الهند والشرق الأوسط
ممر الفرص الواعدة

01.03.2024
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

سوليكا علاء الدين

تُنسج الهند علاقات تجارية واستثمارية متينة مع دول الشرقِ الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا، وتُقدم باقةً من الفرص الاستثمارية الواعدة في قطاعات حيوية مثل الهيدروجين الأخضر والمركبات الكهربائية والتعليم والأدوية. وكشف تقرير "التوقعات المستقبلية للممر التجاري بين الهند ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا" الصادر عن بنك"HSBC"عن وجود فرص ضخمة لنمو التجارة الثنائية للسلع بين الهند والمنطقة من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق 100 مليار دولار بحلول أفق 2027.

التقرير سلّط الضوء على فرص النمو الهائلة في العلاقات التجارية والاستثمارية بينَ الهند والشرق الأوسط وشمالِ إفريقيا وتركيا التي تشهد نموًا مُلفتًا، مدعومًا باتفاقيات التجارة الحرة والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا وبمصالح مشتركة تُعيد بناء علاقات متينة بين المناطق. وفي ظل اعتماد الهند تاريخيًا على صادرات النفط الخليجي، تشهد هذه العلاقات تحولًا هامًا مدفوعًا بتنويع اقتصاد المنطقة ونمو الهند كمصدر للأغذية، خاصةً مع ازدياد احتياجات الدول العربية للأمن الغذائي.

وقد أشارت البيانات الصادرة  إلى إمكانيات تصدير ضخمة تبلغ 51 مليار دولار من المنطقة إلى الهند، حيث تتصدر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا والكويت وقطر قائمة الدول المصدرة.

 آفاق إيجابية

تشهد تجارة السلع العالمية تراجعًا مستمرًا منذ الربع الرابع من عام 2022، مما دفع منظمة التجارة العالمية إلى خفض توقعاتها التجارية لعام 2023 إلى 0.8 في المئة. وتُعزى هذه التوقعات إلى: الجمود في أوروبا والولايات المتحدة، تحديات سوق العقارات المحلية في الصين، الآثار اللاحقة لجائحة  (COVID-19)، والتوترات الجيوسياسية في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. ومع ذلك، لا تزال توقعات النمو العالمي لعام 2024 إيجابية بالنسبة لأحجام التجارة السلعية العالمية، حيث من المتوقع أن تبلغ 3.3 في المئة في أكتوبر/تشرين الأول  2023، وهو ما يقترب من توقعات 3.2 في المئة لشهر أبريل/نيسان 2023.

وعلى المدى الطويل، تبدو آفاق التجارة العالمية إيجابية، مدعومة بإعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية وتكييف السياسات التجارية مع التحول الأخضر. وعلى الرغم من تباين توقعات التجارة العالمية، تُعدّ الهند قصة نجاح نسبية، حيث شهدت نموًا كبيرًا في صادراتها في الربع الأول من عام 2023، وفقًا لآخر تحديث تجاري لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في يونيو/تموز 2023. وأظهرت توقعات الناتج المحلي الإجمالي الواردة في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي (أكتوبر/تشرين الأول 2023) انتعاشاً جيداً في مرحلة ما بعد الجائحة بالنسبة للهند والأسواق الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا. هذا وتشهد الهند والمنطقة العربية تحولًا إيجابيًا في توقعات النمو خلال الفترة من 2027 إلى 2028، حيث من المتوقع أن تنمو الهند بنسبة 6.3 في المئة، مصر بنسبة 6 في المئة، والإمارات العربية المتحدة بنسبة 4.5 في المئة.

بدورها، تعكس الزيادات الكبيرة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين عامي 2012 و 2022 الثقة المتزايدة في الهند والبلدان الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا كوجهات استثمارية جذابة. ففي الهند، تضاعفت هذه التدفقات لتصل إلى 49.4 مليار دولار، مقارنة بـ 24.1 مليار دولار في عام 2012. وتصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة دول المنطقة العربية من حيث جذب الاستثمارات، حيث ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من 9.6 مليار دولار إلى 22.7 مليار دولار خلال نفس الفترة. كما حققت مصر أيضًا نموًا هاماً في جذب الاستثمارات، حيث ارتفعت من 6 مليارات دولار إلى 11.4 مليار دولار.

