حزمة إجراءات حكومية مصرية
تعويم الجنيه ورفع الفائدة

07.03.2024
د. مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري
وزير المال المصري محمد معيط
محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

القاهرة: محمود عبد العظيم

جاءت حزمة الإجراءات  التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي المصري أمس وشملت تعويم الجنيه ورفع سعر الفائدة وطرح شهادات ادخارية مرتفعة العائد ثم توقيع اتفاقية تمويل جديدة مع صندوق النقد الدولي لتمثل ما يمكن اعتباره بعملية " تدخل مركبة " تستهدف بالدرجة الأولى تصحيح مسار الاقتصاد المصري الذى يعاني منذ عدة شهور من أزمة هي أيضاً مركبة وإن كان العنصر الأبرز فيها هو شح العملة الأجنبية في الأسواق.

وتضع هذه الإجراءات حجر الأساس لمرحلة جديدة من مراحل تطور الاقتصاد المصري ليس على صعيد مواجهة تداعيات الأزمة الراهنة ولكن على صعيد المستقبل المستدام لأداء هذا الاقتصاد لسنوات طويلة مقبلة، حيث تعد هذه الإجراءات بمثابة وسيلة للوصول إلى غايات محددة على المديين القصير والمتوسط وتمنح الاقتصاد الكلي القدرة على التعافي واستعادة النمو وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي.

تعويم كامل

فى مقدمة هذه الإجراءات التي تم اتخاذها يأتي قرار البنك المركزي بالسماح بتحديد سعر صرف الجنيه أمام العملات الاجنبية خاصة الدولار وفقاً لآليات العرض والطلب الأمر الذي ترتب عليه تراجع قيمة الجنيه بنحو 62 في المئة خلال أقل من ثلاثة ساعات عمل داخل الجهاز المصرفي ليسجل سعر تداول العملة المصرية 51 جنيها مع نهاية اليوم مقابل 30.85 جنيهاً عند الافتتاح .

وماحدث بالأمس هو تعويم كامل للجنيه للمرة الأولى في تاريخه حيث أن العملية هذه المرة لاتعد تعويماً مداراً مثلما كان يحدث في السابق بل تعويماً مفتوحاً أي ترك تحديد السعر لآليات العرض والطلب يومياً علماً بأن هذا يمثل سابع حلقة من حلقات خفض العملة المصرية أمام الدولار على مدار العقود الأربع الماضية حيث سجل العام 1977 أول عملية خفض رسمية للجنيه أمام الدولار من 60 الى 130  قرشاً في ذلك الوقت.

ومن المتوقع ان تسفر هذه الخطوة عن توحيد سعر الصرف بين السوقين الرسمية والموازية فى المرحلة الأولى على أمل أن تختفي تعاملات السوق الموازية تدريجياً بمرور الوقت لاسيما في حال نجاح الجهاز المصرفي في إتاحة الدولار لمن يطلبه سواء من المستوردين أو لتمويل الانفاق الفردي فى مجالات السفر والعلاج والتعليم في الخارج حيث بدأت البنوك منذ مساء أمس في تخفيف القيود المفروضة على استخدام بطاقات الائتمان خارج البلاد لعملائها من الأفراد والشركات.

ومن المتوقع أيضاً أن تشهد الأسواق بدء فك اختناقات المعروض السلعي على خلفية قرار الحكومة ببدء الإفراج عن السلع المكدسة بالموانىء وفتح اعتمادات استيرادية عاجلة للسلع التى تشهد نقصاً في الأسواق خاصة السكر والزيوت والأعلاف ومن ثم ربما تشهد الأسواق نوعاً من الاستقرار النسبي في الأسعار خلال الأسابيع القادمة حيث أن القائمين على سلاسل التوريد ينتظرون ما سوف تسفر عنه الإجراءات الحكومية على أرض الواقع وإمكانية تلبية طلبات الاستيراد وفق آليات واضحة وسهلة وسريعة من شأنها أن تؤمن التدفق السلعي للأسواق والمستهلكين وذلك فى عملية مراقبة حذرة لتطورات المشهد في الأيام المقبلة.

وإذا كان بعض المصرفيين يرون أن السعر العادل للجنيه أمام الدولار يتراوح بين 43 و 45 جنيهاً فإن السوق الموازية شهدت صعوداً سعرياً فور الإعلان عن تعويم الجنيه ليتراوح السعر فيها بين 56 و 57 جنيهاً لكل دولار الأمر الذي يشير إلى أن الوصول الى نطاق سعري مستقر للدولار في مصر لايزال بعيداً وأن عملية توحيد السعر بين السوقين الرسمية والموازية سوف تستغرق المزيد من الجهد والوقت وإتاحة السيولة وهو ما سوف يتضح في الأيام والاسابيع المقبلة حيث أن أطراف السوق لاتزال تختبر بعضها بعضاً ولايزال حملة الدولار يفضلون الاحتفاظ به لحين اتضاح الموقف.

