الجزائر:
هل يتمّ تغيير قانون المحروقات

07.12.2017
عبد المؤمن ولد قدور
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
مارسيلي فارس

تعتزم الجزائر إحداث تغييرات عميقة في قانون المحروقات بهدف جذب المزيد من الاستثمارات في قطاع الطاقة الذي يشكل المصدر الأساسي للعملة الصعبة، وهذه الرغبة جاءت على لسان أكثر من مسؤول، من الوزير الأول أحمد أويحي إلى الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك  التي تسيّر قطاع المحروقات في الجزائر منذ الاستقلال.

من المنتظر حسب مستشار الرئيس المدير العام لسوناطراك محي الدين طالب أن يتم طرح مشروع قانون المحروقات المعدل خلال النصف الأول من العام المقبل. 

عائق البيروقراطية 

  يرى الوزير السابق والمدير العام الأسبق لسوناطراك عبد المجيد عطار أن قانون المحروقات ليس قانوناً عادياً في الجزائر، وأثبتت الممارسة منذ سنوات عدة أن الإطار الحالي الذي  يحكم قطاع الطاقة في الجزائر لم يعد يستجيب لمتطلبات المرحلة ولم يحقق الأهداف المنتظرة منه بسبب البيروقراطية التي تطبع قطاع الطاقة والدليل على ذلك، هو تراجع حجم الاستثمارات في قطاع المحروقات وجمود معدلات الإنتاج الإجمالي من النفط والغاز في السنوات الأخيرة .

الوزير السابق يؤكد ضرورة البحث عن نماذج لعقود جديدة مع الشركاء الأجانب، لأن العقود الحالية لم تعد تفي بالمطلوب. فعلى سبيل المثال سجل انتاج الجزائر من النفط في أكتوبر المنصرم تراجعاً بنسبة 0.46 في المئة، ويعزى هذا الانخفاض إلى تراجع الاستثمارات في قطاع الطاقة إلى درجة أن  العديد من عروض الاستكشاف التي تطرحها الجزائر لم تجد منْ يستثمر فيها. 

قطاع يبحث عن استقرار

ويعتقد عبد المجيد عطار أن هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى عدم الاستقرار الذي يطبع قطاع الطاقة في الجزائر والذي عرف تغيّرات مختلفة في السنوات الأخيرة تمثلت في قانون 2005 الذي تمّ تعديله في 2013 بالإضافة إلى الجدل المثار حول سياسة الجباية المرتبطة بالمحروقات والتي أدت بسوناطراك وشركائها للوصول إلى التحكيم الدولي لفض النزاعات المرتبطة بالضرائب في إطار قضية اناداركو الاميركية الشهيرة والتي أفضت إلى إجبار الجزائر على دفع تعويضات ضخمة للشركة الاميركية. وقد دفع ذلك بشركة سوناطراك إلى اعتماد الحلول الودية مع الشركات الأجنبية، كما حصل مع شركة توتال الفرنسية عقب تولي عبد المؤمن ولد قدور مسؤولية تسيير سوناطراك.   

أزمة عائدات 

ومن الناحية السياسية والاقتصادية، فإن هذه الإرادة لتغيير قواعد اللعبة في قطاع الطاقة تعبر عن عمق أزمة العائدات التي تعيشها الجزائر منذ انهيار أسعار النفط قبل ثلاث سنوات، الأمر الذي يدفع إلى ضرورة تعديل منهجية التسيير. وقد عرف قانون المحروقات منذ الاستقلال العديد من التغييرات وكانت التعديلات تثير في كل مرة جدلاً سياسياً واقتصادياً واسعاً نظراً الى حساسية المسألة على أكثر من صعيد، وتعتبر العديد من الأوساط ان تعديل قانون المحروقات هو محاولة للإجابة على الأسئلة العديدة التي تطرح على الجميع والتي تتعلق بالمعادلة الثلاثية الطرف، أي حجم الإنتاج اللازم الذي يضمن في الوقت ذاته ثلاث مسائل أساسية بالنسبة الى الجزائر حاضراً ومستقبلاً هي: تلبية الاستهلاك الداخلي، فائض قابل للتصدير، وحق الأجيال المقبلة من الطاقة ومن الريع بصورة عامة.

