيذكر التاريخ كيف أن البعض رأى في الموت الخيار الأرحم من عيشة الذل، ففضّل الإنتحار على أن يشاهد أولاده يحلمون بـ "منقوشة" وهو غير قادر على تأمين الألف ليرة لشرائها..  سيذكر التاريخ أنه في العام 2019 انفصم سعر صرف الليرة بين المصارف والصيارفة وضاع اللبناني بهذه "الدويخة".  سيذكر كذلك أن جنى عمر المواطن الذي جمعه ليرة فوق ليرة أو أن التعويض الذي انتظره 20 عاماً وأودعه البنك لتأمين آخرته التي لا تحسب لها الدولة حساباً، صار محتجزاً في البنوك ولا يمكن لصاحبه الحصول إلا على "خرجية" منه و.."بالـقطارة".  والمفارقة المبكية انه في الوقت الذي كان فيه الشعب اللبناني يطالب بفك الحجز عن حساباته "المتواضعة"، كانت الأخبار تتحدث عن تهريب بعض الحسابات الكبيرة عبر تحويلها إلى الخارج، لتقتصر "المرجلة" على صغار المودعين. 
والأهم من كل ذلك، سيذكر التاريخ أنه في العام 2019 دوّت فضائح نهب المال العام على "عينك يا تاجر" وعلى وقع إفلاس الدولة.  هذه الدولة المعلّقة اليوم على حبال حكومةٍ سيبقى محكوماً عليها بالفشل طالما أن المعنيين يصمّون الآذان عن سماع صوت الناس ويكررون خطيئة "المحاصصة" و"الزبائنية" في مسألة التأليف، وكأن لا شيء تغيّر بعد 17 تشرين. 
نعم،... إنه اللون الأسود الذي صبغ ثوب 2019 والذي يتمدّد الى 2020 ، بانتظار بياض فرجٍ ما، لن يأتي طبعاً من نوايا الفاسدين السوداء كما قلوبهم بل من أملٍ لن نفقده وسنبقى متمسكين به إلى أن نرى "الدخان الأبيض" يتصاعد من حكومةً تلبي الطموحات ومن وطنٍ يُبنى على قدر الأحلام.