قمة الرياض تعيد فلسطين
الى مكانتها الطبيعية

15.11.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

لم يكن امراً اعتيادياً ان تجمع المملكة العربية السعودية على أرضها، زعماء قادة 57 دولة عربية وإسلامية يمثلون مليار ونصف مليار من سكان الأرض، من أجل فلسطين ومن أجل اعادتها الى مكانِها الطبيعي كقضية مركزية لها الأولوية على ماعداها من قضايا.

هذه القضية، ليست مسألة 7 أكتوبر تشرين الأول وما تلاه من احداث جنونية ارتكبتها إسرائيل، هي قضية شعب مظلوم هجر بالقوة من أرضه ودياره، ويرزح تحت الاحتلال بإعتراف الشرعية الدولية والمجتمع الدولي، وهناك قوانين دولية تحدد الالتزامات لدولة الاحتلال، وهناك قرارات لمجلس الامن تحدد أن الأراضي الفلسطينية التي احتلت في 5حزيران 1967هي أراضي محتلة، وهناك قرارات تدعو الى حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهناك الملايين من البشر يشاهدون بأم العين ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ولاسيما قتل الأطفال والنساء وقصف المستشفيات،  ويقرون بانها جرائم حرب وضد الإنسانية مدانة دولياً ويجب ان تحاكم مع قادتها على أساسها امام المحاكم الدولية.  

واذا كانت الدول التي اجتمعت في الرياض لا تنطلق من وجهات نظر متطابقة في الملفات الإقليمية والدولية وتنظر إلى الأزمات من زوايا مختلفة بحكم ظروفها وتجاربها. لكنها اتفقت على الدعوة إلى وقف فوري للحرب، والسعي إلى بناء السلام على قاعدة العدل ومحاكمة مجرمي الحرب وإنهاء الاحتلال والظلم. واعربت الغالبية الساحقة عن قناعتها على ان لا حل سياسي لهذه القضية المعقدة الا بنيل الفلسطينيين حقوقهم وفي طليعتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.

وحفل البيان الختامي لقمة الرياض بالرسائل المهمة المتمثلة باربع نقاط أساسية، وهي: إدانة العدوان الإسرائيلي وبشكل واضح لا لبس فيه والدعوة الى وقفه فوراً، وكسر الحصار على غزة، والتمسك بحل الدولتين سبيلاً وحيداً لوقف الصراع، ومحاكمة المجرمين الصهاينة على ارتكاباتهم التي فاقت كل وصف. الأهم من البيان هو التحرك الذي ستقوم به اللجنة التي شُكلت للاتصال بالدول الكبرى لاستجماع إرادة دولية تفرض إنهاء النزاع على قاعدة حل الدولتين، بدلاً من الاكتفاء بهدنة وإدخال مساعدات في انتظار جولة مقبلة أشد فتكاً.

وشكلت الكلمة الافتتاحية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رأياً حازماً تجاه العدوان الإسرائيلي، ووضعت المطالبات العادلة المتمثلة في إنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة، والإفراج عن الرهائن المحتجزين وحفظ الأرواح وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة.

حرب غزة غيرت كل معطيات المنطقة، قبل سنوات كان لايمكن لاي مراقب او محلل ان يتصور ان يظهر ولي العهد السعودي في صورة واحدة، ويخطب من منبر واحد،  مع الرؤساء: الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب اردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي والسوري بشار الأسد وامير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وان تجتمع كلماتهم على هدف وحيد وهو احتضان فلسطين. 

هذا التجمع الهائل لقوى فاعلة على الصعيدين الإقليمي والدولي، بامكانه ان يفعل الكثير من اجل فلسطين، فهذه القضية هي مركزية بالنسبة للعرب والمسلمين، والعلاقة بين فلسطين والعرب والعالم الإسلامي، ليست طبيعة فحسب بل لايمكن ان تنفصم. والمطلوب ولعل قمة الرياض هي الفاتحة لبذل الجهود كي تتوقف كارثة غزة وان تتبع بنكبة جديدة لأن اضرارها ستطال الجميع عرباً ومسلمين وتجعلهم كما بلا قيمة سياسية او معنوية.

وبالفعل فان القرارات عبرت عن رؤية جماعية مرتبطة بعدد من التحركات على الأرض سياسية وإنسانية وإعلامية، تتحدى كل ما تصبو إليه آلة الحرب الإسرائيلية وداعموها الدوليون، من فرض أمر واقع ينهي القضية الفلسطينية ويهجر أهلها قسراً، ويعيد الاحتلال الإسرائيلي بشكل سافر إلى قطاع غزة بذرائع أمنية واهية. إن رسالة القمة العربية الإسلامية، وتأكيدها على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي وتصفية تداعياته اللاإنسانية فوراً، والبدء مباشرة في مسار سياسي يُفضي إلى دولتين تتعايشان وفق القواعد الدولية المعمول بها بين الدول، كما يحددها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدول بشكل عام، من شأنها أن تضبط إيقاع التحرك المستقبلي عربياً وإسلامياً من دون أي مزايدات من أحد، فالإجماع تحقق حول مركزية القضية الفلسطينية ولا تنازل عنها، وتوافق حول مسار سياسي برعاية دولية، يُنشئ دولة فلسطينية وفق القرارات الدولية والمبادرة العربية، وتحقيق مبدأ الأمن المتكافئ، فلا أمن لإسرائيل من دون أمن الشعب الفلسطيني وسيادته على أرضه المحررة، الأمر الذي يشكل بيئة إقليمية بامتداد العالمين العربي والإسلامي ضاغطة على الدول الكبرى، وفي المقدمة الولايات المتحدة والرئيس جو بايدن تحديداً، لكي تتخذ القرارات الصعبة، من اجل جعل مبدأ حل الدولتين عملية سياسية قابلة للحياة، تحقق مصالح متوازنة لكل الأطراف، وتضع الإقليم ككل أمام مرحلة تنافسية سلمية، وليست صراعية انتقامية همجية تعادي كل التراث الإنساني، كالذي تستهدفها إسرائيل وتُصر عليها ولا تنكرها، بل تعدها المصير الوحيد لبقائها ووجودها.

الإقتصاد والأعمال