"المشرق الجديد" هل يكون نواة
لتكتل إقتصادي عربي شامل

24.06.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بغداد: الإقتصاد والأعمال

التعاون الثلاثي بين العراق ومصر والأردن، فكرة قديمة تتجدد بإستمرار ، لكن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أعاد بلورة الفكرة وطرحها مجدداً على أن تأخذ طريقها إلى المأسسة والتنظيم والتوسع حتى تكون نواة لتكتل اقتصادي عربي على النسق  الأوروبي ولبنة في بناء محور فاعل في المنطقة ، يقوم على التعاون الاقتصادي والسياسي بديلا عن التقوقع والتشرذم.

وحسناً فعل الكاظمي بإعادة احياء هذا المشروع ذلك ان اضاءة شمعة خير من لعن الظلام. واذا كانت التجارب العربية في إقامة مشاريع التعاون الاقتصادي والسياسي جبهت في الماضي بخيبات وتعرضت لنكسات على غرار ماحصل مع الاتحاد المغاربي ومجلس التعاون العربي الثلاثي بين مصر والعراق والأردن، واتفاقية السوق العربية المشتركة التي تسير بخطى عرجاء،  وعجز جامعة الدول العربية عن توفير حلول للازمات العربية المتلاحقة وعدم قدرتها على تفعيل العمل المشترك، لكن بعض هذه التجارب تمكنت إرساء أسس مهمة للتعاون والاستمرار والتكامل والديمومة ، وخصوصا مجلس التعاون الخليجي الذي استطاع تجاوز مطبات ومنعطفات خطيرة كادت تطيحه ، لاسيما في ذروة ازمة بعض دوله مع قطر.

"المشرق الجديد"

فكرة إقامة تعاون ثلاثي بين العراق ومصر والأردن اعيدت الى الحياة عام 2019، في القمة التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس السابق للوزراء العراقي عادل عبد المهدي، وكانت محور لقاء ثان بين الرئيس المصري والملك الأردني والرئيس العراقي برهم صالح على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2019، والقمة الثانية عُقدت في عمّان في 25 آب/ أغسطس 2020 التي مثلت التأكيد على المضي في تحقيق التعاون بين البلدان الثلاثة.

بيد أن مصطلح "المشرق الجديد" أُطلق على لسان الكاظمي للمرّة الاولى خلال زيارته الولايات المتحدة في آب/ أغسطس 2020، عندما ابلغ الى صحيفة "الواشنطن بوست" أن هناك مشروعاً استراتيجياً، يسعى إلى الدخول فيه، ويحمل اسم "المشرق الجديد"، وأوضح في لقاء خاص مع مجلة "الاقتصاد والاعمال" أنه: "مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي، يجمع القاهرة وبغداد وعمّان، لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات"، ومن شانه ان يؤسس بناء محور فاعل في المنطقة، يقوم على التعاون الاقتصادي والسياسي.

وجاءت قمة بغداد نهاية حزيران/يونيو 2021، لتجمع بين الأطراف الثلاثة، وتتضمن الاتفاق على طرح مشروع "المشرق الجديد"، وأشار فيها الكاظمي الى أنه في الإمكان أن تنضم دول أخرى إلى المشروع، قائلاً: "نحن نبحث عن تأسيس وأهمية النواة أن تكون جاهزة وناجحة، والمستقبل سيفرض من يحب أن ينتمي ضمن الشروط والظروف الاقتصادية للبلدان، وأبوابنا مفتوحة للجميع ويهمنا مصالح واستقرار دول المنطقة التي تحيط بهذه الدول".

وبالفعل بحثت هذه القمة في سُبل بلورة وتجسيد المشروع على أرض الواقع عبر عقد اتفاقيات وتفاهمات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية، ناهيك عن التركيز على ملفات الطاقة والاستثمار.

