قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي يهتزّ
وشركات أميركية تتدخل للدعم

21.12.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بيروت – الاقتصاد والأعمال

بعد عامين من الاضطرابات والأزمات في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، جاء عدوان إسرائيل على غزة ليتسبّب بزلزال في هذا القطاع الذي تنشط فيه 6 آلاف شركة إسرائيلية ونحو 2500 شركة أميركية.

ويقول 80 في المئة من شركات التكنولوجيا الإسرائيلية أن الحرب الحالية تسببت لها بأضرار كبيرة لم يسبق أن شهدتها في تاريخها (إحصاءات شركة "إس إن سي" الإسرائيلية).

لكن هذا الزلزال لم يضرب الشركات الإسرائيلية فحسب، بل أثّر بشكل كبير أيضاً على الشركات الأميركية الناشطة في إسرائيل التي تشغّل حوالي 72 ألف موظف إسرائيلي (تقديرات غرفة التجارة الأميركية). ولهذا فقد اندفعت شركات التكنولوجيا الأميركية لتقديم النجدة لإسرائيل وحماية مصالحها، بعد أيام من اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة.

هذه النجدة لا تقتصر على مساعدة الشركات والموظفين في إسرائيل، بل تتعداها إلى تقديم حلول تكنولوجية إلى الجيش الإسرائيلي الذي تتهمه وكالات الأمم المتحدة بتنفيذ مجازر كبيرة بحق الفلسطينيين. ويطرح هذا الجانب من المساعدات أسئلة أخلاقية كُبرى وتدفع أوساط عديدة في المنطقة للبحث عن بدائل، خصوصا لتكنولوجيات الشركات الأميركية التي تستخدمها إسرائيل في حرب إبادة أهل غزة.     

عام 2023 كان من بين أسوأ الأعوام في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي بحسب صحيفة هآرتس، فقد واصلت الاستثمارات في هذا الميدان انخفاضها للعام الثالث على التوالي. وبحسب وزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية، انخفضت الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المحلي بنسبة 70 في المئة في بداية العام 2023 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وهو انخفاض وصفته مؤسسات دراسات متخصصة في مجال التكنولوجيا بأنه "الأكبر مقارنة بقطاع التكنولوجيا في البلدان المنافسة لإسرائيل". لهذا، عندما بدأت الحرب على غزة تلقّى القطاع ثلاث ضربات قاسية تُضاف إلى المشاكل والأزمات السابقة.

ثلاث ضربات قاسية

تمثّلت الضربة الأولى بنزيف القوى العاملة التكنولوجية وتعطل جزء من أعمال شركات التكنولوجيا الأميركية والإسرائيلية. لقد تم تجنيد عشرات الآلاف من العاملين في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية والأميركية بعد استدعاء الجيش للاحتياط، كما تم تجنيد أصحاب المشاريع من رؤساء الشركات الصغيرة والمتوسطة في صفوف جيش الاحتلال. ومن المعروف أن خطة التعبئة العسكرية الأوّلية استهدفت استدعاء نحو 350 ألف جندي احتياط مباشرة بعد عملية طوفان الأقصى، التي شنّتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة.

وتقدر شركة "إس إن سي" الإسرائيلية أن حوالي 10 في المئة من موظفي قطاع التكنولوجيا الإسرائيليين تم تجنيدهم للقتال في غزة، بينما قدّرت دراسات إسرائيلية أخرى نسبة موظّفي قطاع التكنولوجيا الذين تم تجنيدهم بنحو 30 في المئة.

لم يكن سهلاً على قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي "هضم" هذا التطوّر المرعب، وأدى في جملة ما أدى إليه، إلى تعثّر نشاطات الشركات وانخفاض قدرتها على جذب التمويل كما أثّر على خدمات شركات التكنولوجيا في كامل السوق الإسرائيلية وعلى حجم عمليات الاستحواذ والاندماج.

الضربة الثانية التي تلقاها القطاع تمثّلت بشحّ التمويل، خصوصا بالنسبة للشركات الناشئة التي تشكل العامود الفقري لقطاع التكنولوجيا الإسرائيلي. ويقول الرئيس التنفيذي لهيئة الابتكار الإسرائيلية درور بن، إن قطاع التقنية الفائقة، الذي واجه انخفاضا في حجم الاستثمار خلال الأشهر الـ 18 الماضية، تعرّض للضربة الكبرى عندما بدأت الحرب. ويضيف إن التأثير الكبير يبدو أكثر وضوحا في الشركات الناشئة التي باتت بحاجة ماسّة إلى التمويل وبأسرع وقت ممكن. معتبرا أن أي تأخير في تقديم الدعم لهذه الشركات يمكن أن يؤدي إلى إفلاسها.

