نظام الإقامة المميزة في السعودية:
امتيازات ومواطنة اقتصادية

18.05.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
يعتبر إقرار نظام الإقامات الدائمة و"المميزة" في المملكة العربية السعودية تحولاً كبيراً سياساً واقتصادياً ينسجم في مضمونه وفي أهدافه مع الإصلاحات الشاملة التي ترتكز إليها خطة التحول الوطني السعودي ورؤية 2030. ويعطي النظام الذي أقره مجلس الشورى السعودي أعداداً كبيرة من المستثمرين وأصحاب المهن والمبدعين والذي يقدمون خدمات جليلة للمملكة الحق بالحصول على إقامة دائمة. وهذا التطور كان دعا إليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في العام 2016 وهو أصبح حقيقة الآن في مرحلة تحتاج فيها المملكة إلى اجتذاب المزيد من الاستثمارات وتشجيع المستثمرين وكبار الإداريين واصحاب الكفاءات العالية من ألأجانب على العيش في البلد والمساهمة في ازدهاره. 
لكن المغزى الأهم في القرارات الأخيرة ليس الإقامة في حد ذاتها بل هو في أن القرارات تعطي المستثمرين والمقيمين الأجانب مجموعة من المزايا تجعل منهم بمثابة "مواطنين اقتصاديين" يمكنهم أن يعملوا في المملكة دون حاجة لكفيل سعودي، وأن يشتروا البيوت وأن يسافروا دون حاجة لإذن خروج وعودة كما هي الحال اليوم. بل إن في إمكان الأجنبي المتمتع بالإقامة الدائمة أن يصدر الكفالات بنفسه لأفراد عائلته أو لموظفيه مثل أي صاحب عمل سعودي. 
الملفت هو أن مجلس الشورى لم يكن متفقاً بالكامل حول الخطوة إذ أيدها 76 عضواً مقابل معارضة 55 وهذا التوزع في الأصوات وحجم المعارضة يظهر الأهمية السياسية الكبيرة لهذا الإصلاح الذي يريده الأمير محمد بن سلمان وكذلك وجود تخوف لدى بعض المسؤولين السعوديين من أن يؤدي نظام الإقامات الجديد مع الوقت إلى تنامي فئة الوافدين المقيمين بصورة دائمة وإلى التوسع في سياسات "الانفتاح السكاني" خصوصا مع التوجه نحو إلغاء نظام الكفالات عموماً وتعزيز الامتيازات للوافدين.
أصل "القلق السكاني" في دول الخليج هو أن المواطنة فيها كانت منذ البدء ولا تزال حقا سياسياً حصرياً يرتبط بالانتماء (بالولادة والنسب) إلى المكونات الاجتماعية التي تكون منها البلد، فهي ليست بالتالي "حقاً مدنياً" يمكن الحصول عليه بصورة طبيعية بعد سنين من الإقامة أو كمكافأة على استثمار الأموال في الاقتصاد المحلي. ويعزز التخوف من إدماج المزيد من الأجانب، عاملين أساسيين: الأول هو الامتيازات الاقتصادية التي يحظى بها المواطن وهذه الامتيازات تبقى كبيرة طالما بقيت تقسم على عدد محدود من الناس، أما العامل الثاني فهو أن المواطنين الأصليين الذين يتمتعون بحقوق المواطنة السياسية في بعض بلدان الخليج يشعرون أصلاً أنهم أقلية في بلدانهم ويعلمون أن أي تساهل في السياسة السكانية يمكن أن تنقل القرار أو قسم منه في البلد ومؤسساته إلى القوى الجديدة الوافدة الديناميكية وربما القادرة أسرع من غيرها على الترقّي الاقتصادي. طبعا لا ينطبق هذا الوضع على السعودية بسبب غلبة السعوديين في التركيبة السكانية،  لكن أصل القلق يبقى واحداً.
بالمعنى نفسه، وباعتبار الجنسية أو المواطنة حقاً سياسياً فقد منحت الجنسية في دول الخليج وخصوصا في المملكة العربية السعودية، لأسباب سياسية تحديداً لأشخاص ساهمت الخدمات التي قدموها للدولة المعنية في تزكيتهم لهذا الحق الذي يعتبر شرفاً وامتيازاً لمن يحصل عليه.  
على سبيل الاستنتاج يجب القول ان التحول السعودي في النظر إلى حقوق المستثمرين وأصحاب الكفاءات هو تحول كبير، لكنه غير مفاجئ لأنه ينسجم ويكمل استراتيجية الانفتاح التي أطلقتها المملكة، بدفع خاص من الملك ومن ولي العهد، في مختلف المجالات. فالمشروع السعودي لتنويع الاقتصاد واجتذاب الاستثمارات وقيادة الإسلام الوسطي المعتدل ورفع جودة الحياة للناس والانفتاح على الثقافة والفكر العالمي وتمكين المرأة والتسامح والقبول بالتنوع وبقدر أكبر من الحرية الشخصية الملتزمة، كل هذه الأمور لا بد وأن تحدث مع الوقت تبديلاً في المجتمع السعودي نفسه وفي مكوناته، فالسياحة ستجعل المملكة عند استكمال مشاريعها الطموحة بلداً يزدحم بالأجانب من مختلف الجنسيات وسيعزز فرص التفاعل بين السعوديين وبين الثقافات الأخرى. والنظام الجديد للإقامات يمكن أن يتوسع باتجاه إلغاء نظام الكفالات وتسهيل دخول السياح وحصولهم على سمات الدخول عند المعابر الحدودية وفي المطارات، وهذه السياسة الجديدة في التعامل مع أصحابة الكفاءة والقدرات المالية شرط من مجموعة شروط عديدة لتحقيق أهداف التحول ورؤية المملكة 2030 وسعودية المستقبل.