السيد لم ينفعل ولم يتراجع

06.11.2023
أمين قمورية
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

أمين قمورية

بخطاب مدروس وكلمات مختارة بدقة وعناية رسم الأمين العام لـ"حزب الله" خطاً رفيعاً فاصلاً في تحديد موقفه وموقف حزبه والمحور الذي يشكل رافعة له، من الحرب، العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة. لم ينفعل ولم يأخذ لبنان بانفعاله الى اتون المعركة المفتوحة، لكنه أيضاً لم يتراجع وابقى السقف عالياً تاركاً احتمال خوضها بقوة تبعاً للوقائع الميدانية ، وذلك انطلاقاً من هدفين رئيسين هما: وقف حمّام الدم في غزة، وعدم السماح لإسرائيل بالقضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تحت أي ظرف، وعدم السماح بالإعتداء على لبنان وانتهاك سيادته.

ولعل غزة، هي اليوم اصعب تحد يواجه السيد في حياته السياسية والعسكرية الحافلة بالاحداث الخطيرة والمفترقات المعقدة. بعض المنفعلين الغاضبين من الجنون الذي تمارسه زمرة المتعصبين الحاقدين الحاكمة في تل ابيب بغطاء كامل من الاميركيين والأوروبيين، كانوا يمنّون النفس ان يطلق العنان لصواريخه والرد على الجنون الاسرائيلي بمثله انتقاماً للأطفال ونساء القطاع الذين يقتلون بدم بارد امام الكاميرات. لكن البعض الآخر كان يخشى ان يكون اقحام الحزب في الكامل في المعركة جراً للبنان الى مغامرة غير محسوبة تدمر البقية الباقية من البلد الهزيل والمفكك وان يجر هذه المنطقة المنكوبة الى الخراب .

بين هذا وذاك اختار السيد ان يدوزن مشاركة الحزب في هذه المعركة التي يشارك فيها فعلاً منذ اندلاعها في 7 أكتوبر ودفع الحزب من أجلها ثلة من خيرة الشباب، وأدت الى تخفيف الضغط العسكري عن غزة، باشغال نصف الجيش الإسرائيلي في الجبهة الشمالية المواجهة للبنان، واستنفار اميركا والغرب بالابحار باساطيلهم الى شرق المتوسط خشية ان يحدث تدخل الحزب فارقاً نوعياً في اختلال امن إسرائيل.  

ابقى السيد احتمال توسع الحرب قائما ولم يفتح ابوابها ولم يغلقها أيضاً، وابقى التوازن قائماً ما بين نجدة الفلسطينيين وتمكينهم من تحقيق نصرفلسطيني صافِ، بمعنى انه مساند وداعم للمقاومة الفلسطينية وليس بديلاً منها. وكشف ان عملية "طوفان الاقصى" كانت قراراً فلسطينياً صرفاً اتخذته قيادة "كتائب القسام" ولم تستشر به احداً ولم تعلم به ايضاً، لا الفصائل ولا "حزب الله " ولا حتى ايران. ومع تشديده على ان هذا الامر لم يزعج محور المقاومة ولا ايران ولا يغير شيء في تحالفهم ولا في دعم المحور للفصائل الفلسطينية المقاومة.

رسم نصرالله حدود دور حزبه بالحرب، انطلاقاً من هدفين رئيسين هما: وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعدم السماح لإسرائيل بالقضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تحت أي ظرف. وخاطب واشنطن بوصفها المسؤولة المباشرة عن العدوان الإسرائيلي على غزة، وأن مصير الحرب واحتمال تمددها لجبهات أخرى رهن سلوك الإدارة الأميركية بهذا الاتجاه.

وبما ان مصلحة اميركا اليوم حصر المعركة بغزة والاستفراد بـ"حماس"، حتى تؤسس لمسار سياسي بدأت معالمه تتشكل برسم مسار لحل فلسطيني على المقاس الاميركي الاسرائيلي الجديد، فان واشنطن تحاذر فتح حرب اقليمية قد تنتهي بعكس ما تشتهي سفنها، او تشغلها عن حربها بالوكالة مع روسيا في اوكرانيا وصراعها مع الصين. من هنا كان تحذير نصرالله بان الحشود البحرية لن تمنع الحرب الاقليمية، وان السبيل الوحيد لتجنب حرب كهذه هو ان تضغط واشنطن على اسرائيل لوقف العدوان بلا قيد او شرط او الاكتفاء بشروط معقولة لاتتضمن انهاء "حماس".  وشدد على أن الأهداف تسجل بالنقاط في الوقت الحالي وليس بالضربة القاضية، رداً على من يسأل "متى سيدخل حزب الله الحرب؟".

خطاب اللبنانيين اراح اللبنانيين الذين يواجهون المرحلة الاحرج في تاريخهم، ويتعين أيضا ان يطمأن الفلسطينيين بانهم ليسوا وحدهم وان لبنان لن يتخلى عنهم وان الجبهة اللبنانية تواصل لعب دورها كجبهة مساعدة ومساندة لغزة أي كانت التكلفة. ويبقى ان السياق النهائي لمعركة مرهون بصمود الغزيين، والحراك السياسي والشعبي بالمنطقة والمزيد من الضغط العربي والتدخل الحاسم لوقف العدوان ، كذلك  تبدل الرأي العام الدولي إزاء الإبادة الجماعية الجارية في القطاع، الأمر الذي بدا  يضغط على الدول الكبرى في اتجاه الذهاب الى هدنة إنسانية قصيرة الآن قد تتحول طويلة ، وحراك جدي وأكبر بملف الأسرى، وان كانت نهاية المشهد الحالي لم تظهر بعد.