أما الضربة الثالثة، فتمثّلت بانعكاس الاضطرابات في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي على كامل الاقتصاد. ويقول الشريك في شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" في إسرائيل يارون وايزنبلوث إن "الحرب غيرّت كل شيء، لأن إسرائيل وصناعتها التكنولوجية دخلت إلى الحرب عندما كانت في وضع دون المستوى الأمثل"، خصوصا بظل تأثيرات الانكماش الاقتصادي العالمي. ويضيف إن الأزمة القضائية التي تسبب بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرّفة زاد من العواقب المدمّرة، ما تسبب بتعريض كامل الاقتصاد الإسرائيلي للخطر.

ويذكر أن إسرائيل تجذب معظم استثماراتها في مجال التكنولوجيا من الخارج. وفي عامي 2021 و2022، بلغت مساهمة الاستثمارات الأجنبية في الشركات الناشئة الإسرائيلية نحو 80 في المئة من إجمالي الاستثمارات. ومعظم هذه الاستثمارات تأتي من الولايات المتحدة.  

وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تمثّل صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية 18 في المئة من الناتج المحلي، وما يناهز 50 في المئة من صادرات البلاد، وتساهم بأكثر من 30 في المئة من الضرائب الحكومية، كما تشغّل الشركات التكنولوجية الناشئة النسبة الكبرى من القوى العاملة المتخصصة بالتكنولوجيا. ولهذا يُطلق على إسرائيل لقب "بلاد الشركات الناشئة". ويستفيد هذا القطاع بشدة من استثمارات البحث والتطوير الكبيرة التي تنفقها الشركات الأميركية في إسرائيل مثل "إنتل" و"مايكروسوفت" و"أبل" و"غوغل" و"إنفيديا" وغيرها.

العم سام "الرقمي" يتدخل للنجدة

إزاء هذا المشهد السوداوي في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، سارع العم سام "الرقمي" إلى نجدة القطاع من خلال عدة خطوات. وقد تمثّلت المساعدة في عدة أشكال أهمها تقديم الدعم التكنولوجي. وتحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلي عن تدفّق الدعم في البداية إلى موظفي الشركات من حملة الجنسية الإسرائيلية. وشمل هذا النوع من الدعم شركات مثل HP، Oracle، Alphabet، مايكروسوفت، إنفيديا وغيرها. كما ركزت الشركات الأميركية على تقديم الدعم المالي للموظفين من خلال رواتب إضافية ومساعدات عينية.

لكن الشركات الأميركية لم تكتف بمساعدة موظّفي شركاتها، فقد بادرت غوغل وأمازون كما أوراكل إلى تقديم دعم للمؤسسات الحكومية. وبحسب حركة مقاطعة إسرائيل فإن غوغل وأمازون تنفذان مشروعاً تكنولوجيا لصالح الحكومة والجيش الإسرائيلي. وتبلغ قيمة المشروع (نيمبوس) نحو 1.2 مليار دولار. لكن وبما إن هذا المشروع يتضمن حلولاً في مجال تخزين البيانات وتحليلها والذكاء الاصطناعي، فقد بادرت الشركتان إلى تسريع تسليم عدد من الخدمات حرصاً منها على دعم الجيش الإسرائيلي الذي يستفيد بشكل كبير من التكنولوجيات الجديدة خلال الحرب. ونتيجة لهذه المساعدة التقنية، تمكن الجيش الإسرائيلي بحسب خبراء متابعين، من تفعيل عدد من أدوات الذكاء الاصطناعي من بينها نظام عسكري باسم "حبسورا". ويعتمد الجيش على هذا النظام لتحليل كميات من المعطيات بهدف اقتراح ضرب أهداف عسكرية ومدنية جديدة. وتستند هذه الأنظمة في عملها إلى مراكز البيانات الضخمة والخدمات السحابية الهائلة التي يتضمنها مشروع "نيمبوس".

هذه المشاريع المشتركة والدعم الذي تلقته الحكومة والجيش الإسرائيلي من الشركات الأميركية، لم يمرّ في الولايات المتحدة من دون ردة فعل، إذ بدأت حركة المقاطعة الأميركية التي تحمل إسم "لا تكنولوجيا لنظام الفصل العنصري" بنشر معلومات حول دعم غوغل وأمازون للجيش الإسرائيلي في حربه على غزة. ونشر موقع حركة المقاطعة معلومات تفصيلية مؤخرا حول هذا الدعم وطريقة استخدام الجيش الإسرائيلي للتكنولوجيات الأميركية. ويرجّح خبراء في حركة المقاطعة أن يكون الذكاء الاصطناعي من بين أبرز الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي حاليا في عدوانه على غزة.   

لا شك أن هذه الحرب طرحت أسئلة أخلاقية كبيرة في الولايات المتحدة، لكن بالنسبة للمنطقة طرحت الحرب تحديا أخلاقيا آخرا تمثّل في الحلول التكنولوجية التي يمكن الاعتماد عليها لاستبدال خدمات الشركات المنخرطة في الحرب على غزة. ومن المعروف أن عدداً كبيراً من الشركات التي تقدم هذا النوع من التكنولوجيات والخدمات حول العالم، غير منخرطة في الحرب ولديها سجل أخلاقي معروف في أوساط القطاع التكنولوجي العالمي.