تجارة مزدهرة

تشهد العلاقات التجارية بين الهند ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا نموًا ملحوظًا مدعومًا بتوافقٍ متبادلٍ في المصالح. وبرزت هذه الزيادة بشكل واضح في عام 2022-2023، حيث استوردت الهند كميات كبيرة من النفط الخام والمنتجات البترولية من دول المنطقة، التي تُعدّ من كبار منتجي النفط في العالم.

كما تُحقق التجارة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي تطورًا ملحوظًا، حيث ازدادت من 87 مليار دولار إلى 154 مليار دولار بين عامي 2021 و2022. وأظهرت البيانات الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة الهندية نموًا مطرداً في صادرات الهند إلى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث ارتفعت من 43.9 مليار دولار في عام 2021-2022 إلى 51.3 مليار دولار في عام 2022-2023، بزيادة سنوية بلغت 16.8 في المئة.

وتُضاعف الهند جهودها لتحقيق طموحها في أن تصبح المصدر الرئيسي للغذاء لدول مجلس التعاون الخليجي. وتشهد العلاقات الثنائية بين الجانبين تطورًا ملحوظًا، حيث تُنفذ مشاريع استثمارية مشتركة بقيمة 9 مليارات دولار تهدف إلى تعزيز التعاون في مجال الأمن الغذائي. وتلعب الاتفاقيات التجارية الثنائية بين الهند والأسواق الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا دورًا هامًا في تعزيز التعاون التجاري بين الجانبين، حيث تجاوزت التجارة الثنائية مع قطر 18 مليار دولار، ومع المملكة العربية السعودية 24 مليار دولار، ومع تركيا 13.8 مليار دولار في عام 2023.

وعكست تقارير مركز التجارة الدولية إمكانات هائلة لصادرات الهند بقيمة 61 مليار دولار أمريكي في خمسة أسواق رئيسية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا. وتحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى بين هذه الأسواق بفرص تصديرية تبلغ 32 مليار دولار، تليها المملكة العربية السعودية وتركيا بـ11 مليار دولار على التوالي.

شراكة طاقوية

وعن المستقبل الطاقوي، أظهرت التوقعات أن الطاقة ستظل عنصرًا أساسيًا تدفع علاقات الهند مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا.على المدى الطويل. ومن المتوقع أن تصبح الهند أكبر مستورد للنفط في العالم، متجاوزةً الصين، مما يجعلها سوقًا جذابةً بشكل متزايد للاستثمارات في مجال مصافي التكرير. وستُتيح هذه الزيادة لدول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة بشكل كبير من هذا التطور. وتُقدم محاولات الهند لتنويع مصادر إمدادات الطاقة فرصًا مغرية لدول مجلس التعاون الخليجي للاستثمار في سوق الطاقة المتجددة المتنامي في الهند.

كما وتُظهر موارد الطاقة الوفيرة في المنطقة وقوة الهند كدولة مصدرة للمنتجات الزراعية وجود توقعات إيجابية طويلة المدى لممر الهند-شرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا، حيث من المرجح أن ينمو إجمالي التجارة بين الطرفين بنسبة 50 في المئة أخرى ليصل إلى أكثر من 190 مليار دولار بحلول عام 2030. ومع ذلك، أصبح الميزان التجاري للهند مع الشرق الأوسط سلبيًا، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى واردات الطاقة.

هذا وتعيش بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا تحولًا سريعًا مدفوعًا بالاتجاهات العالمية الكبرى. وتُعدّ هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للهند، نظرًا لموقعها على طرق التجارة الرئيسية في آسيا وإفريقيا وأوروبا، مما يُشكّل بيئة مواتية لنجاح الشركات والمستثمرين من الهند في المنطقة.

