مستقبل العلاقات الاوروبية الصينية الاميركية
ماكرون يرمي حجراً في المياه الراكدة

19.04.2023
الرئيسان الصيني والفرنسي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

   مازالت تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون حول تايوان  تثير العديد من ردود الأفعال في العالم. البعض يعتبرها تغيراً في مسار العلاقات الدولية بينما يعتقد البعض الآخر أنها تحول منطقي على ضوء التغيرات التي يشهدها العالم منذ بداية العقد.

الواقع أن تصريحات الرئيس الفرنسي حول الصراع الصيني التايواني تدخل في خضم التفاعلات الأخيرة التي شهدتها العلاقات الدولية منذ أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية الدولية والحرب الروسية - الأوكرانية والاهتزازات في بحر الصين. وهي كلها أزمات عميقة تعيد الى اذهان قادة أوروبا فترة ما بين الحربين والمآسي المرتبطة بها والنهاية الدراماتيكية لهذه الفترة في شكل حرب مدمرة تم بعدها إعادة صياغة العالم على الشكل الذي نراها.

ما يقوله الرئيس الفرنسي هو أنه لا يجب ان تنجر أوروبا الى الموقف الأمريكي دون مراعاة مصالحها الذاتية. ينطلق هذا الموقف أساساً من هاجس فرنسي أوروبي يمكن أن يختصر في جملة واحدة: هل تفعيل المادة الرابعة من معاهدة الحلف الأطلسي مسألة آلية في حالة تعرض أحد الدول الأوروبية الى عدوان خارجي؟

عملياً الإجابة محسومة في العلن، ولكن السنوات الأخيرة خاصة سنوات ترامب في الولايات المتحدة أثارت الشك في حقيقة التصرف الأمريكي المستقبلي وهذا الشك/الهاجس يعني أن المصالح الامريكية الأوروبية قد تتناقض مستقبلاً والرئيس الفرنسي يطرح هذه المسألة على العلن في شكل تساؤل هل هناك تطابق اميركي أوروبي فيما يتعلق بملف تايوان؟

على صعيد آخر فإن العامل الاقتصادي يجب أن لا يغيب عن تصريحات ماكرون حيث أن النخب الأوروبية باتت على وعي بالتغيرات الهيكلية التي تجري في الاقتصاد العالمي وهي التحولات التي تؤكد ان اجمالي الناتج الداخلي  الإجمالي للمجموعة البريكس قد تجاوز الناتج الداخلي الإجمالي لمجموعة الدول السبع. وهذا المعطى الذي من المنتظر أن يتزايد بصورة أكبر في السنوات القادمة يطرح سؤالاً عن حقيقة الصراع المحتمل مع الصين في المستقبل.

بعبارة أخرى هل المسعى الأمريكي الحالي والذي يصر على مسألة تايوان جوهره سياسي أم أن الأمر يتعلق بمحاولة الحد من القوة الصينية الصاعدة.

ماكرون في نهاية الأمر من خلال تصريحاته المثيرة للجدل يقول لجيران فرنسا هل مصالح الولايات المتحدة الامريكية هي نفسها مصالح أوروبا ولعل التأكيد الفرنسي على مسألة الصين الواحدة يبين رغبة فرنسية في تسجيل تفردها فيما يتعلق بموضوع الصين والعلاقات مع تايوان.

ردود الفعل التي جاءت بعد تصريحات الرئيس الفرنسي تؤكد مسألة الهواجس الأوروبية التي لم تجد بديلاً عسكرياً عن الولايات المتحدة ومازالت محتاجة للمظلة الامريكية على الرغم من القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي. ماكرون الفرنسي والذي يعد الوحيد في أوروبا القادر على الردع النووي يقول لنظرائه هل مصالح الولايات المتحدة الامريكية في الشرق الأقصى تتطابق مع مصالح أوروبا الاستراتيجية هذا من جهة ومن يدافع عن أوروبا عسكرياً في حالة عدوان من جهة أخرى.

فرص نجاح تصريحات ماكرون على مستوى العملي ضعيفة في هذا المرحلة لان هاجس الامن والخوف  من الاخر والدفاع في أوروبا مازال سيد الموقف في القارة العجوز والتناقضات الراكدة بين القوميات الأوروبية مرشحة في أي لحظة الى الاشتعال من جديد والدليل الحرب الروسية الأوكرانية حاليا والحروب التي صاحبت تمزق يوغسلافيا في نهاية القرن الماضي.

تصريحات ماكرون تدخل في صلب الإرث الديغولي لفرنسا والساعي الى استقلالية القرار الفرنسي خاصة فيما يتعلق بتفعيل الردع النووي وكانت فرنسا قد عبرت عن هذا الاختلاف أكثر من مرة في حرب الفيتنام وفي اقدام ديغول على الاعتراف بالصين الشعبية سنوات قبل الولايات المتحدة.

ها هنا نعود الى الصين من جديد وكأن السؤال في منتصف هذه العشرية وهو جوهر تصريحات ماكرون كيف نتصرف مع الصعود المطرد للصين.

أخيرا فإن وزير اعلام الرئيس ديغول وأحد كاتمي اسراره كتب في سبعينات القرن الماضي كتاب بعنوان: تستيقظ الصين ... يرتعد العالم.

وهذا جوهر تصريح الفرنسي ماكرون المسكون بهاجس الامن والمظلة الأميركية.

فارس مارسيلي