صفقة القرن: من السـلام إلى الازدهـار
الطـريق المسـدود

22.08.2019
د. جواد العناني
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم: د. جواد العناني

شهد يوما 25 و 26 يونيو الماضي أحداث ندوة بعنوان «السلام إلى الازدهار» بقيادة أحد كبار مستشاري البيت الأبيض وصِهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، الذي وصف المؤتمر بأنه ناجح بناء على من حضره. ولكن معظم الذين حضروا بصفة رسمية كانوا واقعين تحت ضغط شديد، ولبوا الدعوة على مستوى مساعد وزير أو وكيل وزارة، كذلك فإن بعض الذين غابوا تعرضوا للضغط لكي لا يحضروا. وحضر عدد لا بأس به من رجال الأعمال ممن يحملون جنسيات عربية ثانية، أو يعملون في دول الخليج. ولهذا، من الصعب القبول بالخلاصة التي وصل إليها كوشنر بأن المؤتمر قد نجح بعدد الحضور.

وفي غياب هذا المؤشر، فإن المتابع يجد صعوبة كبيرة في القبول أن المؤتمر قد نجح. فالمحتوى الأساسي للندوة خلا من أي مضمون فكري يبرّر اسم «السلام إلى الازدهار»، أو الربط بين السلام والازدهار. وما قُدّم لم يزد عن قائمة بمشروعات مختلفة اقتبست عن أوراق وتقارير ودراسات أعِدّت من قِبَل منظمات دولية أو سبق وأن أتُّفِق عليها.

ومنذ انسحاب اسرائيل من قطاع غزة، واستبدالها للإحتلال بالحصار غير المشروع، فقد دار الحديث عن مشروع المطار ومشروع الميناء ومشروق الطريق الواصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، وقد تراوحت السيناريوهات الهندسية لهذا الطريق الذي تقدر كلفة تنفيذه خلال عشر سنوات بمقدار أربعة مليارات دولار بين نفق تحت الأرض أو شارع على الأرض محاط بالأسوار، أو جسر معلق في المناطق الآهلة بالسكان.

بذلت البحرين جهداً كبيراً لضمان نجاح المؤتمر

وينطبق القول نفسه على أهمّ مشروع في الأردن، وهو مشروع قناة البحرين الذي أقرّ على هامش اتفاقية السلام الأردنية (وادي عربة) ومشروع اتفاقية السلام الفلسطينية (أوسلو). ومع أن إسرائيل ترفض منح الفلسطينيين أي إطلالة على نهر الأردن أو البحر الميت علماً أن لها حدوداً على ضفاف النهر وساحل البحر، إلا أن الاتفاق الموقع العام (2016) بين الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية أقرّ مشروع القناة الذي سيُنَفّذ على ثلاث مراحل وعلى تقسيم المياه المحلاة بين الأطراف الثلاثة.

هذه المشروعات الأساسية تعطّلت بسبب إسرائيل ومواقفها المتعنتة، ولو أنها نفذت لما كان موضوع السلام إلى الازدهار وارداً أصلاً، والآن يريد جاريد كوشنر أن ينفذ هذا المشروع في إطار سلمي يقبل الفلسطينيون والأردنيون والعرب مقابله بضمان أمن إسرائيل والتنازل عن القدس وأراضي المستوطنات وما حولها مقابل تنفيذ هذه المشروعات، وكان الأمر كله بمثابة جائزة لإسرائيل المعتدية والمعطلة للسلام. 

وفي الوقت الذي قامت الإدارة الأميركية بمنح إسرائيل وحكومة نتنياهو العاصمة في القدس، والإعتراف بضم الجولان، ومنع المساعدات عن الأونروا، فإنها تريد ان تثبت حق اليهود في إسرائيل غير معروفة الحدود، وبإنكار حق العودة المنبثق عن القانون الدولي ويشكل جزءاً أساسياً منه. 

وكان من المفروض أن يعلن عن محتوى صفقة القرن السياسي في شهر مارس الماضي ولكن الإعلان تأجل لأسباب  تتعلق  الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل الحكومة.وحدد الموعد الجديد بعد  الانتخابات المؤقتة في 19 سبتمبر ومن بعدها مهلة الأسابيع الستة لتشكيل الحكومة، وربما يتأثر الإعلان ببدء الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية في أميركا.

ولهذا قَبِلَ الجانبان الأميركي والإسرائيلي بفكرة إرجاء الإعلان عن المحتوى السياسي لصفقة القرن في الوقت الذي أصرّ الرئيس ترامب وإدارته وكوشنر على السير في عقد ندوة الجانب الاقتصادي، وهم بذلك لم يتركوا مجالاً للفلسطينيين لكي يحضروا المؤتمر حتى لو أرادوا، ولم يقدموا شيئاً يستحق التأمل فيه. 

هذه التجزئة في الإعلان عن محتويات صفقة القرن بتقديم الاقتصادي وتأجيل السياسي عمّقت الشكوك والمخاوف من كل هذه الطبخة المسمومة، وحتى لو افترضنا جدلاً أن قائمة المشروعات التي عرضت في المنامة يومي 25 و 26 يونيو قد أقرّت فمَن سيمولها؟ إذا كانت الدول العربية الخليجية هي التي ستمول، فلماذا يعطى الجانبان الأميركي والإسرائيلي أي دور للتنفيذ؟ ولتبدِ إسرائيل رغبتها في تنفيذ المشاريع في غزة والضفة  حتى يكون لتدخلها في كل الموضوع ما يبرره أو يفسره.

وحتى لو قبلت إسرائيل، فإن المشروعات المتجاوزة لحدود يونيو العام 1967، مَن الذي سيكون مسؤولاً عنها، : هل هو الاحتلال القائم بالأمر الواقع، أم أصحاب الأرض الشرعيين. وما لم يجرِ الإتفاق على الموضوعات الأساسية السياسية من حدود وأراض محتلّة، وسيادة وملكية وقانونية، فإن الاحتلال هو الذي يفرض كلمته. ومَن يضمن بعد ذلك أن تنفيذ المشروعات وخلق مراكز مالية جديدة لن يكونا عائقاً في طريق حل المشكلات الأساسية والسياسية، بل ربما تصبح هذه المشاريع تكريساً للاحتلال ومنحه قوة تفاوض جديدة لإبقاء واقع الاحتلال على حاله.

لم يكن مقدراً لندوة البحرين أن تنجح...  ولذلك فشلت.