وصفة شاملة لتنمية الصادرات العربية
للأسواق الأفريقية

12.12.2018
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم: د. مغاوري شلبي علي

رئيس المجموعة الاقتصادية في المكتب الفني لوزير التجارة والصناعة– مصر

 

لا شك في أن أفريقيا تعتبر أرض الفرص الاقتصادية للدول العربية، وأن الدول العربية تسعى الى استغلال هذه الفرص، وتنظر إلى أفريقيا على أنها سوق واعدة لصادراتها، وبعض هذه الدول وضعت استراتيجيات وخططاً لتنمية صادراتها إلى الدول الأفريقية وتعزيز العلاقات الاقتصادية معها على مستوى القطاعين الحكومي والخاص، كما يلاحظ أن الأجهزة الحكومية في جميع الدول العربية لديها كيانات تنظيمية كبيرة تعمل من أجل تعزيز العلاقات الاقتصادية وتنمية صادراتها للدول الأفريقية، وعلى مدار عقود طويلة بذلت هذه الجهات جهوداً كبيرة لتعزيز العلاقات التجارية مع الدول أفريقيا جنوب الصحراء، ونظّمت عدداً كبيراً من الفعاليات والزيارات المتبادلة، وقدمت عدداً أكبر من الأفكار والاقتراحات والمبادرات بخاصة في مجال تنمية الصادرات، كما تعاونت الدول العربية في ما بينها لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية، ووضعت برامج عربية، وقدمت عوناً إنمائياً سخياً من للعديد من القطاعات الاقتصادية لدول فريقيا جنوب الصحراء.

معوقات التبادل التجاري

وبعد هذه العقود من العمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية العربية الأفريقية وتنمية الصادرات العربية إلى الدول الأفريقية جنوب الصحراء، هناك سؤال مطروح بقوة وهو: هل حققت هذه الجهود أهدافها؟ وهل أصبحت هذه الدول شريكاً تجارياً مهماً للبلدان العربية في مجال الصادرات؟ 

ولأن الإجابة المبدئية على هذا السؤال معروفة، فإن السؤال الأهم هو: ما هي المعوقات والتحديات التي تؤثر على فرص تنمية الصادرات العربية إلى الدول الأفريقية جنوب الصحراء؟ وما هي المعوقات التي ترجع إلى الدول العربية؟ وما هي المعوقات التي ترجع إلى الدول الأفريقية، وما هي المعوقات التي ترجع إلى المستجدات في بيئة التجارة العالمية، وغيرها من المعوقات الاقتصادية؟

إن التحليل الدقيق لتطور الصادرات العربية إلى أسواق الدول الأفريقية جنوب الصحراء خلال العقد الأخير يوضح تطورها من حيث الكم والكيف، ومن حيث أهم العوامل المؤثرة على فرص تنميتها، كما إن التحديد الدقيق للمعوقات يقدم المداخل الفعّالة التي يمكن من خلالها تقديم حزمة من السياسات والآليات المقترحة للتغلب على هذه المعوقات.

إن تحليل الوضع الراهن يؤكد على أن ضعف العلاقات التجارية بين الدول العربية ودول أفريقيا جنوب الصحراء، وضعف نمو الصادرات العربية إلى هذه الأسواق هو نتاج لمزيج معقد من المعوقات والصعوبات، التي يرجع بعضها الى الدول في كلا الطرفين، ويرجع بعضها الى البيئة التجارية الدولية، والى التنافس الدولي على أسواق أفريقيا، ويرجع بعضها الآخر الى معوقات فنية كثيرة في مقدمها تلك المرتبطة بقواعد المنشأ، وتقلبات أسعار الصرف، وصعوبة الإجراءات وارتفاع تكاليف التجارة، ووجود فجوة في تمويل وضمان التجارة، وغيرها. 

كما إن المتغيرات والمستجدات الدولية، وبخاصة التوجهات في بيئة التجارة الدولية وتزايد السياسات التجارية الحمائية، تفرض على الدول العربية والدول الأفريقية جنوب الصحراء إعادة النظر في منظومة العلاقات التجارية بينهما، والنظر إليها من منظور جماعي، وفي إطار رؤية شاملة، كما تطرح تلك المستجدات والمتغيرات عدداً من الحقائق التي يجب على راسمي السياسات التجارية في الدول العربية ودول أفريقيا جنوب الصحراء أخذها في الحسبان، وأهمها ضرورة تبني سياسة الانفتاح المنضبط على الأسواق العالمية، وأن تكون نظم التجارة والاستثمار أكثر شفافية، وضرورة تطوير ورفع كفاءة الإجراءات الجمركية، وتسهيل التجارة وتحقيق تنافسية الصادرات والواردات معاً، وعدم التعويل كثيراً على سياسة تخفيض قيمة العملة لتنمية الصادرات.

