صراع الغاز بين الجزائر وأوروبا
من يرضخ ... ومتى

08.06.2016
وزير الطاقة الجزائري صالح خبري
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
مارسيلي فارس

عادت إستراتيجية الغاز الطبيعي في الجزائر إلى الواجهة من جديد في  ضوء ما يعرف بالحوار الجزائري الأوروبي حول الطاقة. الحوار الذي انطلق منذ سنوات عدّة يسعى إلى تحديد اطر جديدة للعلاقة الطاقوية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي والذي يعتبر المستورد الأساسي للغاز الجزائري، وبنسبة تبلغ 80 في المئة من إجمالي صادرات الجزائر من الغاز. ولكن هذا الرقم يخفي حقيقة اختلال العلاقة بين الطرفين وسيادة عدم التكافؤ في القوة، فالصادرات الجزائرية لا تشكل إلا 10 في المئة من إجمالي السوق الأوروبية التي تعتبر أنضج سوق للغاز الطبيعي في العالم.

الاختلال المتزايد في العلاقة منذ سنوات عدة، بخاصة مع بداية طفرة الغاز الصخري، ينجم عنه حسب الخبراء ممارسة الاتحاد الأوروبي ضغوطاً كبيرة على الجزائر لحملها على تغيير تعاملها مع أوروبا في مجال الغاز الطبيعي. وتهدف هذه الضغوط إلى اعتماد معايير وشروط السوق الحرة في تجارة الغاز الطبيعي بدلاً من العقود الطويلة الأجل التي مثلت حتى الآن حجر الزاوية في إستراتيجية الجزائر في مجال تصدير الغاز الطبيعي. 

مفوض الطاقة الأوروبي الاسباني  ميغل ارياس كانيتيه صرّح في الجزائر ان الاتحاد الأوروبي يريد تعميق العلاقة مع الجزائر، وأن أوروبا محتاجة إلى الغاز الطبيعي الجزائري في السنوات المقبلة، وهي في انتظار الكميات الإضافية التي تنوي الجزائر إنتاجها في العام 2019 حيث تسعى إلى رفع حصة الغاز الطبيعي في صادراتها من 30 إلى 60 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة.  

الجزائر متمسكة بالعقود الطويلة الأجل لأنها ضمانة للمنتجين

العارفون بحقيقة ما يدور في أروقة التفاوض الجزائري الأوروبي يؤكدون أن تصريحات المفوض الاسباني ذات الطابع الدبلوماسي الجميل، تخفي وراءها حجم الهوة بين رغبات الجزائر ومطالب الشركات الأوروبية العاملة في مجال الطاقة. وتكفي هنا الإشارة إلى حديث نائب الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الفرنسية العملاقة ENGIE   والذي صرّح في الجزائر أثناء اللقاء الطاقوي المنعقد في شهر مايو الماضي «أن العقود الطويلة الأجل لم تعد الإطار الأمثل لتجارة الغاز الطبيعي، كما كان الأمر في السابق، بل إنها تؤدي إلى فك الارتباط بين الأسواق  الحرة وصناعة الغاز في العالم خصوصاً داخل الفضاء الأوروبي».

وأمام هذا الطرح الأوروبي الداعي إلى تغيير قواعد اللعبة في مجال تجارة الغاز الطبيعي جاء الرد الجزائري سريعاً وواضحاً من خلال تأكيد وزير الطاقة الجزائري  صالح خبري على أن الجزائر متمسكة بالعقود الطويلة الأجل لأنها تمنح رؤية واضحة للمنتجين من جهة وتساعد على تقاسم الأعباء بين جميع الإطراف بخاصة أن صناعة الغاز الطبيعي تتطلب استثمارات ضخمة، من جهة أخرى. 

 وسط هذه المواقف المتناقضة يزداد التساؤل حول جوهر الاستراتيجية الجزائرية وما هو هامش المناورة الذي تملكه في ظل تراجع العائدات من العملات الصعبة بشكل غير مسبوق (فقدت الجزائر 70 في المئة من عائداتها في أقل من سنتين) ويعتقد العديد من الخبراء في الجزائر وفي أوروبا أنه من الصعب على الجزائر الدفاع في الوقت نفسه عن موقفها الداعم للعقود الطويلة الأجل، وعن حصتها من السوق في ظل منافسة شرسة لأطراف تتحرك في سوق الغاز الطبيعي وتريد التموضع بصورة أكبر في فضاء الطاقة الأوروبي.

في النهاية كم تصمد الجزائر؟ وهل التحرك الأوروبي في هذه المرحلة يقرأ وكأنه محاولة الإستفادة من وضعية اقتصادية صعبة وهشة ودفع السلطات الجزائرية إلى التخلي عن العقود الطويلة الأجل وفك الارتباط بين سعر البترول وسعر الغاز الطبيعي؟

الأيام المقبلة قد  تعطينا جواباً شافياً.