الاقتصاد يتغلب على إردوغان

05.04.2024
رجب طيب إردوغان
إمام أوغلو
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

سوليكا علاء الدين

تلقى حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا ضربة قوية مع خسارته مدينة اسطنبول للمرة الثانية على التوالي، وذلك عقب فرز النتائج الأولية للانتخابات المحلية التي أظهرت حصول مرشح المعارضة في إسطنبول ورئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو على 51.9 في المئة من الأصوات مقابل 39.6 في المئة لمنافسه الرئيسي مراد قوروم، المرشح المدعوم من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه.

هزيمة اقتصادية

هزّت انتخابات يوم الأحد المشهد السياسي التركي، مُثيرة موجة من التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى النكسة المدوية التي لحقت بحزب "العدالة والتنمية" .عوامل عدة ساهمت في هذا التحول المفاجئ أبرزها الوضع الاقتصادي المتردي، إذ تشهد تركيا تدهورًا حادًا في مختلف المؤشرات الاقتصادية، أبرزها انهيار الليرة التركية وارتفاع معدلات البطالة والتضخم. إذ لا تزال موجة التضخم في تركيا تُلقي بثقلها على الاقتصاد، حيث ارتفعت الأسعار للشهر الخامس على التوالي في آذار /مارس الماضي، مسجلةً 68.5 في المئة على أساس سنوي. وقد فاقم التضخم من حدة الأزمة الاقتصادية في تركيا، حيث سجل أرقامًا أسوأ من التوقعات، مما أدى إلى موجة بيع كثيف لليرة التركية. لكن البنك المركزي التركي صدم الأسواق برفع سعر الفائدة الرئيسي 500 نقطة أساس، ليصل إلى 50 في المئة، وهو أعلى مستوى للفائدة في عقود.

كذلك، واصلت الليرة التركية مسارها الانحداري، مسجلة تراجعًا بنسبة 9 في المئة منذ بداية العام الجاري، لتصل إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق. وقد  انخفضت بنحو 7 في المئة في يوم واحد عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في أيار/مايو  الماضي، وسط مخاوف من تكرار هذا الهبوط بعد الانتخابات المحلية. ولكن المفاجئ أن ما حدث كان عكس التوقعات، حيث حققت الليرة التركية أداءً أفضل من المتوقع في الانتخابات المحلية، بينما كانت قد سجلت أسوأ أداء بين عملات الأسواق الناشئة في مارس، متراجعة بنسبة 3.2 في المئة مقابل الدولار.

كما عزى المراقبون هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات إلى غضب المتقاعدين، الذين يُشكلون كتلة تصويتية هامة في تركيا، حيث تزيد عن 10 ملايين ناخب. وازدادت أزمة المتقاعدين سوءًا مع ارتفاع أعداد من تقاعدوا في سن مبكرة في العام 2023، وتفاقمت حدة هذه المشكلة مع الخسائر الاقتصادية الناجمة عن زلزال فبراير/شباط من العام عينه. هذا ولم ترق الزيادات الطفيفة في معاشات التقاعد إلى مستوى توقعات المتقاعدين.

لا شك أن الأزمة الاقتصادية التي يرزح المواطنون الأتراك تحت وطأتها منذ سنوات أثّرت على سلوك الناخبين بشكلٍ فاق التوقعات، حيث أدّى شعورهم بالاستياء من السياسات الاقتصادية التي يتبعها حزب "العدالة والتنمية " وعدم قدرته على عن معالجة ارتفاع التضخم وتكاليف المعيشة إلى هزيمته المدوية في الانتخابات الأخيرة. اليوم،يملك الرئيس التركي فرصة تمتد لأربع سنوات، حتى موعد الانتخابات الرئاسية عام 2028، لبدء رحلة إصلاحية تهدف إلى إعادة بناء جسور الثقة مع الناخبين والتحضير للمرحلة المستقبلية. وإذا كان الاقتصاد قد هزم إردوغان في السياسة الداخلية، ماذا عن السياسة الخارجية لا سيما ملفات العلاقات مع الدول العربية المجاورة؟

شراكات استراتيجية

تحتل الدول العربية مكانة بارزة في صدارة الأولويات التركية وقد نجحت تركيا في تأسيس علاقات اقتصادية قوية مع هذه الدول قائمة على التعاون والشراكة والاستثمار.ومع فوز الرئيس إردوغان بولاية ثانية، ازدادت العلاقات ازدهارًا عبر بوابة الاقتصاد والاستثمار والتبادل التجاري. وتسعى سياسة الانفتاح التركية إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية مع الدول العربية لتحقيق المصالح المشتركة. ويشكل التقارب بين تركيا والعالم العربي إمكانية سانحة لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، نظرًا للدور الوسيط والدور الفاعل الذي تضطلع به تركيا في المنطقة.

