ما هو مصير شركة «ليبان بوست»؟
إسترداد أم حصرية بشروط جديدة أم إطلاق مناقصة عامة؟

14.10.2019
خليل داود
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

رفض مجلس الوزراء طلب شركة «ليبان بوست» تمديد العقد معها لفترة 12 سنة إضافية، بل قرار تمديده لفترة ثمانية أشهر إضافية من أجل تسوية الحسابات العالقة بينهما في انتظار البت في وضعية قطاع البريد سواء من خلال إطلاق مناقصة عامة أو إسترداد الدولة للقطاع من دون استبعاد تجديد الحصرية بشروط جديدة.

وكان وزير المالية علي حسن خليل خلال إطلالته المتلفزة عبر برنامج «صار الوقت» أشار إلى العقد الموقع مع «ليبان بوست» مستهجناً الحصة الضئيلة التي تحصل عليها الدولة.

كيف تطورت العلاقة بين وزارة الاتصالات وشركة «ليبان بوست» منذ العام 1998؟ وما هي المراحل التي قطعتها والإشكالات التي نتجت عنها؟

عقد B.O.T.

لا تزال المستحقات بين شركة «ليبان بوست» ووزارة الاتصالات عالقة منذ تموز 1998. الوزارة لديها في ذمة الشركة مبلغ 961  مليون ليرة ناتجة عن مقاصة مبدئية بين ما هو مترتب على الشركة للخزينة بقيمة 30.428 مليار ليرة، وبين ما هو مستحق للشركة على الوزارات والإدارات الرسمية بقيمة 29.467 مليار ليرة. المبلغ المستحق للدولة من الشركة يمثّل أحد أوجه المشكلة الفعلية الكامنة في منح حصرية نقل البريد الرسمي لهذه الشركة لمدة عشرين سنة انتهت في العام 2019 من دون اتفاق على الحسابات النهائية بين الطرفين، ومن دون اتفاق على شكل الحصرية التي فازت بها الشركة بالعقد، فيما هي تطلب اليوم تمديده لـ 12 سنة إضافية.

في تموز 1998 وقّعت ليبان بوست (بريد لبنان)، المملوكة من شركة «بروفاك ليمتد»، والمملوكة بدورها من شركة «كندا بوست سيستمز مانجمنت ليمتد»، عقد BOT مع الدولة اللبنانية يستند إلى المادة الاولى من القانون 126 الصادر في العام 1959  الذي «يحصر في المديرية العامة للبريد والبرق حق نقل مواد المراسلات ضمن أراضي الجمهورية اللبنانية، ولها أن تلزّم النقل أو أن تتولاه بنفسها». وبموجب المادة 16 من العقد، تعهدت الوزارة «بتسليم الملتزم مواد فواتير الهاتف لطبعها وتوزيعها على أصحاب العلاقة إلى جانب توزيع المنشورات والمطبوعات وما يماثلها من مواد المراسلات البريدية المعدة للتوجيه والإعلان المنصوص عليها في المادة 47 من النظام الداخلي من المرسوم الاشتراعي الرقم 126 التي تعطي المنظم (الوزارة)، وبالتالي المشغّل (الشركة) حقاً حصرياً في نقل مواد المراسلات بحسب ما نصت عليه المادة الأولى من هذا المرسوم الاشتراعي…».

تأمين الخدمات بشروط

الخدمة الأساسية التي فازت بها الشركة في العقد، هي تأمين الخدمات البريدية لغاية وزن لا يتعدى كيلوغرامين داخل الأراضي اللبنانية وبين لبنان والخارج أيضاً، على أن يكون رأس مالها 20 مليون دولار. وحدّدت حصّة الدولة من إيرادات الشركة على أساس 5 في المئة في السنة الأولى من مجمل الدخل، وترتفع بشكل تصاعدي وصولاً إلى 40 في المئة في السنة الـ 12، كما إن حصّة الدولة من خدمة إكسبرس بوست (البريد السريع) تبدأ بـ20 في المئة وترتفع إلى 50 في المئة ولم يكن للدولة أي حصّة من الخدمات غير البريدية. أيضاً نصّ العقد على ألا توقع ليبان بوست عقود إيجارات للمكاتب الخاصة بوزارة الاتصالات، لكن تزيد بدلات الاستعمال كل ثلاث سنوات بمعدل 10 في المئة وأن تقوم الشركة بتأهيل المباني والمكاتب وتحسم كلفة الأعمال من بدلات الاستعمال.

