المهندس والمصرفي جوزف ساسين
فنان يلمع في «اختبار الضوء»

23.11.2018
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رمزة عسّاف

مهندس معماري، مصرفي عتيق.. ووراء الإثنين فنان مبدع ، أخذ من عمله الإداري الأرقام ومن تخصصه الهندسي كل الخطوط  ليرسم في الظل لوحاتٍ من ضوء. 

جوزف ساسين، المهندس الذي عُيّن أميناً عاماً لمجلس الإنماء والإعمار في العام 1977 ، شاءت الظروف أن ينتقل إلى عالم المال. فاختير، لجدارته وخبرته ومصداقيته، كي يكون على رأس مصرف الإسكان منذ العام  1983 وحتى اليوم.  لكن ابن الأشرفيه الذي رأى في الهندسة جانباً تجميلياً وحتى رومانسياً ، كان يميل منذ طفولته إلى الفن الجمالي، ومن الجدران الكلسية في بيته كان ينزع بعض القطع ليرسم على الأرض أشكالاً تجريدية. 

هو الذي لم تغلب الأرقام إحساسه بل طبّق لغة الأرقام على الفن، ووظفها في خدمة مشاعره، فتفجّرت في أفكار مبدعة وألوان رائعة عكست شخصية فنان استثنائي بثقافته. 

وها هو اليوم ابن الـ 82 عاماً يترجم موهبته وإبداعه في أعمال كان بدأها في الظل لسنوات قبل أن ينجح الأهل والأصدقاء بإقناعه بضرورة إخراجها إلى الضوء وجمعها في معرض حمل شعار «اختبار الضوء». 

العمل الذي كان معزولاً وموضوعاً على الهامش سابقاً، صار محط أنظار كثيرين. فأنجز جوزف ساسين أولى لوحاته في السبعينات بوحي من الأيقونات البيزنطية. وإلى البيزنطية أضاف إلى لوحاته غنىً استقاه من الحضارات الاخرى كالسومرية والمصرية والفينيقية والعربية. 

الرقم الذهبي

ولعلّ أهم ما في أعمال هذا المثقف انه أعاد تجسيد «الرقم الذهبي» وطوّر لغة فنية خاصة به. لقد حاول الجمع بين العقلانية والعاطفة، وإذا كانت العاطفة متجسدة عنده باللون والنور، فالعقلانية هي بالمقاييس والنسب على قاعدة (1.618) أو ما يُسمّى بالرقم الذهبي الذي يوصل إلى الإنسجام والتناسق في كل شيء. هذا الرقم الذي اخترعه ليوناردو دي فنشي يُطبّق على مقاييس الإنسان والطبيعة وكل شيء.

«الفن لا يُشرح ولا يُفسّر بل هو نوع من الإحساس الذي يختلف بين شخص وآخر»، هذا ما يقوله ساسين الذي يقف في متحف سرسق سعيداً بردود فعل الزوّار المتنقلين بين لوحاته التجريدية التي تجتمع فيها الأحاسيس الآتية من جمالية الأشياء ومن البعد الماورائي من خلال المواد التي اخترعها والتي تمتص الضوء. ويقول: «هناك عمق في لوحاتي، فهذا الخط الرفيع بين عالم النور وعالم الظلمة هو العالم الماورائي الذي يعني الأمل والرجاء». 

الهروب من الواقع

ولكن كيف وُلدت الفكرة؟ يجيب ساسين «أن الفكرة بدأت خلال الحرب الأهلية. فبسبب ما ارتُكب من جرائم وفظاعات، هربت من ذلك الواقع المرير ولجأت رغماً عني إلى داخلي وإلى إيماني الشخصي وبدأت أسكب من ذاتي في الأيقونات بدايةً».  وإذا كان الشعور الإيماني الذي تفجّر به هو الذي ساهم في انجاز أيقونتين جميلتين، إلا أن ما لحق من لوحات كان نتيجة تطور الأبحاث لديه حيث دخل وتعمّق بتاريخ الحضارات في الشرق الأوسط والتي تجتمع كلها أحياناً في لوحة واحدة. 

في أرجاء متحف سرسق لوحات استُخدمت فيها مواد من صخر لبنان ومن جذوع الأشجار، بالإضافة إلى كل شيء يمكن أن يرميه الإنسان كنفايات من بطاريات وقناني زجاجية وبقايا أجهزة الكمبيوتر وغير ذلك. وبذلك أعطى ساسين المادة التي كانت ذاهبة إلى مستوعب النفايات وظيفة وقيمة فنية. ويؤكد «إن كل ما ترونه في هذه اللوحات آتٍ من مواد معدّة للرمي أي من النفايات»، مستحضراً دعوة والدته له عندما كانت تقول «انشالله تمسك التراب يقلب ذهب». ويقول: «فعلاً، من شيء لا قيمة له تمكّنت من صنع شيء له قيمة كبيرة». 

ويشير ساسين إلى أن الزجاجات الفارغة يتم تكسيرها من قبل أشخاص يعملون معه ويتم طحنها ثم مزجها بمواد ملونة قبل أن توضع في فرن خاص ليتم استخدامها في اللوحات . وبذلك يكون جوزف ساسين إبتكر اسلوباً جديداً لا يمكن للصورة أن تعطيه قيمته لأنه يرسم بواسطة الضوء. 

في الختام لا بدّ من الأعتراف بأن أعمال ساسين فريدة تشبهه هو، وهي بالتالي لا تحتاج إلى توقيعه لمعرفة هوية صاحبها، علماً انه يخفي توقيعه على لوحاته لأنه مؤمن «بأن الفن يجب أن يبقى بلا هوية كي لا يتأثر الإنسان بالعمل أو بمن أنجزه».