وتشكل الدول الثلاث أكثر من 160 مليون نسمة، وناتجها المحلي الاجمالي السنوي يتجاوز الـ 400 مليار دولار. ويؤسس المشروع لشراكات اقتصادية تستهدف العديد من القطاعات تحقيقاً للمتطلبات الوطنية.  ويرتكز في الأساس على ربط العراق بثرواته وموارده النفطية الكبيرة، مع مصر بثقلها السكاني وخبراتها في الكثير من المجالات وموقعها على البحرين المتوسط والأحمر، ومع الأردن بما تمتلكه من مزايا للنقل والموقع الجغرافي وما تمثله من حلقة ربط بين العراق ومصر، بحيث يركز المشروع على عناصر التكامل بين أطرافه الثلاث التي تتمثل في مصادر الطاقة والنقل والتبادل التجاري والاستثمار، والافادة من تجارب كل هذه الدول في ما بينها لاسيما في القطاعات الاقتصادية وتسهيل تدفق رأس المال وقطاع التكنولوجيا.

وتنطلق الخطوات التنفيذية الأولى لهذا المشروع  من خلال تعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث، وربط شبكات نقل الغاز بين العراق ومصر عبر الأردن، وإنشاء خط البصرة - العقبة الخاص بنقل النفط الخام، والتعاون في مجال الطاقة المتجددة والبتروكيميائيات وبناء القدرات والخبرات، والتعاون في المجال الصناعي والزراعي واستكمال إنشاء شركة إقليمية لتسويق المنتجات الزراعية، والتعاون في مجال النقل العام وتسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة المرور، وتوأمة الأكاديميات البحرية بين الدول الثلاث، وتوفير المناخ المناسب لدعم شركات القطاع الخاص لتنفيذ المشروعات في الدول الثلاث، فضلاً عن حصول الأردن على النفط بأسعار تفضيلية يقدمها العراق.

البُعد السياسي

على رغم من أن الهدف المُعلن لمشروع "المشرق الجديد" هو التنسيق والتعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، فان البعد السياسي يظل حاضرا بقوة، ذلك ان أي صيغة للتعاون بين دول عربية من شأنه ان يعزز الحضور ويعيد له الوزن الحقيقي والمفترض في ظل اختلال التوازنات الإقليمية لمصلحة دول اجنبية على حساب العرب وإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للاقليم. لذا كان مكافحة الإرهاب على راس أولويات التعاون بين بين العواصم الثلاثة ، كذلك التركيز على الملفات الساخنة في المنطقة لاسيما منها الملفين السوري واليمني.كما كان للبنان نصيب وافر من المحادثات الرسمية والهامشية بهدف حماية هذا البلد من الانهيار الشامل.

وللاقتصاد أيضاً أوجه سياسية بامتياز ، ذلك ان 80 في المئة من محطات الكهرباء في العراق تعتمد بشكل أساسي على الغاز المستورد من ايران بمليارات الدولارات سنويا، لذا فان امكان افادة العراق من غاز  الأردن ومصر، وهما عضوان في منتدى غاز المتوسط، قد يفسر بانه ضربة لنفوذ طهران لن تسكت عنها.

وفي ظل المخاوف من ان تكون هذه الخطوة، مشروع تحد لإيران ونفوذها الكبير في العراق والمنطقة ، فان الكاظمي الذي انتهج منذ وصوله الى السلطة سياسة تحويل العراق الى ساحة تلاقي وحوار بدلا من ان تكون ساحة صراع واقتتال، والتخلص من سياسة المحاور. وعمد الى تولي دور الوسيط في القضايا الخلافية الساخنة في الإقليم، لاسيما عبر رعايته للحوار السعودي الإيراني الذي قطع اشواطا واسعة نحو الانفراج، وكذلك رعاية الحوار بين خمس دول متخاصمة في المنطقة، وترك أبواب التواصل مفتوحة مع سوريا، يؤكد  ان المشروع ليس ضد طهران بل يمكن ان يكون حاجة ومتنفسا اقتصاديا لها أيضا ، انطلاقا من مبدأ "الاستثمار في الاستقرار". كما يؤكد ان المشروع لايستهدف سوريا ولا يهدف الى مواصلة حصارها بل ستكون ابوابه مشرعة امام دمشق فور انتهاء ازمتها السياسية وعودتها المنتظرة الى الحضن العربي، حيث ان بغداد هي من اكبر الداعمين لهذه العودة في اسرع وقت، ويشدد على ان التكتل المنشود يمكن ان يكون الرافعة الأساس في إعادة اعمار سوريا.