إعتراض وتعديلات

بعد فترة قصيرة، إعترضت «ليبان بوست» على عدم تنفيذ الدولة موجباتها تجاه تأمين الحصرية للشركة. رُفع الأمر إلى مجلس الوزراء عبر وزارة الاتصالات، وقالت الشركة إن الوزارة لم تتمكن من منع بعض الشركات الخاصة من توزيع البريد محلياً خلافاً لأحكام الحصر البريدي. رغم ذلك، وافقت الشركة على توقيع ثلاثة تعديلات على العقد وحصدت تمديدات له من 12  سنة كان يفترض أن تنتهي في 2010 لتصبح مدّة العقد 20 سنة.

التعديل الأول على العقد جاء في آب 1999 وحدّد سقفاً لتقاسم الإيرادات يتراوح ما بين مليون و8.2 ملايين دولار سنوياً، ونصّ على أن تسدّد الشركة مبلغ مليون دولار سنوياً للدولة لقاء استعمال مركز بيروت للفرز في مطار بيروت الدولي وأن تسدّد الشركة 20 سنتاً مقابل استعمال القسم العائد للبريد من مبنى رياض الصلح.

التعديل الثاني على العقد جاء في آب 2000. يومها سمح للشركات البريدية الأخرى العمل ضمن الأراضي اللبنانية لقاء تسديد 50 سنتاً شهرياً مقطوعة لشركة ليبان بوست مقابل خدمات الإشراف والمراقبة على نقل مواد المراسلات بالمواكبة الدولية.

والتعديل الثالث، جاء في حزيران 2002 وسمح لشركات البريد الدولية بممارسة عملها في لبنان شرط الخضوع لرسم يساوي الحد الأدنى للطابع البريدي مضافاً إليه رسماً يساوي ثلاثة أضعاف الطابع البريدي على أن تستمر ليبان بوست بخدمات المراقبة والإشراف مقابل البدل المادي المحدد في التعديل الثاني. وفرض هذا التعديل على الشركة استثمار 10 ملايين دولار كحد أدنى كل ثلاث سنوات، وحدّد حصّة الدولة من الإيرادات على أساس خمسة شطور تبدأ بـ5 في المئة على إيرادات بقيمة 20  مليون دولار، وتنتهي بنسبة 35 في المئة على إيرادات بقيمة تفوق 35 مليون دولار. وفي حال تجاوزت إيرادات الخدمات غير البريدية 35 في المئة من مجموع الإيرادات تخضع الزيادة لمشاركة الدولة وفقاً لثلاثة شطور تبدأ بـ5 في المئة على الشطر الأول حتى 20  مليون دولار، و10 في المئة على الشطر الثاني لغاية 25 مليون دولار، و15 في المئة على الشطر الثالث لغاية 30 مليون دولار.

إشكاليات الحصرية

وعلى الرغم من إصدار رئاسة مجلس الوزراء التعميم الرقم 26 في العام 2000، ثم التعميم الرقم 36 في العام 2002، تطلب فيهما من الإدارات والوزارات التقيّد بأحكام العقد مع «ليبان بوست»، لكن الشركة ادّعت أن هناك مروحة واسعة من الخروقات التي تمارسها بعض الإدارات والوزارات، فيما ادّعت مديرية البريد في وزارة الاتصالات، أن هناك إلتزاماً بهذا التعميم… استمرّ هذا الخلاف حتى العام 2004 حين صدر القرار 313 عن وزير الاتصالات والقاضي بتعريف شروط وأسس العمل بنقل مواد المراسلات البريدية بالمواكبة المحلية بين مرسل ومرسل إليه داخل الأراضي اللبنانية بواسطة ساع خاص.

الخلاف على مسألة الحصرية وآلية تطبيقها في الإدارات الرسمية، دفع شركة «كندا بوست» إلى الإنسحاب من شركة «بريد لبنان» وبيع حصصها لمجموعتي ميقاتي وسرادار كذلك، تبيّن أن الشق المالي من العقد غير منفّذ منذ 2001 إلى اليوم، أي منذ انتقال أسهم الشركة من «كندا بوست» إلى مجوعتي ميقاتي وسرادار. واللافت أنه منذ انتقال الملكية، بدأت الإدارات اللبنانية الرسمية توقيع اتفاقات مع شركة ليبان بوست تمنحها بموجبها حصرية نقل معاملاتها واستلامها وتوزيعها. في هذه الفترة حصلت الشركة على سلّة واسعة من الاتفاقات لعبت بموجبها دور الوسيط البريدي الحصري للحصول على إجازات العمل، إخراجات القيد، السجلات العدلية، جوازات السفر، الإفادات العقارية، معاملات التنظيم المدني، التصاريح المالية، تراخيص حفر الآبار وتجديدها، معاملات الأملاك المبنية، خدمة العلم مع الجيش اللبناني، فواتير الهاتف الثابت والخلوي، ميكانيك السيارات، تسجيل السيارات، الجريدة الرسمية، معاملات وزارة التربية. كل واحدة من هذه الخدمات كانت لقاء بدل مادي للدولة حصّة متواضعة فيها، وكانت أكبر الخدمات هي تلك المتعلقة بالتصاريح الضريبية المقدر عددها في العام 2013  بنحو 500 ألف تصريح بكلفة تتجاوز 5 مليارات ليرة سنوياً. يضاف إلى ذلك، أن الشركة تمادت في توسيع خدماتها فراحت تصدر الطوابع البريدية التكريمية لعدد من الأفراد والمؤسسات على نحو يطرح تساؤلات حول هذه المبادرات وخلفياتها.