لجعل التجارة والإستثمار محور العلاقات بين العرب وأفريقيا بدل السياسة والمعونات

إعادة النظر بالإتفاقات التجارية 

يلاحظ أنه رغم وجود عدد كبير من الإتفاقات الثنائية التي تنظم العلاقات التجارية بين الدول العربية والدول الأفريقية جنوب الصحراء، إلا أن تأثير هذه الإتفاقات على تنمية الصادرات العربية لهذه الأسواق محدود، لأن هذه الإتفاقات لم يتم توقيعها بناء على دراسات فعلية حول إمكانية قيام التجارة، وأغلبها اتفاقات إطارية نمطية لا تتضمن قواعد تفضيلية للمنشأ، ولا تقدم مزايا تفضيلية أكثر مما تقدمه اتفاقات منظمة التجارة العالمية، ومن ثم فإن هذه الإتفاقات لم تعد كافية بشكلها الحالي للنهوض بالتبادل التجاري بين الطرفين. والى جانب ذلك يلاحظ أن عمل الكيانات المؤسسية المعنية بالتعاون الاقتصادي العربي الأفريقي لا يؤثر بالقدر الكبير على تنمية العلاقات التجارية بين الطرفين، وذلك لغياب التنسيق والتكامل بين أدوار هذه الجهات وجهودها، ومن ثم فإن تعزيز تأثير عمل هذه الجهات على تنمية الصادرات العربية للأسواق الأفريقية جنوب الصحراء يحتاج إلى التنسيق بينها، واستخدام الدول العربية لعلاقاتها مع هذه الكيانات للإتفاق على رؤية مشتركة لتعزيز التعاون التجاري بين الدول العربية والدول الأفريقية جنوب الصحراء.

وتوضح المؤشرات الدولية أن هناك صعوبات في بيئة التجارة عبر الحدود في الدول العربية والدول الأفريقية جنوب الصحراء، حيث ارتفاع تكاليف التصدير والاستيراد، وطول الوقت اللازم لإتمام عملية التصدير والاستيراد وذلك مقارنة ببقية دول العالم، وهذا ما يؤثر على فرص تنمية الصادرات بين الطرفين، كما يؤثر عدم الاستقرار في أسعار صرف العملات في الدول العربية ودول أفريقيا جنوب الصحراء على فرص تنمية الصادرات، حيث يكون من الصعب التنبؤ بأسعار الصادرات أو تقدير تكلفة الواردات، كما إن سياسة تخفيض قيمة العملة من أجل زيادة الصادرات سياسة غير فعالة في حالة الدول العربية لأنه رغم انخفاض قيمة عدد كبير من عملات الدول العربية فإن صادراتها للدول الأفريقية جنوب الصحراء قد انخفضت خلال الفترة (2013-2017)، وذلك لأن سياسة تخفيض قيمة العملة لا تحقق تنافسية الصادرات والواردات معاً في هذه الدول.

سياسة تخفيض العملة لزيادة الصادرات غير فعّالة في حالة الدول العربية

مشاكل قواعد المنشأ والتمويل

ويضاف الى المعوقات السابقة مشكلة التعدّد والتداخل في قواعد المنشأ التي تطبقها الدول العربية ودول أفريقيا جنوب الصحراء على تجارتها الخارجية، ففي ظل غياب قواعد منشأ تفضيلية متفق عليها بين الطرفين فإن الصادرات العربية والأفريقية تكون في وضع تنافسي أقل مقارنة بصادرات الأطراف الأخرى إلى الأسواق العربية والأفريقية، بخاصة الصادرات التي تحصل على مزايا تفضيلية بموجب اتفاقات لتحرير التجارة.

كما إن التنافس الدولي على الأسواق الأفريقية يؤدي إلى تراجع الصادرات العربية لهذه الأسواق، ومن ثم تحتاج الدول العربية للاستفادة من الاستراتيجيات والسياسات التي تطبّقها الدول المختلفة في التعامل مع الأسواق الأفريقية جنوب الصحراء من أجل تنمية العلاقات التجارية مع هذه الدول وتنمية الصادرات لأسواقها.

