وقودها الجبنة والنبيذ وغوغل:

حرب "ضريبة الإنترنت" تشتعل بين فرنسا وأميركا

10.12.2019
هل يكون النبيذ والمنتجات الفرنسية ضحية حرب "ضريبة الانترنت" بين فرنسا والولايات المتحدة؟
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
إياد ديراني
النبيذ والأجبان الفرنسية باتا في مرمى "سلاح ضرائب" إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي أصدرت نتائج تحقيق تجاري رجّح فرض رسوم بنسبة 100 في المئة على مجموعة من السلع الفرنسية منتصف الشهر المقبل، هذا التهديد الأول من نوعه بين "الحليفين"، جاء رداً إنتقامياً على إعلان فرنسا فرض "ضريبة الانترنت" التي تطاول أرباح الشركات الرقمية الأميركية الناتجة عن مبيعاتها عبر الانترنت في فرنسا، فقد أصدر مكتب الممثل التجاري الأميركي بياناً إعتبر فيه أن فرنسا تنتهج "سياسات تمييزية ضد الشركات الأميركية الرقمية"، وفي ضوء هذه الخطوة، سيتم اتخاذ إجراءات مناسبة، وأوصى المكتب في بيانه فرض ضرائب على السلع الفرنسية تصل قيمتها الى 2.4 مليار دولار وتشمل عدداً كبيراً من المنتجات من بينها الحقائب والنبيذ والأجبان، وليكتمل مشهد المواجهة الفرنسية قال الرئيس ترامب إنه لن يسمح "لأحد باستغلال الشركات الأميركية، لأنه إذا كان أحد سيستفيد من الشركات الأميركية، فسنكون نحن، وليس فرنسا. سنفرض رسوماً على منتجاتهم".
الردّ الفرنسي على تهديدات واشنطن جاء مباشراً، إذ قال وزير الاقتصاد برونو لومير: "فرنسا ستردّ بقوة في حال فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية"، وأضاف: "تواصلنا مع الاتحاد الأوروبي لضمان أنه إذا تمّ فرض رسوم أميركية، فسيكون هناك رد أوروبي قوي"، ولم يتأخر ردّ الاتحاد الأوروبي إذ قال المتحدث بإسم المفوضية الأوروبية دانيال روزاريو إنه "كما هي الحال في جميع الأمور المرتبطة بالتجارة، سيتحرك الاتحاد الأوروبي ويرد بصوت واحد على تهديدات واشنطن، داعياً إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى الحوار"، وختم قائلاً:" إن المفوضية الأوروبية التي تتولى شؤون أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ28 التجارية تنسّق عن قرب مع السلطات الفرنسية في شأن الخطوات المقبلة".

رانشر: لن نتراجع

لكن الحوار الذي إقترحه روزاريو، سبق أن تخطته إدارة الرئيس ترامب، التي فضّلت اللجوء إلى إجراءات عقابية سريعة بحق فرنسا مع إنها كانت تعهّدت باللجوء إلى الحوار الذي دعت إليه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. وحول الحوار المطلوب قالت وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الاقتصادية إنييس بانيه رانشر إن فرنسا التي تدعو إلى الحوار ستظل على موقفها القوي في شأن فرض ضريبة الانترنت على شركات التكنولوجيا، على الرغم من التهديدات الأميركية، وأشارت إلى أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كانت قد طرحت على الدول الأعضاء، ومنها فرنسا والولايات المتحدة، خطة لفرض هذه الضريبة، وقالت الولايات المتحدة إنها ستحاول حلّ الخلاف بشأن الضريبة من خلال المنظمة. وأضافت: "بدلاً من الحوار قررت الولايات المتحدة اللجوء إلى ممارسة الضغوط بعيداً عن التفاوض. من الواضح تماماً أننا لن نتراجع عن موضوع نراه مفيداً من الناحية الاقتصادية، كما إنه شأن مالي بحت".
لكن لماذا تفاقمت الأزمة التجارية بين الولايات المتحدة وفرنسا؟ وما المسار الذي سلكته التطورات حتى بلغت هذه الحدة؟
تعود جذور الأزمة إلى يوليو من العام الحالي عندما تبنّى مجلس الشيوخ الفرنسي في 11 يوليو 2019 فرض ضريبة على عمالقة الشركات الرقمية العالمية، وهي الضريبة التي تُقدّر فرنسا أنها ستدر على خزينة الدولة 650 مليون يورو في حلول العام 2020، وقد ندّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب يومها بهذا الاجراء الفرنسي مهدداً بالردّ بالمثل على ما وصفه "غباء ماكرون"، ومن هناك، حملت فرنسا القضية إلى الاتحاد الأوروبي قبل أن تبدأ عشرات البلدان حول العالم بدراسة فرض ضريبة مماثلة وإن كانت بنسب مختلفة، وهي: التشيك، النمسا، إيطاليا، بولندا، تركيا، كندا، أوغندا، مصر، إسبانيا، بريطانيا، وغيرها. 