إنضمام لبنان

ويطمح الكاظمي في انضمام لبنان قريباً الى المشروع المشرقي لعله يكون مُعيناً له ما بعد انهياره الاقتصادي والمالي ومخرجاً له من أزماته بحكم ما قد يوفره من إعادة بث الحياة في شرايينه الاقتصادية لا سيما المعابر والمرافىء وخطوط النفط والمصافي وبطبيعة الحال التسهيلات المالية.

وبين لبنان والعراق تاريخ كبير من التعاون فمرفأ طرابلس كان يسمى مرفأ العراق، وهناك مصفاة النفط العراقية، المدرجة على جدول الاعمال لاعادة تفعيلها . والكثيرون من العراقيين يزورون لبنان من أجل السياحة ومواصلة التحصيل العلمي والجامعي والطبابة في مستشفياته. ويتصدر العراق قائمة ابرز أسواق الصادرات اللبنانية الزراعية والصناعية ،  وكان الميزان التجاري بين لبنان والعراق في حالة فائض لصالح لبنان في العقدين الماضيين.  ويهتم  الجانب العراقي بكيفية إعادة الشركات اللبنانية التي كانت تعمل سابقاً في مجال الزراعة والاستصلاح الزراعي والصناعات الغذائية والدوائية إلى العراق، خصوصا وأن العراق سوق واعدة، فضلاً عن أن الصناعات الغذائية اللبنانية في العراق مطلوبة . وكان للعديد من الشركات اللبنانية تجارب ناجحة في العراق خلال مرحلة الثمانينات والسبعينات في سوق الطاقة تحديدا.

و المشروع لا يستهدف دول الخليج ولا دورها الاقتصادي ذلك ان اطرافه الثلاث تقيم افضل العلاقات مع دول مجلس التعاون وفي مقدمها المملكة العربية السعودية. ويشهد العراق في الآونة الأخيرة نشاطا مكثفا للشركات الخليجية عموما والسعودية خصوصا في المجالات الاقتصادية والمالية والاستثمارية.  ويؤكد الكاظمي ان العراق لم يكن بعيدا عن الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة، التي اطلقتها أخيرا كل من من مصر والأردن و الإمارات كي تكون أساسا لإقامة المشاريع الصناعية الكبيرة المشتركة، مما يساهم في توفير فرص العمل وتعزيز نمو الناتج المحلي وتنويع الاقتصاد وتحقيق نموا قويا في الصادرات.. ويشير الى ان المدينة الصناعية العراقية في الرمادي هي جزء لايتجزأ من المشروع الثلاثي، لكن الوضع الحكومي الخاص في العراق حال دون الانضمام رسميا الى الشراكة الصناعية كون حكومة الكاظمي الان هي حكومة تصريف اعمال لايجوز لها دستوريا توقيع اتفاقات دولية.

يبقى نجاح مشروع "المشرق الجديد" مستقبلاً قائماً على تحقق العديد من شروط هذا النجاح، والتي تتمثل في الاستقرار السياسي والأمني في البلدان الثلاث، والابتعاد عن سياسة المحاور اذا كان ذلك ممكنا، واستمرار وجود نخب سياسية في مراكز صُنع القرار تسعى إلى تعزيز العلاقات العربية- العربية.

وبالطبع يصعب تخيل هذا النجاح مالم يتحقق انضمام لبنان وسوريا لاحقاً، الى هذا التكتل الاقتصادي الحيوي والذي يعزز التكامل العربيالعام لاسيما مع مجلس التعاون الخليجي.