ومن المعوقات التي لا يجب إغفالها ما تعانيه التجارة بين الدول العربية ودول أفريقيا جنوب الصحراء من نقص في التمويل والضمان، وذلك لأسباب كثيرة في مقدمها ارتفاع مخاطر تمويل التجارة في المنطقة العربية، وفي دول أفريقيا جنوب الصحراء، ومن ثم فإن فجوة تمويل التجارة تعتبر أحد معوقات تنمية الصادرات العربية لهذه الأسواق، وهي مشكلة تحتاج الى تعاون الدول العربية في التغلب عليها بشكل سريع.

مواجهة المعوقات والتحديات

إن التغلب على هذه المعوقات يتطلب تنسيق الدول العربية بين سياساتها وتوجهاتها لتنمية علاقاتها التجارية مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، وإنشاء شبكة عربية أفريقية للمعلومات التجارية بالتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، ويمكن أن يتم ذلك من خلال برنامج عربي أفريقي لإنشاء نقاط للتجارة الدولية في الدول العربية والدول الأفريقية، وربطها معاً من خلال شبكة واحدة تعمل على الترويج للفرص التجارية بين الطرفين، وتنشيط الملحقيات التجارية العربية في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، لتقوم بالتعرف على طبيعة أسواق هذه الدول وعلى احتياجاتها، ولتوفير المعلومات للمستثمرين والمصدرين من الدول العربية، وتعاون الدول العربية لتسيير خط ملاحي منتظم بينها وبين الدول الأفريقية الساحلية، وتعزيز التواجد العربي في دول أفريقيا جنوب الصحراء في المجال الثقافي والإعلامي، حيث إنها مجالات تدعم التواجد الاقتصادي للدول العربية في هذه الأسواق، كما إن هناك فرصاً لتكوين تحالفات بين رجال الأعمال من الدول العربية لإقامة شركات للإستثمار الزراعي في دول أفريقيا جنوب الصحراء، للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي العربي، وتوسيع نشاط البنوك العربية في الأسواق الأفريقية جنوب الصحراء.

كما يتطلب الأمر تعاون الدول العربية والدول الأفريقية جنوب الصحراء مع المنظمات الدولية المعنية (WTO) لتنفيذ ما جاء في اتفاق تسهيل التجارة الموقع في مدينة بالي العام 2013، وذلك بتمويل من مؤسسات العون الإنمائي العربي، وكذلك من أجل التغلب على صعوبة الإجراءات وارتفاع تكاليف التصدير والاستيراد، ولتسهيل نفاذ صادرات كل طرف إلى أسواق الطرف الآخر، والتعاون في إنشاء غرف مقاصة عربية أفريقية للتغلب على مشكلة نقص العملات الأجنبية ولمواجهة مشكلة عدم استقرار أسعار الصرف، كما إن الفرصة سانحة للبدء في مفاوضات بين الدول العربية ودول أفريقيا جنوب الصحراء للتغلب على التحديات المرتبطة بقواعد المنشأ، سواءً في الاتفاقات الثنائية، أو في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، أو في إطار منطقة التجارة الحرة الأفريقية القارية. 

تعزيز التواجد العربي في المجالين الثقافي والإعلامي يدعم التواجد الاقتصادي

التجارة والاستثمار بدل المعونات 

يمكن ربط العون الإنمائي والمساعدات المقدمة من الدول والمؤسسات الإنمائية العربية بفتح الأسواق الأفريقية أمام الصادرات العربية، واستخدام القوة الناعمة للدول العربية لتنمية صادراتها لأسواق أفريقيا جنوب الصحراء، والعمل على إحياء مبادرة إنشاء المؤسسة العربية الأفريقية للتمويل والاستثمار التي اقترحتها الكويت العام 1989، والتعاون في مجال بناء قواعد بيانات تخدم تمويل وضمان التجارة بينهما.

والى جانب أهمية التغلب على معوقات التجارة بين الطرفين، فإن تحقيق النجاح في تنمية الصادرات العربية للأسواق الأفريقية يتطلب أن تنطلق توجهات الدول العربية نحو هذه الأسواق من فلسفة جديدة، وهي جعل محوري التجارة والاستثمار هما جوهر العلاقات الاقتصادية بين الطرفين وليس محور المعونات ولا محور القضايا السياسية رغم أهمية هذين المحورين، وذلك لأن قيام العلاقات الاقتصادية بين الطرفين على محوري التجارة والاستثمار يحقق المصالح العربية والأفريقية في الوقت نفسه، ويسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لدول الطرفين، ويساعد في القضاء على أهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها هذه الدول، ومن أهمها الفقر، والمجاعات والتصحر والأمية واختلال موازين المدفوعات وتفاقم المديونية. أما المعونات حتى الإنمائية منها،  فإنها مجرد مسكنات لهذه المشاكل وغير كافية للقضاء عليها رغم أهميتها.