ومن الأمثلة البارزة على العلاقات التركية-العربية المتينة، العلاقات بين تركيا ودول الخليج العربي حيث تحظى بأهمية استثنائية ، الاقتصادية منها. وشهدت التجارة بين الطرفين ارتفاعًا ملحوظًا خلال ال"20 عامًا الأخيرة، حيث بلغت 22 مليار دولار، مما يُظهر القيمة الاقتصادية الكبرى للعلاقات بين دول الخليج وتركيا. وفي الآونة الأخيرة، عقدت تركيا ومجلس التعاون الخليجي مذكرة تفاهم تمهيدية تهدف إلى إطلاق مفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة بين الجانبين بقيمة 2.4  تريليون دولار. ومن المتوقع أن تشمل الاتفاقية المقترحة تحرير تجارة السلع والخدمات، بالإضافة إلى تيسير الاستثمارات في ظل الظروف الاقتصادية العالمية المتغيرة، مما يجعلها واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم.

وفيما يتعلق بالعلاقات المشتركة بين تركيا ومصر، حظيت العلاقات الثنائية بين البلدين بتحسين كبير منذ نهاية عام 2022، حيث قام الرئيس التركي إردوغان بزيارة مصر للمرة الأولى منذ 11 عاماً، بدعوة من نظيره المصري السيسي، بعد أن أعادت أنقرة والقاهرة تعيين سفراء البلدين في 4 يوليو/ تموز الماضي. وتفتح العلاقات التركية المصرية صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، حيث تسعى القاهرة لزيادة حجم التبادل التجاري مع تركيا إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القادمة. كما تهدف تركيا إلى تعزيز التواصل مع مصر على جميع المستويات من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. وقد أثمرت عودة العلاقات مؤخرًا توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء منطقة صناعية لوجستية تركية جديدة في المنطقة الاقتصادية في جرجوب. إذ يهدف المشروع إلى توفير أكثر من 20000 فرصة عمل وجذب استثمارات مباشرة بقيمة 7 مليار دولار على مراحل مختلفة.

بدوره، يُعد التعاون الثنائي  بين الجزائر وتركيا نموذجاً استثنائيا للتعاون الإقليمي. وتقف العلاقات التجارية بين تركيا والجزائر عند 6 مليارات دولار حاليًا، مع إمكانية كبيرة لرفع هذا الرقم إلى مستويات أعلى بكثير، وذلك من خلال تعزيز التعاون في مجالات التجارة والثقافة والتعليم والصناعات الدفاعية والتكنولوجيا المتقدمة. وتُمثّل الاتفاقيات الثنائية بين تركيا والجزائر أحد أهم أشكال التعاون بين البلدين، حيث تم توقيع ما يقارب 11 اتفاقية في مختلف المجالات، تشمل استخدام علوم وتكنولوجيات الفضاء للأغراض السلمية، وعقد وشراء الغاز الطبيعي المميع، ومجال الأرشيف، والتجارة، والتعليم، والبيئة، وغيرها.

روابط لا تُكسر

تكتسب العلاقات الاقتصادية التركية- العربية أهمية كبرى مع اتخاذها طابعاً تعاونياً وتفاعليّاً، بحيث تستكمل عقوداً من الروابط التاريخية وتُبشّر بمستقبل واعد يساهم في بناء شركات اقتصادية مستدامة .ومن البديهي أن تُثار العديد من التساؤلات والمخاوف حول مستقبل العلاقات التركية- العربية، لكن الانتخابات الرئاسية لا تزال على بُعد سنوات، وبالتالي يصعب التنبؤ بمصير هذه العلاقات في حال تغيّر المشهد السياسي في الساحة التركية على الرغم من عدم وجود قلق من أي توجهات جديدة محتملة.  لكن مما لا شك فيه أنّ تركيا تمثل جزءًا لا يتجزأ من النسيج التاريخي والجغرافي للمنطقة، وهناك علاقات تاريخية عميقة تحكمها أسس متينة ودعائم راسخة. ولطالما جسّدت هذه العلاقات نموذجًا يُحتذى به للعلاقات الأخوية، وساهمت بشكلٍ كبير في إرساء دعائم الأمن والاستقرار.