جذور الإصرار الفرنسي

لكن، لماذا مضت فرنسا في مسعى فرض الضريبة على الرغم من الإشكاليات الكبيرة التي تثيرها مع "الحليف" الأميركي، وما المعادلة التي اعتمدتها لتصنيف الشركات الخاضعة لها؟
ترى باريس كما هي الحال في بلدان أخرى، أنه لم يجر نقاش جدي حول قوانين الضرائب الدولية منذ زمن بعيد، وهو ما أكّد عليه بيان صدر مؤخراً عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، وتقول فرنسا أيضاً إن الضرائب لا تلحظ أعمال الشركات الرقمية التي تحقق أرباحاً غير خاضعة للضرائب في البلدان الأجنبية التي تنشط فيها، كما هي الحال في مبيعات الانترنت. واستناداً الى هذه المقاربة وافق البرلمان الفرنسي على تشريع يفرض ضريبة تتراوح ما بين 3 و5 في المئة على أرباح الشركات الناتجة عن مبيعات الانترنت داخل الأراضي الفرنسية، لتحقيق ما وصفه وزير العدل الفرنسي برونو لو ماير "إعادة تأسيس العدالة المالية". وبعد أسبوع واحد فقط من تصويت النواب الفرنسيين على التشريع الجديد، صدّق مجلس الشيوخ في البرلمان الفرنسي على الضريبة الجديدة، وبعدها بأيام قليلة حصل التشريع على توقيع الرئيس إيمانويل ماكرون ليصبح ساري المفعول.

كيف تُحتسب الضريبة؟

بحسب وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير فإن النسبة المفروضة على أرباح الشركات الرقمية أكثر من عادلة، وقد تمّ التوصّل إليها بحسب التشريع الفرنسي من خلال المقاربة التالية: "أي شركة رقمية تتجاوز عوائدها 750 مليون يورو (أي ما يعادل 850 مليون دولار)، ويكون 25 مليون يورو منها على الأقل ناتج عن أعمالها في فرنسا ستخضع أرباحها للضريبة الجديدة، وسيكون على الشركات التي ستخضع للضريبة أن تصرّح عن نتائجها المالية المتعلقة بأعمالها في فرنسا، وسيتم تطبيق الضريبة بأثر رجعي أي من يناير 2019، ولذلك، تتوقع وزارة المالية الفرنسية أن يصل حجم الضرائب المفروضة على أرباح نحو 30 شركة رقمية إلى نحو 500 مليون يورو أي ما يناهز 570 مليون دولار العام 2019، وتبرر فرنسا اللجوء الى هذا الإجراء بأن معدل الضريبة الحالية على أرباح الشركات في أوروبا ضمن القطاعات غير الرقمية يصل إلى 23 في المئة، وهو ما لا يحقق عدالة ضريبية بين القطاعات المختلفة، ومع أن معظم الشركات التي يطالها التشريع الجديد هي أميركية إلا أنها تضم أيضاً شركات بريطانية، صينية، ألمانية وإسبانية.

أرباح عمالقة الانترنت

لكن، كم تبلغ إيرادات وأرباح الشركات الخمس الكبرى الأساسية التي ستشملها الضريبة الفرنسية الجديدة؟ تضم لائحة الشركات المُستهدفة بالضريبة الرقمية ما بات يُعرف بـ "عمالقة الانترنت" وهم: "ألفابت" المالكة لـ غوغل، مايكروسوفت، أمازون، فايسبوك وأبل إضافة إلى 26 شركة أخرى من جنسيات مختلفة، ووصلت إيرادات الشركات الأميركية الخمس الكبرى مجتمعة العام 2018 بحسب نتائجها المالية المعلنة إلى 801.5 مليار دولار فيما وصلت أرباحها الصافية إلى 139 ملياراً. "ألفابت" حققت إيرادات قدرت بنحو 136.8 مليار دولار، وبلغت ربحيتها الصافية 30.7 مليار، وحصلت الشركة على نحو 80 في المئة من إيراداتها من خلال الإعلانات عبر الإنترنت.
أما شركة أمازون، فحققت العام الماضي إيرادات بقيمة 232.9 مليار دولار أميركي فيما بلغ صافي ربحها السنوي 10.1 مليارات دولار. شركة فايسبوك ورغم الفضائح التي هزتها العام 2018 حققت أعلى أرباح في تاريخها وتجاوزت إيراداتها 55.8 مليار دولار بفضل إيرادات الإعلانات التي شكّلت 93 في المئة من الإجمالي وناهزت أرباحها الصافية 22.1 مليار دولار، أما أبل فبلغت إيراداتها 265.6 مليار دولار، وناهزت أرباحها الصافية 59.5 مليار دولار، وقد باتت هذه الشركة العام 2018 أول شركة عامة في العالم تتجاوز قيمتها السوقية تريليون دولار. الشركة الخامسة هي مايكروسوفت التي تجاوزت إيراداتها 110.4 مليارات دولار، فيما وصلت ربحيتها الصافية إلى 16.6 مليار دولار.