زيادة الإستثمارات

وتعديل قانون المحروقات يعني الإجابة على تلك الأسئلة من خلال تشجيع الاستكشاف والإنتاج والتكرير وتدعيم قطاع البتروكيماويات، وهذا يمر عبر تكثيف الاستثمارات في قطاع الطاقة حيث تنوي سوناطراك استثمار ما يقارب  50 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة وفق ما أعلن الرئيس المدير العام لسوناطراك عبد المؤمن ولد قدور. هذا الحجم من الاستثمارات يعبر عن طبيعة التغيرات التي تنوي السلطات الجزائرية إحداثها في قانون المحروقات، ومن المنتظر ان تشمل السياسة الضريبية بهدف تشجيع الاستثمارات وعدم تكرار تجربة الضريبة الزائدة على الأرباح الكبرى التي أضرّت بالمصالح العليا للجزائر في السنوات الأخيرة.

إلى ذلك، إن اصدار أو تعديل قانون المحروقات ليس مجرد رغبة في تدعيم القطاع بل بات ضرورة استراتيجية في ظل المعطيات الحالية في الساحة الجزائرية. معطيات تؤكد مسألتين أساسيتين من الضروري إيجاد حل لهما في أقرب وقت وهما توفير فائض قابل للتصدير في ظل طفرة عميقة تعيشها  صناعة النفط، وضمان الاستهلاك المحلي من الطاقة الذي يشهد نمواً مضطرداً يقدّر بنحو 7 في المئة سنوياً، وهي نسبة تستهلك جزءاً كبيراً من الانتاج المقدر بنحو 95 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، حيث يقدر الاستهلاك الداخلي بنحو 42 مليار متر مكعب بالإضافة إلى 1.5 مليون يومياً من النفط.

مستقبل صناعة المحروقات

التساؤلات حول مستقبل صناعة المحروقات في الجزائر لا تشمل فقط القانون بل تتعلق أيضاً بمنهجية تسيير شركة سوناطراك وضرورة البحث عن استراتيجية تجارية جديدة أكثر جذباً للأسواق. وكان رئيس الشركة واضحاً عندما قال في أكثر من مناسبة إن على الجميع التساؤل عن مصير سوناطراك في العشرين سنة المقبلة خصوصاً على مستوى التسيير والعلاقات مع الشركاء والتحكم بالموارد البشرية أي بإختصار تحويل المؤسسة من مؤسسة اقتصادية ذات منطق سياسي هدفها توفير الريع، إلى مؤسسة اقتصادية تحقق الربح وتعتمد على المعايير الدولية في التسيير وفي الولوج إلى الأسواق الدولية. 

ولأن الامر سياسي بالدرجة الأولى، فإن الاقتراب من الإصلاحات في قطاع المحروقات في الجزائر يتمّ بحذر شديد ووسط إطلاق بالونات اختبار عديدة إلى درجة ان أحداً لا يعرف مدى التغيرات التي من المنتظر ان يعرفها القطاع، وهل يشمل قاعدة 49/51 الشهيرة التي تحكم العملية الاستثمارية في الجزائر والتي يعتبرها البعض أهم عائق في وجه تدفق الاستثمارات الأجنبية؟ 

تغييرات في خدمة الإصلاح

حتى الآن، كل من تدخل في المسألة أكد أن التعديلات لن تمس القاعدة، وأن الأمر يخص سياسة الجباية فقط بينما يعتبر البعض الآخر ان التغيرات قد تكون أعمق خصوصاً وأن الوقت لم يعد يعمل لصالح الجزائر في قطاع يتغير بسرعة وبشكل متواصل.

لا شك في أن الأزمة المالية التي تعيشها الجزائر أدت بالسلطات إلى التفكير في تغيير كل أنماط التسيير المرتبطة بالاقتصاد، والبداية تكون من قطاع المحروقات، وكأن الرسالة هي أن الإصلاحات تعني الجميع وعلى قطاع الطاقة ان يتكيف ويتحول من التسيير السياسي إلى الاقتصادي، باعتبار أن العارفين يؤكدون أن نجاح العملية في قطاع الطاقة الجزائري يعني حتماً نجاح الإصلاحات الاقتصادية في كل مناحي الحياة في الجزائر.