توسّع المروحة

إستمرّ هذا الوضع حتى شباط العام 2012 يوم أقرّ مجلس الوزراء مرسوماً يحمل الرقم 8161 يوافق بموجبه على «فتح الباب أمام وزارة المال للتعاقد مع شركات ومؤسسات لتحصيل الضرائب والرسوم التي تتولى أمرها مديرية المالية العامة». هذا المرسوم أعطى وزارة المال القدرة على التعاقد مع شركات ومؤسسات لتقديم خدمات تحصيل الضرائب والرسوم التي تتولى أمرها مديرية المالية العامـــة، وقد حدّدت المادة الأولى من هذا المرسوم مجموعة من الشروط الواجب توافرها في هــــذه المؤسسات لجهة رأس مالها الذي لا يقــــلّ عن 5 مليارات ليرة، وتسجيلها في السجل التجاري، وتقديم كفالة مصرفيــــة بقيمة مليـــار ليرة، وألا يقل عدد مستخدميها عن 100 موظـــف مسجلين في الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى خدمة الـ Call Center ... واستثنيت المصارف وليبان بوست من هذه الشروط.

ومع انطلاق خدمات التصريح الضريبي الالكتروني، بدأت مرحلة جديدة في شركة ليبان بوست بعد خسارتها جزءاً كبيراً من سوق التصاريح الضريبية مع وزارة المال، وبات عملها يقتصر على منافسة الشركات الأخرى التي استحصلت على عقود من الإدارات والوزارات بتوزيع بريدها ومراسلاتها على العموم سواء في توزيع أو جباية الرسوم على أشكالها.

ملكية جديدة

بعد هذه التطورات، انتقلت ملكية الشركة إلى مجموعة سرادار بشكل شبه كامل، وكانت هناك مفاوضات لشراء حصّة منها من قبل المستثمر اللبناني الأصل كارلوس غصن، وذلك على أساس أنه يمكن تحويل الشركة إلى ما يشبه «بوست بنك»، لكن مصرف لبنان رفض الفكرة وبقيت الشركة أمام خيارات محدودة أهمها تمديد العقد لمدّة إضافية. أيام الوزير جمال الجراح، جرت مفاوضات مع مجموعة سرادار التي طلبت منها تمديد العقد 12  سنة إضافية، في مقابل زيادة حصّة الدولة من الإيرادات بنسبة 50 في المئة من الخدمات البريدية، وبنسبة 50 في المئة من الخدمات غير البريدية، وزيادة بدلات الإيجارات بنسبة 10 في المئة وإلزام الشركة باستثمار 10 ملايين دولار تتضمن تطوير الأصول الثابتة وغير الثابتة، والإجازة للشركة بإدخال مستثمرين جدد على أن تبقى حصّة «مجموعة ماريو سرادار هولدنغ» أكبر من 50 في المئة وأن يتملك رئيس مجلس الإدارة الحالي خليل داود 9 في المئة من الأسهم، وتملك مجموعة من المساهمين بقيادة كارلوس غصن 40 في المئة بواسطة شركة هولدنغ يملك فيها أكثرية الأسهم، وأن يتفق على آلية جديدة لتسوية الحسابات بين الدولة اللبنانية والشركة واقتراح آلية محاسبة بديلة مبنية على إصدار طوابع بريدية خاصة بالوزارات والإدارات والمؤسسات العامة. 

مجلس الوزراء مدّد العقد مع الشركة لثمانية أشهر في انتظار تسوية الحسابات العالقة مع الدولة، على أن يعلن قبل نهاية الفترة عن إطلاق مناقصة جديدة أو استرداد الدولة للقطاع