قفزة في أسعار الفائدة

أما الإجراء الثاني فقد جاء مصاحباً ومكملاً لتعويم الجنيه وهو قرار لجنة السياسات النقدية بالمركزي المصري خلال إجتماع استثنائي برفع سعر الفائدة بمقدار 600 نقطة دفعة واحدة ليصل معدل الفائدة إلى 27.25 للايداع و 287.25 للاقراض.

وحسب بيان البنك المركزي فإن هذا الرفع غير المسبوق لأسعار الفائدة في البنوك المصرية إنما يستهدف إحراز عدد من النتائج الإيجابية قصيرة المدى فى مقدمتها العمل على الإسراع بوضع التضخم على مسار نزولي للوصول به إلى 7 في المئة  في المتوسط خلال فترة الربع الأخير من العام الجاري مقابل 31 في المئة حالياً وتحسباً لمواجهة موجة تضخم جديدة مرتقبة ناتجة عن تعويم الجنيه.

كما تشمل مستهدفات البنك المركزي من خطوة رفع سعر الفائدة العمل على تعزيز جاذبية الجنيه كعملة ادخار واستثمار عبر تحويل صافي العائد على الادخار بالجنيه إلى صافي موجب بدلاً من صافي سالب قبل رفع سعر الفائدة.

وفور صدور قرار رفع سعر الفائدة سارع أكبر مصرفين فى السوق المصرية وهما بنك مصر والبنك الأهلي بالإعلان عن طرح شهادات ادخارية جديدة مدتها ثلاثة أعوام بفائدة متناقصة تبدأ بسعر 30 % خلال السنة الأولى ثم 25 % في السنة الثانية ثم 20 % في السنة الثالثة الأمر الذي يشير إلى ثقة البنوك في بدء انحسار التضخم مع نهاية العام الأول.

ويعزز إصدار هذه الشهادات أهداف السياسة النقدية التشددية التى بدأ في تنفيذها البنك المركزي والتي تسعى إلى تجفيف السيولة من الأسواق للمساعدة في كبح جماح التضخم.

فى الوقت نفسه فإن هذا الإجراء سوف يكون له وجه سلبي- يدركه المركزي ولاينكره- وهو انكماش الائتمان الموجه للقطاع الخاص في هذه المرحلة الحرجة نتيجة الإرتفاع الكبير في تكلفة التمويل الأمر الذي قد يسهم في تعطيل وتأجيل توسعات القطاع الخاص إلى جانب احتمالية إرتفاع معدلات الفقر والبطالة في المجتمع المصري- ولو مرحلياً- حتى تستعيد شركات القطاع  الخاص القدرة على التعايش مع معدلات فائدة لم يسبق لها أن تعاملت معها من قبل، خاصة وأن عمليات التوريق التى كانت قد بدأت في تنفيذها بعض شركات القطاع الخاص الكبرى تواجه صعوبات إجرائية مما يحرم هذهة الشركات من بديل تمويلي متعارف عليه عالمياً.

إتفاق مع الصندوق

بعد ساعات قليلة من تعويم الجنيه ورفع سعر الفائدة جاء الإعلان عن توقيع إتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي بحزمة تمويلية قدرها 8 مليار دولار يضاف إليها 12 مليار دولار أخرى من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي و 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لمؤسسة التمويل الدولية الأمر الذي يعزز السيولة النقدية بالعملة الأجنبية والمتوقع تدفقها على السوق فى الفترة المقبلة لتعزز قدرة المركزي والحكومة على تلبية الطلب المتزايد والمتراكم على الدولار ويحرم السوق الموازية من أية سلوكيات مضاربية في الفترة القادمة لتعزيز الثقة بالسوق الرسمية للصرف.

ويعد هذا الإتفاق بداية مرحلة جديدة من العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي خاصة بعدما نفذت الحكومة- تقريباً- كل طلبات الصندوق قبل توقيع الإتفاق والتي شملت إجراءات إصلاحية للموازنة والمالية العامة وضبط الانفاق الحكومي وتعزيز إجراءات الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاق برنامج الطروحات الحكومية  وتعويم الجنيه وتحفيز القطاع الخاص والتخارج التدريجي للمؤسسات السيادية من العملية الإقتصادية .

ويراهن الطرفان على نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل في ضبط مسيرة الاقتصاد المصري في السنوات القادمة ودعم قدرته على جذب الإستثمار الأجنبي لتعزيز عمليات التشغيل والإنتاج ومن ثم التصدير وعلاج الخلل المزمن في ميزان المدفوعات الأمر الذي قد يساعد الحكومة على الوفاء بسداد أقساط ديونها الخارجية دون التأثير السلبي على معيشة المواطنين ويجنبها العودة إلى المربع صفر والدخول في دوامة أزمة جديدة.