قفزة اقتصادية

وفق آخر التوقعات، تُسجل الهند قفزة هائلة في نموها الاقتصادي، حيث من المتوقع أن تنتقل من وضع الدخل المتوسط الأدنى إلى مستوى الدخل المتوسط الأعلى بحلول عام 2029. وبناءً على ذلك، من المرجح أن ينمو اقتصاد الهند من 3.4 تريليون دولار في عام 2022 إلى 7.5 تريليون دولار - 8 تريليون دولار بحلول عام 2032، مع امتلاكها ثالث أكبر سوق استهلاكي في العالم بحلول عام 2027.

وتُعزز هذه التوقعات الإيجابية من خلال التطورات البارزة، مثل استضافة الهند لقمة مجموعة العشرين في عام 2023، والإعلان عن خطط لإنشاء ممر اقتصادي جديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC). ويهدف الممر إلى ربط أوروبا والشرق الأوسط مع الهند من خلال روابط الشحن والسكك الحديدية، مما يُعزز التجارة وتجارة الطاقة والاتصال الرقمي بين هذه المناطق.

ومن المتوقع أن يؤدي IMEC إلى زيادة متوقعة بنسبة 40 في المئة في سرعة التجارة بين الهند وأوروبا. وتُعتبر المملكة العربية السعودية من أهم الدول الداعمة للممر، حيث تعهدت بتقديم مبلغ 20 مليار دولار لتطويره. كما تُعدّ الشراكة الشاملة بين الهند والإمارات العربية المتحدة مثالًا آخر على التعاون القوي بين الهند والمنطقة.

استثمارات جاذبة

على الصعيد الاستثماري، تلعب الاستثمارات الخليجية، خاصة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، دوراً هامًا في تعزيز نمو وتعميق النظم البيئية للأعمال في الهند. وأشارت التوقعات إلى أنّ هذه الاستثمارات ستُسفر عن فوائد اقتصادية متبادلة للجانبين، حيث حلّت المملكة العربية السعودية في  المرتبة 18 بين أكبر المستثمرين في الهند، مع استثمارها 3.15 مليار دولار بدءَا من عام 2022، بينما تستثمر الإمارات العربية المتحدة- سابع أكبر مستثمر في الهند- 18 مليار دولار أمريكي حتى مايو/ أيار 2023.

ولا تقتصر اهتمامات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا في الهند على الاستثمار في الصناعات الغذائية والزراعية، بل شهد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي اتجاهًا متزايدًا لاستخدام سيولتها الفائضة في قطاعات التجزئة والاقتصاد الرقمي في الهند. وتوفر الهند فرصًا استثمارية واسعة في مجال الاقتصاد الرقمي، خاصة في قطاعات البرمجيات، والتكنولوجيات الجديدة، والتجارة الإلكترونية، والتكنولوجيا الصحية.

كما يُقدم الاقتصاد الرقمي في الهند كنزًا من الفرص للشركات والمستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا، مُسلطًا الضوء على أهميته الحاسمة في قصة النمو الهندي خلال العقد القادم .ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد الرقمي الهندي نموًا هائلاً، حيث من المتوقع أن ترتفع نسبة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 0.5 في المئة في عام 2010، إلى 4 في المئة – 5 في المئة في عام 2022، إلى 12 في المئة – 13 في المئة بحلول عام 2030.

ممر مستدام

يُعد المشهد الاقتصادي المتنامي في الهند فرصة استثنائية للشركات والمستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا. حيث يُقدم الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط فرصًا استثمارية واسعة في مختلف القطاعات، ويمثل بوابة عبور استراتيجية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين هذه المناطق.

ومع ازدياد اتفاقيات التجارة الحرة والاتفاقيات الثنائية بين الهند ودول المنطقة، تتجه الأنظار نحو إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية وتعديل السياسات التجارية لدعم التحول الأخضر.

وتُشكل ثورة الإصلاحات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا بيئة تنافسية تجذب الشركات العالمية والإقليمية. حيث تقدم هذه الاصلاحات آفاقًا واسعة للتجارة، بما في ذلك طموح الهند لأن تصبح سلة الغذاء لدول مجلس التعاون الخليجي. لذلك، حان الوقت الآن للشركات والمستثمرين على طول الممر الاقتصادي اغتنام  فرص التعاون واستغلال هذه الإمكانات الهائلة التي يوفرها هذا الممر الاستراتيجي من أجل بناء مستقبل أكثر استدامة.